دينا الحسيني تكتب: داخل العاشر من رمضان.. مراكز الإصلاح والتأهيل مشروع قومي لتقويم سلوك العائدين من الجريمة

الخميس، 04 ديسمبر 2025 11:03 ص
دينا الحسيني تكتب: داخل العاشر من رمضان.. مراكز الإصلاح والتأهيل مشروع قومي لتقويم سلوك العائدين من الجريمة

في زيارة ميدانية لمركز الإصلاح والتأهيل بالعاشر من رمضان، شاركت وفد متنوع ضم ممثلين عن منظمات حقوق الإنسان والمجتمع المدني وهيئات قضائية والمجلس القومي للمرأة وعدد من الإعلاميين، بدا واضحًا منذ اللحظة الأولى أن ما يجري داخل هذه المراكز يتجاوز تمامًا الصورة النمطية التي اعتاد البعض ترويجها عن “السجون”، وأننا أمام مشروع قومي حقيقي يضع الإصلاح والتأهيل في جوهر فلسفته، بعيدًا عن أي مفاهيم عقابية تقليدية.
 
ما شاهدناه على أرض الواقع جاء نقيضًا لما تروج له الجماعات المعادية من أكاذيب بشأن انتهاكات وتعذيب، فالواقع مختلف كليًا ويعكس نقلة نوعية متكاملة في احترام حقوق الإنسان وصون كرامته.
 
WhatsApp Image 2025-12-04 at 11.01.55
 
 
استقبلنا في بداية الجولة اللواء دكتور حسام عبد العزيز مساعد وزير الداخلية لقطاع الحماية المجتمعية، الذي كان حريصًا منذ اللحظة الأولى على أن يناقش أعضاء الوفد النزلاء مباشرة، وأن يستمع كل فرد إلى ظروفهم وتجاربهم داخل المركز، ليقف على الحقيقة من مصدرها، وأوضح خلال حديثه أن مصر، التي عُرفت بتمكين المرأة منذ العصور الفرعونية وحتى اليوم، نجحت في إنشاء جيل جديد من مراكز الإصلاح والتأهيل يُعد من الأحدث عالميًا وفق معايير حقوق الإنسان، بدءًا من تغيير المصطلحات القديمة، فبدلًا من “سجين” أصبحنا نقول “نزيل”، وبدلًا من “سجن” أصبح المسمى “مركز الإصلاح والتأهيل”، انسجامًا مع الفلسفة الجديدة التي تركز على دراسة دوافع الجريمة وإعادة بناء الفرد نفسيًا واجتماعيًا.
 
WhatsApp Image 2025-12-04 at 11.02.15
 
وأكد أن كل نزيل في المركز موجود بحكم قضائي تم تنفيذه بعد استنفاد جميع طرق الطعن القانونية، ولا وجود لما يسمى “معتقل”، فالمراكز لا تستقبل إلا من صدر ضدهم أحكام قضائية نهائية. وعند استقبال النزيل يخضع لفحص بدني وصحي وعقلي شامل، يعقبه تصنيف دقيق يهدف إلى وضع كل نزيل في بيئة مناسبة لحالته ونوع قضيته، منعًا لخلق تأثيرات سلبية أو دفعه لارتكاب جريمة جديدة. فلا يمكن وضع تاجر مخدرات مع شخص صدر حكمه في إصابة خطأ، ولا يمكن دمج سيدة محبوسة على ذمة دين - علماً بأن مصر لم يعد بها غارمات - مع نزيلة في قضية مخدرات أو آداب، كما يراعى قدر المستطاع قرب المركز من محل إقامة أسرة النزيل حفاظًا على الترابط الأسري.
 
بعد عملية التصنيف، يجلس مع النزيل أخصائي اجتماعي لدراسة بيئته وتاريخه وظروفه النفسية والصحية، ويُخصص للنزلاء من كبار السن أو ذوي الإعاقة أماكن آمنة مجهزة بكل ما يلزم لتمكينهم من ممارسة حياتهم اليومية بكرامة، بما في ذلك الأطراف الصناعية والكراسي المتحركة لمن يحتاج إليها.
 
وتتجاوز برامج التأهيل مجرد التريض أو ممارسة الهوايات، لتصل إلى مراحل عميقة من الدعم النفسي والطبي، فقد شاهدنا برنامجًا مكثفًا يُعرف باسم “الغرفة الجمعي”، وهو مخصصة لتأهيل السيدات اللاتي عانين من الإدمان، حيث يخضعن لجلسات نفسية واجتماعية مستمرة، بإشراف أخصائيات متخصصات وطبيبة تتابع خطة العلاج وتساعدهن على تجاوز أعراض الانسحاب. استمعنا خلال الزيارة إلى شهادات لسيدات قضين سنوات في دائرة الإدمان والاتجار بالمخدرات، وروين كيف أن البرنامج ساعدهن على استعادة حياتهن ومقاومة الانتكاس.
 
كما تابعنا جلسات أخرى مخصصة للسيدات اللاتي تعرضن للعنف أو التحرش قبل دخولهن المركز، حيث يتم تأهيلهن نفسيًا لتجاوز آثار الصدمات واستعادة ثقتهن بذواتهن وقدرتهن على التعايش مجددًا مع المجتمع، وتستمر البرامج العلاجية بشكل متكامل لمدة ستة أشهر، يتم خلالها قياس التقدم شهريًا.
 
وفي إطار الرعاية النفسية، وقفنا على وجود غرفة عزل مخصصة للحالات التي تمر بنوبات هياج سواء نتيجة اضطرابات نفسية أو بسبب مراحل التعافي من الإدمان، وقد صُممت الغرفة بألوان هادئة وهوية بصرية مريحة تساعد على تخفيف التوتر، ويُترك فيها النزيل تحت مراقبة متخصصين عبر كاميرات تتيح للأطباء تقييم حالته وسلوكياته بدقة، بما يضمن عبوره لتلك المرحلة بأمان وانضباط.
 
WhatsApp Image 2025-12-04 at 11.02.46
 
أما الرعاية الصحية فقد شهدت نقلة ملموسة، فالمستشفى داخل المركز لم تعد مجرد وحدة للكشف الدوري، بل تُجرى فيها عمليات جراحية كبرى، ومنها عمليات بالمنظار وجراحات دقيقة، وقد تصادف أثناء وجودنا إجراء إحدى العمليات بالفعل، ما يعكس مستوى التجهيزات الطبية المتقدمة داخل المركز.
 
وبالنسبة للسيدات الحوامل، يوفر المركز بيئة صحية كاملة طوال فترة الحمل وحتى الولادة، ويُخصص للأطفال حضانة مجهزة على أعلى مستوى تعليمي حتى سن أربع سنوات، ثم يُسلم الطفل لأحد أفراد أسرة الأم مع تمكينه من زيارتها لضمان عدم انفصاله عنها عاطفيًا.
 
ويُعد التعليم ركنًا أساسيًا في فلسفة الإصلاح، فهناك بروتوكول تعاون مع الهيئة القومية لمحو الأمية وتعليم الكبار، لتعليم النزلاء القراءة والكتابة وحمايتهم من الوقوع ضحية للاحتيال. كما توجد ثلاث مدارس فنية صناعية ثانوية داخل المراكز، ويُسمح للنزلاء بالالتحاق بالكليات والجامعات والدراسات العليا بالتنسيق مع وزارة التعليم العالي، إلى جانب تمكينهم من تعلم حرف وصناعات تساعدهم على كسب رزق شريف بعد الخروج.
 
وفي نهاية العقوبة، تتولى إدارة الرعاية اللاحقة متابعة النزيل وتوفير مصدر رزق يضمن له عدم العودة للجريمة ويدعمه في الاندماج الإيجابي داخل المجتمع.
 
إن ما شاهدناه في مركز الإصلاح والتأهيل بالعاشر من رمضان، سواء من خلال البرامج العلاجية والنفسية والتعليمية والمهنية أو من خلال رؤية فلسفة الدولة الجديدة في التعامل مع النزلاء، يعكس تحولًا جذريًا من مفهوم العقاب إلى الإصلاح الشامل، ومن منطق الحبس إلى منطق إعادة بناء الإنسان. 
 
الواقع داخل المراكز يختلف تمامًا عن الإشاعات التي تُطلقها الجهات المغرضة، فهنا تُصان الكرامة الإنسانية وتُبنى شخصيات قادرة على بدء حياة جديدة، وهو ما يجعل مراكز الإصلاح والتأهيل تجربة رائدة تستحق التقدير والدعم.
 
 

 

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق