الرسالة وصلت.. نواب البرلمان اختيار حقيقى للناخبين
السبت، 13 ديسمبر 2025 09:08 م
نتائج الانتخابات في 47 دائرة "ملغاة" بالمرحلة الأولى تصحح الأخطاء
شهدت مصر واحدة من أكثر اللحظات الاستثنائية في مسار الانتخابات البرلمانية، بعد إلغاء نتائج عدد كبير من الدوائر الفردية في المرحلة الأولى، وإعادة الاقتراع فيها لاحقا، هذا الإجراء غير المسبوق، جاء على خلفية اعتراضات متعددة حول مسار العملية الانتخابية، بدءا من ملاحظات على إجراءات الفرز، ومرورا بتوزيع محاضر الحصر العددي، ووصولا إلى شكاوى من دعاية انتخابية غير قانونية داخل بعض اللجان أو بالقرب منها، كما ظهرت فروق لافتة بين الأرقام المعلنة في اللجان الفرعية وتلك النهائية في عدد من الدوائر.
النقطة الفاصلة في هذا الملف، جاءت عندما نشر الرئيس عبد الفتاح السيسي، توجيهاته عبر حساباته الرسمية، مطالبا الهيئة الوطنية للانتخابات بالتدقيق الكامل في كل الطعون والأحداث المرتبطة بالدوائر محل النزاع، واتخاذ القرارات التي تكشف بصدق عن إرادة المصريين، ودعا الرئيس الهيئة إلى ضمان حصول كل مندوب على نسخة من كشف الحصر العددي، والتأكد من أن الإجراءات تتحلى بأقصى درجات الشفافية، حتى يأتي مجلس النواب معبرا عن اختيارات الناخبين الحقيقية، كما شجع الهيئة على عدم التردد في إلغاء النتائج، سواء جزئيا أو كليا، متى تعذر التيقن من تعبيرها عن الإرادة الشعبية.
هذا التدخل المباشر رفع سقف المساءلة، ونقل العملية من حالة الجدل والشكوك إلى مستوى أكثر صرامة في مراجعة السجلات الانتخابية، ما أعطى للدوائر الملغاة فرصة نادرة لتصحيح المسار، وطمأن قطاعا واسعا من الناخبين الذين فقدوا الثقة عقب الجولة الأولى.
لاحقا، أعلنت الهيئة الوطنية للانتخابات إلغاء نتائج 19 دائرة في 7 محافظات، وأجرتها الأسبوع قبل الماضى، ثم جاء حكم المحكمة الإدارية العليا لتوسيع نطاق الدوائر التي تستوجب الإلغاء إلى نحو 30 دائرة إضافية موزعة على 10 محافظات، والتي تم إجراء الانتخابات بها مجدداً الأربعاء والخميس الماضيين، ليصل إجمالي الدوائر الملغاة إلى 49 دائرة من أصل 70 دائرة خاضعة للمرحلة الأولى، هذا الرقم الكبير مثّل خطوة رقابية غير اعتيادية، تعد تتويجا لضغوط سياسية وشعبية وقضائية، في مقدمتها توجيهات الرئيس السيسي، التي شددت على كشف الصورة الحقيقية لإرادة الناخب.
خلال جولة الإعادة، التي نظمت على أيام متفرقة، ظهرت ملامح مختلفة للعملية الانتخابية، فقد التزمت اللجان بتسليم وكلاء المرشحين محاضر الحصر العددي، ونظمت دخول الناخبين بشكل أكثر انضباطا، فيما شددت وزارة الداخلية الرقابة على محيط اللجان لمنع توزيع الرشاوى الانتخابية العينية أو المالية، وأسفرت التحركات الميدانية عن ضبط العديد من المخالفين.
في الوقت ذاته، رأت الأحزاب السياسية أن أجواء الإعادة كانت أكثر جدية وانضباطا من الجولة الأولى، وأن نسبة الإقبال كانت أعلى خاصة بين الشباب، كما اعتبرت بعض القوى الحزبية أن إعادة الاقتراع منحت الناخبين والمرشحين فرصة عادلة جديدة، داخل إطار مؤسسي نزيه، الأمر الذي انعكس على ثقة أوسع في العملية برمتها، وعلى صورة الشرعية البرلمانية المقبلة.
المفارقة البارزة، أن تغير نسب الأصوات، وفي بعض الحالات تغيير الفائز نفسه، لم يكن محل صدمة بقدر ما يعد دليلا على أن إعادة التصويت أفرزت نتائج أقرب إلى الواقع، فعلى سبيل المثال، في إحدى الدوائر بمحافظة المنيا، تبدلت النتيجة لصالح مرشح كان قد خسر بفارق ضئيل خلال المرحلة الأولى، بينما حصل منافسه على نسبة أقل كثيرا، مقارنة بما أعلن قبل الإلغاء، وفي إحدى دوائر الغربية، أظهرت الإعادة انخفاضا واضحا، في الأصوات التي حصل عليها مرشح كان محل اعتراضات واسعة، في حين زادت نسبة التصويت لمنافسه، ما أعطى انطباعا بأن الجولة الجديدة، جاءت أكثر تحررا من التأثيرات غير القانونية.
هذه الأمثلة وغيرها تشير إلى أن المجلس البرلماني المقبل، أو على الأقل الشريحة التي جاءت من الدوائر الملغاة، تستند إلى قواعد انتخابية أكثر ثباتا، فحتى لو تغيرت أسماء الفائزين، فالمحصلة النهائية هي رفع مستوى الثقة في العملية برمتها، خاصة أن تلك الجولة لم تكن مجرد إعادة فرز للأوراق أو فتح للصناديق، بل كانت اختباراً لنضج النظام الانتخابي وقدرته على تصحيح ذاته عند اللزوم، كما أكد هذا المسار أن الانتخابات في مصر، رغم التحديات، ما زالت خاضعة للتصحيح القضائي والرقابي، وهو ما يعزز فكرة أن صوت المواطن قادر على إحداث تغيير حقيقي متى توفرت الضمانات والإجراءات اللازمة، فلم تكن جولة الإعادة مجرد محاولة ترميم مرحلة انتخابية، بل اختبارا لنضج التجربة الديمقراطية في مصر، فقد أثبتت أن الشفافية ليست شعارا، وأن القرارات الجريئة، حين تتخذ في اللحظة المناسبة، قادرة على إعادة الانضباط للمشهد الانتخابي، وفتح الباب أمام مشاركة شعبية أوسع وثقة أكبر في المؤسسات التي تمثل المصريين، كذلك ينقل فكرة الفائز بمتابعة ومراقبة، بدلا من الفائز بأي وسيلة كانت، ما قد يحفز مرشحين أكثر على الالتزام بالقانون، علاوة على أنه إذا كانت النتائج قد تغيرت بصورة لافتة ببعض الدوائر، فإن الرسالة الأهم هي أن إرادة الناخبين لا تختزل في الجولة الأولى فقط، وأن آليات الرقابة، سواء كانت سياسية أو شعبية أو قضائية، قادرة على فرض الشفافية حين تتاح لها الفرصة، وأخيرا، يفتح الباب أمام مشاركة شعبية أوسع، إذا ما شعر المواطن أن صوته يحسب فعلا ولا يهد، فجولة الإعادة للدوائر الملغاة لم تكن مجرد إعادة ترتيب أوراق انتخابية، أو حدثا عاديا، بل اختبارا لنضج العملية الديمقراطية في مصر، وتجربة أن الشفافية والمساءلة ليستا فقط شعارات، إنما إجراءات يمكن فرضها على أرض الواقع، وشهادة على مرحلة تحاول فيها الجمهورية الجديدة، تثبيت قواعد انتخابات أكثر نزاهة، وأكبر قدرة على تمثيل المواطنين بصدق داخل قبة البرلمان.
والأربعاء والخميس الماضيين، شهدت 10 محافظات التصويت مجدداً فى الدوائر الملغاة من المرحلة الأولي لانتخابات مجلس النواب، بأحكام من المحكمة الإدارية العيا، وعددها 30 دائرة فى محافظات الجيزة، الفيوم، أسيوط، سوهاج، الإسكندرية، المنيا، الوادى الجديد، أسوان، الأقصر، والبحيرة، حيث تنافس المرشحين على 58 مقعداً
وأكدت الهيئة الوطنية للانتخابات أنها وفرت الجو الملائم والمناسب لتمكين وإتاحة الاقتراع للناخبين، وجهزت كافة سبل الراحة لهم، وأوضح القاضى أحمد بندارى، رئيس الجهاز التنفيذي، أن الهيئة شددت على ضرورة تفعيل قرارات بشأن سير العملية الانتخابية أثناء عملية الاقتراع بضبط المخالفات والمخالفين واتخاذ الإجراءات القانونية حيال ذلك، وأن الهيئة لن تسمح بأى تجاوز، استنادا للدستور اعمالا لصحيح القانون.
وسبق أن قضت المحكمة الإدارية العليا بمجلس الدولة الثلاثاء الماضى، بعدم قبول 3 طعون مقدمة ضد نتائج الجولة الأولى من المرحلة الثانية لانتخابات مجلس النواب 2025، بينما قررت حجز 257 طعنًا للحكم في جلسة الأربعاء الماضى، بعد مراجعة ملفاتها والاستماع لمرافعات الخصوم على مدار 10 ساعات، كما شهدت الجلسة إحالة 40 طعنًا إلى محكمة النقض للاختصاص النوعي، وتشمل دوائر من القاهرة والشرقية ودمياط، وهي دوائر أعلنت الهيئة الوطنية للانتخابات فوز مرشحين بها من الجولة الأولى، ليعتبر ذلك طعن على صحة عضوية نائب اعلن فوزه رسميا.