تفكيك بيت العنكبوت.. الولايات المتحدة تفتح أخطر ملفات الإخوان الإرهابية وترصد خريطة التحويلات العنقودية

السبت، 06 ديسمبر 2025 11:50 م
تفكيك بيت العنكبوت.. الولايات المتحدة تفتح أخطر ملفات الإخوان الإرهابية وترصد خريطة التحويلات العنقودية
محمد الشرقاوي

 

وزارة الخزانة الأمريكية تراقب الشبكات المالية للتنظيم الدولى في أوروبا وتكتشف تحويلات متكررة صعبة التتبع

الجماعة تستخدم شركات واجهة وجمعيات ثقافية ومؤسسات بحثية كـ"طبقات عازلة" بين مصدر الأموال ووجهتها النهائية

مركز ISGAP يحذر من خطة التمكين الإخوانى في أمريكا الشمالية والتغلغل داخل الإدارة الأمريكية وتجنيد نواب بالكونجرس

 

في 23 نوفمبر 2025، دخلت الولايات المتحدة مرحلة جديدة من المواجهة مع التنظيم الدولي للإخوان الإرهابية، حين قررت تصنيف فروع الجماعة كمنظمات إرهابية أجنبية، فيما يمكن وصفه بـ«رقصة الموت الأخيرة» لشبكات التمويل العابرة للحدود.

ولم يكن هذا القرار خطوة رمزية أو انعكاسًا لتقديرات سياسية متقلبة، بل نتاج سنوات من التراكم الاستخباراتي والتحقيقات المالية المعمقة، التي كشفت عن هيكل مالي معقد يمتد من أوروبا إلى معاقل الجماعة الدولية، يعتمد على شركات واجهة وجمعيات ثقافية وخيرية كطبقات عازلة لإخفاء التحويلات المالية.

اكتشفت واشنطن أن الجماعة الإرهابية لم تعد تعتمد على التمويل الكلاسيكي من تبرعات القواعد، بل استخدمت هندسة مالية معقدة، تتضمن تحويلات صغيرة متكررة وشبكات عنقودية صعبة التتبع، ما دفع الولايات المتحدة إلى الانتقال من مرحلة المراقبة الهادئة إلى التدقيق الاستباقي والملاحقة المباشرة.

وبالتوازي، فرض القانون الأمريكي والأوامر التنفيذية قيودًا صارمة تشمل تجميد الأصول، حظر دخول الأعضاء، وتجريم أي دعم مادي أو لوجستي مع عقوبات تصل إلى 20 عامًا وغرامات مالية ضخمة، بينما امتدت العقوبات لتشمل الشركات الأجنبية المتعاملة مع الجماعة.

 

مسار أمريكي طويل من التراكمات الاستخباراتية

لم يأتِ القرار الأمريكي الأخير بوضع شبكات التمويل الإخوانية تحت التدقيق الموسّع كخطوة عابرة أو إجراء رمزي؛ بل جاء نتيجة مسار طويل من التراكمات الاستخباراتية التي تحولت خلال العامين الماضيين إلى ملف مكتمل على مكاتب الأجهزة المالية والأمنية في واشنطن، فالإدارة الأمريكية، التي طالما تعاملت مع التنظيم الدولي للجماعة بمنطق "المراقبة الهادئة"، انتقلت فجأة إلى مقاربة أكثر صرامة، بعدما كشفت تقارير متعددة عن وجود شبكة تحويلات عنقودية ترتكز على شبكات مالية متناثرة في أوروبا ومعاقل التنظيم الدولي، تعمل خارج منظومة الرقابة التقليدية وتغذي الأنشطة السياسية والإعلامية للجماعة.

وتوصّلت واشنطن إلى قناعة أن التنظيم الدولي لم يعد يعتمد على خطوط التمويل الكلاسيكية التي كانت ترتكز على تبرعات القواعد أو موارد الكيانات الرسمية، بل بات يستخدم هندسة مالية معقّدة تقوم على شركات واجهة وجمعيات ثقافية ومؤسسات بحثية تعمل كـ"طبقات عازلة" بين مصدر الأموال ووجهتها النهائية.

وهذه الشبكة، التي تتوزع على أكثر من خمس دول أوروبية ومعاقل للتنظيم الدولي خارج أوروبا، أثارت شكوكًا متزايدة داخل وزارة الخزانة الأمريكية، خصوصًا بعد رصد سلسلة تحويلات صغيرة الحجم لكنها متكررة، تُستخدم لإخفاء التحويلات الأكبر ضمن عمليات تدرّج عنقودي يصعب تتبّعه.

 

تحركات مالية مشبوهة

في البداية، تعاملت الأجهزة الأمريكية مع تلك المؤشرات كتحركات مالية مشبوهة مرتبطة بكيانات دينية أو سياسية. لكن مع مرور الوقت، بدأت الصورة تتضح تدريجيًا، بعدما تكاملت بيانات أجهزة الرقابة المالية الأوروبية مع تحقيقات أمريكية سابقة حول نشاط شركات صرافة ومؤسسات خيرية تنتمي - بشكل مباشر أو غير مباشر - إلى التنظيم الدولي.

وتزامن ذلك مع وصول ملفات إضافية من أجهزة رقابية أوروبية، كشفت عن انتقال بعض القيادات الإخوانية الهاربة إلى ما يمكن وصفه بـ"مراكز ثقل جديدة" داخل أوروبا، مستفيدة من الهشاشة القانونية في بعض الدول، بما يسمح بإنشاء شركات غير فعّالة ظاهريًا لكنها تعمل كمسارات مالية بديلة.

انعكس هذا كله على قرار واشنطن، التي اعتبرت أن الشبكة لم تعد مجرد "محاولات فردية" لتوفير تمويل بديل، بل تحولت إلى هيكل مالي متماسك قوامه، يتكون من إدارة مركزية في معاقل التنظيم الدولي، وعُقد وسيطة داخل أوروبا، ومسارات تحويل صغيرة تُستخدم كقنوات تمويه.

ورأى صنّاع القرار الأمريكي أن هذا النموذج يُعيد إنتاج أساليب التنظيمات العابرة للحدود، بما في ذلك تقنيات التجزئة المالية والتغطية عبر مؤسسات تبدو قانونية الشكل لكنها تخدم أهدافًا تنظيمية، وترافق ذلك مع قراءة أمريكية جديدة لطبيعة نشاط القيادات الهاربة، فبدلًا من النظر إليهم كوجوه سياسية وإعلامية بلا تأثير مالي، بدأت أجهزة الأمن الأمريكية ترى أن بعضهم يلعب دورًا محوريًا في إدارة الأموال وتنظيم تدفقاتها، سواء من خلال الإشراف على المؤسسات الواجهة أو من خلال العمل كوسطاء يعيدون توزيع العوائد داخل الهياكل التنظيمية.

هذه التحولات جعلت واشنطن تعتبر وجودهم في أوروبا ومعاقل التنظيم الدولي خطرًا متصاعدًا، ليس على الأمن الداخلي الأمريكي فقط، بل على منظومة مكافحة غسل الأموال والتمويل غير المشروع عالميًا.

وبهذا، لم يعد قرار واشنطن انعكاسًا لتقديرات سياسية متغيرة، بقدر ما أصبح استجابة مباشرة لبيانات مالية واستخباراتية تراكُمية أثبتت أن التنظيم الدولي للجماعة يعيد بناء نفسه في الخارج عبر بوابة التمويل المُعقّد، وهكذا بدأ الانتقال من مرحلة "التقصي" إلى مرحلة "التدقيق الاستباقي"، ومن مراقبة أغلبها أوروبية إلى ملاحقة تقودها الولايات المتحدة بشكل مباشر، بما يشير إلى أن هذا الملف لم يعد ملفًا عابرًا، بل تطور إلى مسألة أمن قومي بالنسبة لواشنطن.

 

كيف اندمج الإخوان في الولايات المتحدة الأمريكية؟

وقبل الدخول في تداعيات القرار الأمريكي، وجب تفكيك الشبكة الإخوانية داخل الولايات المتحدة الأمريكية، يقول تقرير بعنوان: "الاندماج الاستراتيجي للإخوان المسلمين في الولايات المتحدة: تحليل منهجي" - تمت ترجمته بأحد أدوات الذكاء الاصطناعي – أعده معهد دراسة معاداة السامية والسياسة العالمية (ISGAP)، إن تحليل حضور جماعة الإخوان الإرهابية في الولايات المتحدة الأمريكية يعتمد على مفهوم «الاندماج الاستراتيجي» (Strategic Entryism) أو «التمكين» (Tamkeen)، باعتباره استراتيجية متدرجة ومتعددة الأجيال تستهدف التغلغل الهادئ في المجتمع والمؤسسات الأمريكية بغرض إحداث تحول حضاري من الداخل.

ويُعد هذا النهج شكلاً متقدماً من «التطرف غير العنيف (Nonviolent Extremism)، حيث تستثمر الجماعة الحريات والمبادئ الديمقراطية الغربية لتحقيق أهداف أيديولوجية تخالف جوهر هذه المبادئ، وقد كُشف عن هذه المقاربة عبر وثيقتين مركزيتين ظهرَتا خلال محاكمات أمريكية – سيتم التطرق لتفاصيل هذه الوثائق لاحقاً.

وارتكزت استراتيجية جماعة الإخوان الإرهابية في أمريكا الشمالية ككل والولايات المتحدة بوجه خاص، على أساس عقائدي واستراتيجي، يحدده مفهومين تأسيسيين، هما: التمكين (الاستيطان المؤسسي) والمرحلية (التكيف التكتيكي)، ويُعد التمكين هو الركيزة المركزية للمشروع، ويُفهم كعملية ترسيخ مؤسسي هدفها دمج الحركة ومرجعيتها الإسلامية داخل بنية المجتمع المدني الغربي.

وفق المركز، فإن المذكرة التفسيرية بشأن الهدف الاستراتيجي للجماعة في أمريكا الشمالية (1991)، توضح أن التمكين يعني أن «يصبح الإسلام وحركته جزءً من هذا الوطن»، والغاية النهائية أن يتحول الإسلام إلى «جزء من الوطن»، «مستقراً في أرضه»، و«متأصلاً في نفوس وعقول وحياة أهله»، حيث اعتبرت هذه المذكرة عملية الاستيطان بأنها «جهاد حضاري» بمعناه الأوسع، يستهدف «إزالة الحضارة الغربية من الداخل و"تخريب" بيوتها الشقية بأيديهم وأيدي المؤمنين، ليتم إزالتها ويُظهر دين الله على الدين كله»، وهنا يتوسع مفهوم الجهاد لدي الجماعة ليشمل التحول المجتمعي طويل الأجل كمسار غير عنيف.

بينما مثلت عقيدة المرحلية (التكيف التكتيكي) الإطار التكتيكي المرن للتمكين، إذ تتيح للجماعة الاستفادة من الآليات الديمقراطية دون التخلي عن الأهداف العقائدية، وتربط الجماعة هذا المفهوم بإطار فقهي، لإضفاء شرعية لأتباعها، فربطت المرحلية بمفاهيم مثل «فقه الواقع» و«فقه الأولويات والتدرج»، التي بلورها يوسف القرضاوي لإرشاد سلوك المسلمين في الغرب، بينما الممارسة التطبيقية تتسم بقدر من الغموض الاستراتيجي في الخطاب العام، وبناء تحالفات تكتيكية مع قوى غير إسلامية، مثل: «تحالف الأخضر والأحمر» بما يخدم أهداف الجماعة مع الحفاظ على استقلالها الأيديولوجي.

واستند معهد (ISGAP) إلى المخططات الاستراتيجية (الوثائق الأساسية) للجماعة، حيث اعتمدت على وثيقتين استراتيجيتين تشكلان إطار عملها العام في الغرب، وتحديداً أمريكا الشمالية، أولها «المذكرة التفسيرية» وصدرت في عام 1991، وهي تمثل خريطة طريق لعملية التمكين، وكُشف عنها خلال محاكمة مؤسسة الأرض المقدسة عام 2008.

وتؤطر هذه المذكرة لسبعة مراحل، تشمل: فهم الجهاد الحضاري، وبناء حركة إسلامية مستقرة، وتوسيع قاعدة المسلمين الملتزمين، وتوحيد الجهود، وتبني قضايا المسلمين محلياً وعالمياً وعلى رأسها فلسطين، وطرح الإسلام كبديل حضاري، وصولاً إلى دعم إقامة الدولة الإسلامية العالمية، وجميع هذه الأطر تتجسد في البنية التنظيمية للجماعة، حيث تضمنت المذكرة ملحقاً بـ 29 منظمة تعمل في أمريكا الشمالية، مثل: الجمعية الإسلامية لأمريكا الشمالية (ISNA)، وجمعية الطلاب المسلمين (MSA)، والوقف الإسلامي لأمريكا الشمالية (NAIT)، والرابطة الإسلامية لفلسطين (IAP)، ومنها جمعيات عملت في أدوار استشارية داخل الحكومة الأمريكية.

الوثيقة الثانية مشروع الإخوان المسلمين 1982، وهي وثيقة ذات مدى عالمي يمتد لمئة عام، تركز على توسيع النفوذ داخل المجتمعات الغربية، تمت كتابتها في منزل يوسف ندا في سويسرا، وتم التعامل معها على أنها الوثيقة العالمية السرية "المشروع"، وتتألف الوثيقة من 12 نقطة فقط، لكنها كافية لرسم خريطة القرن كاملًا، وترتكز على التغلغل السياسي والاجتماعي، وتعزيز الحضور داخل التعليم والإعلام، واستثمار النظام القانوني، وبناء تحالفات عابرة للأيديولوجيات، واعتبار القضية الفلسطينية حجر الزاوية في الاستراتيجية العالمية.

وبعد 9 سنوات، أي في عام 1991، في فندق بولاية بنسلفانيا، اجتمع قادة الإخوان في أمريكا وكتبوا ما تُسمى بـ"المذكرة التوضيحية"، وجاء فيها: "عملنا في أمريكا الشمالية هو نوع من الجهاد الكبير في إزالة الحضارة الغربية وتدمير بيتها من داخلها بأيدي أهلها.. حتى يُهزم الغرب ويُسلم للإسلام".

بحسب المركز الأمريكي، تم تنفيذ استراتيجية التمكين الإخوانية في الولايات المتحدة الأمريكية، عبر أربعة مجالات مترابطة: أولهاً: التأثير على السياسات (Policy Impact)، والتغلغل الحكومي من خلال سعي مستمر للوصول إلى مواقع استشارية داخل مؤسسات الحكومة الفيدرالية، كذلك تجنيد الكونجرس عبر علاقات تمتد إلى أعضاء الكونجرس، وبناء تحالف الأخضر والأحمر بين الإسلامويين واليسار الراديكالي، والتعبئة الشعبية من خلال تنظيم الناخبين المسلمين ودعم مرشحين متقاربين، كما ظهر بعد هجوم 7 أكتوبر 2023 من خلال ضغوط واضحة على إدارة بايدن.

وثاني هذه المجالات: التلاعب بالإطار القانوني (Lawfare)، من خلال الدعاوى الاستراتيجية (SLAPP) تُستخدم لردع المنتقدين، بما في ذلك أصوات إصلاحية مثل: زهدي جاسر وعصرا نوماني، وأسلمة مفهوم الإسلاموفوبيا، تحويل المصطلح إلى أداة لـ فرض الحدود، ودمج نقد الإسلاموية بالتعصب الديني؛ مع مناهضة تعريف IHRA لمعاداة السامية، مقابل الدفع بتعريفات موسعة للإسلاموفوبيا.

وثالثها التغلغل المؤسسي (Institutional Infiltration)، من خلال شبكة المنظمات: تشمل MSA، CAIR وغيرها من المؤسسات التي تنشط في التعليم والتمويل والدعوة، وتشكل العمود الفقري للبنية التحتية الإخوانية، وأخيراً السيطرة على السرديات  (Narrative Control)، من خلال إمبراطورية إعلامية تعتمد على أدوات مثل قنوات إقليمية تُعيد إنتاج خطاب الجماعة بصورة عصرية موجهة للشباب.

ويرى المركز الأمريكي أنه كانت هناك اللحظات المحورية لتأكيد جاهزية المشروع الإخواني في الولايات المتحدة، وهي ثلاث محطات كشفت قدرة الإخوان على تفعيل استراتيجيتهم عملياً، الأولى: مرحلة (ما بعد 11 سبتمبر)، حيث تحولت الأزمة إلى فرصة لبناء شرعية تمثيلية وفرض سردية «المسلمين كضحايا للإسلاموفوبيا»، وثانيها صعود حركة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات (BDS) ورغم أنها ظهرت في إطار التنديد بسياسات الاحتلال الإسرائيلي في فلسطين في عام 2005 ، إلا أنها تُعد مرحلة محورية في استراتيجية الجماعة في الولايات المتحدة (2007-2017)، وقد عملت كـ "مركبة" (vehicle) لترويج السرديات المتوافقة مع أيديولوجية الإخوان داخل الجامعات الأمريكية.

بينما المرحلة الثالثة (التعبئة بعد 7 أكتوبر 2023)، في إعادة تشكيل السردية الإعلامية لصالح جماعة الإخوان واستغلال التحركات المناهضة للعدوان الإسرائيلي على غزة.

وبينما يكشف تحليل “الاندماج الاستراتيجي” عن مسار طويل استندت فيه الجماعة إلى إنشاء واجهات مدنية ومنظمات ضغط داخل الولايات المتحدة، جاء قرار التصنيف ليحوّل هذا النشاط من ملف مراقبة بحثية إلى قضية تتعامل معها المؤسسات الأمريكية كخطر محتمل، وبذلك انتقل النقاش من فهم آليات التغلغل والتأثير إلى تقييم حجم التهديد الذي قد تمثله هذه الشبكات على مستوى السياسات الداخلية والعلاقات الخارجية.

 

الضغط الأمريكي ورقصة الموت الأخيرة

شكل القرار الأمريكي الأخير بتصنيف فروع جماعة الإخوان المسلمين كمنظمات إرهابية أجنبية، نقطة فارقة في مسار متابعة التنظيم الدولي، خصوصًا فيما يتعلق بشبكات التمويل العابرة للحدود، فبعد سنوات من التحضير وجمع الأدلة الاستخباراتية، لم تعد واشنطن تكتفي بمراقبة أنشطة الجماعة في الخارج، بل انتقلت إلى مرحلة التدقيق الاستباقي والملاحقة المباشرة لشبكات التمويل الدولية.

ووفقاً للقانون الأمريكي، يتم تصنيف المنظمات الأجنبية الإرهابية وفق القسم 219 من قانون الهجرة والجنسية، بعد استشارة كبار المسؤولين، وهذا التصنيف يفعّل إجراءات صارمة – تنتظر جماعة الإخوان الإرهابية - تشمل تجميد الأصول في الولايات المتحدة عبر مكتب مراقبة الأصول الأجنبية  (OFAC)، وحظر دخول الأعضاء، وتجريم أي دعم مادي أو لوجستي من مواطنين أمريكيين بعقوبات تصل إلى 20 عامًا وغرامات مالية ضخمة.

وبالتوازي، يُطبق الأمر التنفيذي 13224 وقانون الطوارئ الاقتصادية الدولية لتوسيع نطاق العقوبات ليشمل الأفراد والكيانات الداعمة، مع فرض قيود ثانوية على أي شركات أجنبية متعاملة معها، بما في ذلك تجميد أصولها عالميًا، لذا فإن التقرير الذي طلبه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب خلال 30 يوماً، ستتبعه توصيات لتصنيف فروع محددة في مصر والأردن ولبنان، مع إمكانيات الطعن القضائي المحدودة أمام محكمة استئناف واشنطن.

ولا تقتصر هذه الضغوط على الجانب المالي، بل ستمتد إلى الهياكل التنظيمية والإعلامية للجماعة داخل الولايات المتحدة، فالقرار الأمريكي أضعف قدرة التنظيم على إدارة الملفات العابرة للحدود، وأحدث ارتباكًا في عمليات الدعاية الرقمية، مع فقدان الدعم الذي كانت توفره الجمعيات الخيرية والشركات الوسيطة، كما سيؤدي الضغط على التحويلات العنقودية إلى تصاعد الخلافات الداخلية بين القيادات، مع تراجع القدرة على إعادة البناء الخارجي وإعادة توجيه الموارد نحو الأهداف الاستراتيجية.

وفي تصريحات صحفية يرى ماثيو ليفيت، المسؤول السابق في مكتب التحقيقات الفيدرالي (FBI) ومدير برنامج جانيت وايلي راينهارد لمكافحة الإرهاب والاستخبارات بالعاصمة الأمريكية واشنطن، أن تأثير القرار قد يكون بالغًا على شرايين تمويل التنظيمات المرتبطة بالإخوان، لكنه في الوقت نفسه يؤكد أن تصنيف الحركة الأم بكل فروعها حول العالم كمنظمة إرهابية أجنبية يظل "مهمة صعبة"؛ لغياب القيادة المركزية وارتباط كل فرع بسياقه المحلي المختلف.

وبحسب المسؤول السابق في «FBI» فإن المراجعات الأمريكية لن تقتصر على الفروع فقط؛ إذ ستشمل أيضًا الكيانات المرتبطة بالإخوان والداعمة لمنظمات إرهابية أجنبية، والقرار التنفيذي لا يستهدف أي كيانات داخل الولايات المتحدة في الوقت الحالي، لكنه شدد على أن الكيانات التي يثبت تقديمها دعمًا ماديًا لمنظمات تُصنف إرهابية قد تواجه تبعات جنائية لاحقة، إذا ثبت ارتباطها بالفروع التي سيرد ذكرها في التقارير المرتقبة.

ورغم أن الأمر التنفيذي لا يستهدف كيانات محلية داخل الولايات المتحدة بشكل مباشر، فإن تبعاته المحتملة على شبكات الإخوان هناك تظل كبيرة. فالجماعة اعتمدت لعقود على بيئة قانونية مرنة سمحت لها ببناء هياكل معقدة من المؤسسات غير الربحية، والمراكز البحثية، والمنظمات الحقوقية والدعوية التي تشكل اليوم البنية التحتية الأساسية لوجودها الأمريكي.

ومع بدء مراجعة فروع الإخوان المتورطة في العنف خلال الثلاثين يومًا المقبلة، ستواجه هذه الكيانات درجة أعلى من التدقيق المالي والقانوني، خصوصًا في ما يتعلق بالتحويلات العابرة للحدود، والعلاقات التنظيمية مع جمعيات وشخصيات مرتبطة بفروع خارجية، وهذا التدقيق قد يفرض على الجماعة إعادة ضبط شبكاتها التمويلية، أو تقليص حضورها العلني، أو التحول إلى صيغ أكثر تعقيدًا للتمويه المؤسسي. كما أن أي إثبات لتقديم دعم مادي لكيانات مصنفة إرهابية قد يضع بعض المنظمات داخل دائرة المسؤولية الجنائية، حتى لو لم يشملها القرار التنفيذي بصورة مباشرة.

 

ملاذات الإخوان في أوروبا لن تستمر طويلاً

أعاد القرار الأمريكي فتح واحدة من أكثر الساحات حساسية في المشهد الإقليمي، وهي حضور الإخوان داخل أوروبا، حيث تعاملت العواصم الأوروبية خلال الأعوام الماضية مع هذا الملف عبر مراقبة متدرجة لا تصطدم بحدود القانون، لكن التحرك الأمريكي دفع بتلك المراقبة إلى مستويات أشد تركيزًا، فقد برز في ألمانيا خلال التقارير الأمنية الأخيرة اهتمام متزايد بالبنى التمويلية والكيانات المؤسسية التي تشكل شبكات اتصال عابرة للحدود، مع توصيفات تدعو إلى متابعة أدق للتدفقات المالية الرقمية ومسارات التواصل عبر الأطلسي.

وفي فرنسا، أثار تقرير وزارة الداخلية في مايو الماضى نقاشًا واسعًا داخل المؤسسات المعنية بإدارة الخطاب الديني، الأمر الذي قاد إلى تعزيز الرقابة على مراكز تدريب الأئمة والمنصات الرقمية وإعادة مراجعة برامج التعاون الدولي للمؤسسات الدينية. وعلى خط موازٍ، رصدت الاستخبارات البلجيكية في صيف 2025 حاجة إلى إعادة تصنيف بعض الجمعيات التي ظهرت صلاتها المعرفية أو التاريخية بمرجعيات مرتبطة بالحركة.

وبالتوازي مع التحولات الأمنية، أحدث نشر التحذيرات الحكومية الأخيرة حول نشاط الإخوان حالة من الإحراج السياسي للجماعة داخل أوروبا، بعدما اتخذت وسائل الإعلام هذه التقارير منصة لإعادة طرح ملف "الجماعات ذات المرجعية الإخوانية" في النقاش العام، بينما في بريطانيا تحديدًا، تجددت الأسئلة البرلمانية حول التعاون مع بعض الهيئات الإسلامية، وبرز توجه لدى البلديات والأحزاب لتخفيف الظهور العلني المشترك تجنبًا للانتقادات. وأدى المزاج العام ذاته إلى دفع دول شمال أوروبا، مثل السويد، نحو مراجعة سياسات تمويل الجمعيات الدينية استنادًا إلى المؤشرات الواردة في التقارير الأوروبية والفرنسية الأخيرة.

أما في ما يتعلق بالتمويل، فقد كشفت سلسلة المراجعات بين 2020 و2025 عن تراجع ملحوظ في بعض القنوات غير الشفافة أو إعادة توجيهها، وسط إشارات من مراقبين إلى تعطيل أو تجميد مؤقت لشراكات كانت قائمة بين كيانات أميركية وأخرى أوروبية، في ظل ارتفاع متطلبات الإفصاح والحوكمة المالية، وهذا المناخ قاد إلى بروز دعوات أوروبية لتشديد آليات التحقق من مصادر التمويل عبر الحدود، لا سيما بعد أن كشفت التقارير الأخيرة عن ثغرات كانت تستفيد منها بعض الجمعيات العاملة في الأطر الإسلامية العابرة للحدود.

وطال التغيير أيضًا علاقات الجماعة مع الأحزاب الأوروبية، حيث اتضح خلال متابعة الساحة السياسية في 2024–2025 أن أحزابًا من طيفَي الوسط واليسار باتت أكثر تحفظًا في إدارة علاقاتها مع منظمات قد تحمل ارتباطات إخوانية، ما دفع بعضها إلى خفض مستوى الشراكة والظهور العلني وإعادة تقييم برامج التعاون المحلي، وهو ما يعكس قناعة متنامية لدى مؤسسات مختلفة بأن تكلفة الارتباط العلني أصبحت أعلى من أي مكسب محتمل.

ورغم هذه الضغوط المتصاعدة، لا تبدو احتمالات الحظر الشامل للجماعة داخل أوروبا وشيكة، إذ ما زالت المعايير القانونية تشترط أدلة مباشرة على التحريض أو المشاركة في أعمال عنف، وهي معايير تفصل بوضوح بين التأثير الأيديولوجي والنشاط العنيف، وعلى الجانب السياسي، تواصل حكومات أوروبية النظر إلى بعض هذه الكيانات باعتبارها قناة ضرورية للتواصل مع الجاليات المسلمة، مع التحذير من أن أي حظر أحادي قد يخلق فراغًا يسمح بتمدّد تيارات أكثر راديكالية أو يؤدي إلى توترات اجتماعية يصعب احتواؤها.

وبذلك، تبدو المسارات المقبلة محكومة بنمط من الضغط التدريجي الذي قد يترجم إلى قيود أشد صرامة على التمويل الخارجي، وفحص أدق للشراكات التعليمية والدينية، وإجراءات رقابية إضافية على تمويل المساجد والمدارس من جهات أجنبية، كل ذلك وسط سجالات أوروبية مستمرة حول حدود الاستهداف الأيديولوجي وما قد يثيره من إشكالات قانونية تتصل بحرية التنظيم والدين.

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق