صفعات على وجه الإخوان الإرهابية: الحصار الدولى يخنق "الجماعة".. وانهيار للتنظيم الدولي.. و3 جبهات تتصارع في أوروبا على تورتة التبرعات
السبت، 13 ديسمبر 2025 11:50 م
ولايات أمريكية توسع دائرة حظر الكيانات الإخوانية...وحاكم فلوريدا: حرمان أي شخص يقدم دعمًا ماديًا للتنظيم
أجهزة أمنية أوربية تفكك خلايا تضم مؤسسات بحثية تكشف شبكات النفوذ والعلاقات العميقة.. وشركة "أوروبا تراست" كلمة السر
ليس أشدّ بؤسًا من وهمٍ يتهاوى، ولا أكشف للعين من قناعٍ ظنّ أصحابه أنه قادر على حجب حقيقة باتت أوضح من الشمس، فالوهم الذي سوّقته جماعة الإخوان الإرهابية طوال عقود تفتّت اليوم، وانقشع غبار ما كانوا يخفونه عن أعين العالم.
فذلك التنظيم الذي لبس أثواب الوعظ، وتخفّى خلف شعارات الفضيلة، وتاجر بالدين تحت مظلة «الإصلاح»، يتكشف الآن باعتباره أخطر شبكة أيديولوجية تحرّكت في الظل، وخلّفت وراءها خطوطًا طويلة من الفوضى، وحصدت أرواحًا، وأربكت خرائط دول كاملة كانت تبحث عن الاستقرار.
وعلى مدار عقود، بنى الإخوان سرديتهم الكبرى على فكرة المظلومية، وتعمدوا صناعة صورة الجماعة المضطهدة التي تُحارب لأنها «على الحق»؛ إلا أن الحقائق التي كانت تُدفن تحت طبقات كثيفة من الخطاب العاطفي بدأت تطفو على السطح بوضوح لا يمكن إنكاره: أجهزة أمنية تفكك خلايا منظمة، برلمانات تُصدر تصنيفات حاسمة، عواصم تُضيّق نطاق الحركة والتمويل، مؤسسات بحثية تكشف شبكات النفوذ والعلاقات العميقة، وشهادات منشقين تُظهر عمق الفجوة بين ما تعلنه الجماعة وما تمارسه خلف الأبواب المغلقة.
ولم يأتِ هذا الانكشاف صدفة، ولا بوصفه رد فعل عابر؛ بل كان نتيجة تراكم وعي عالمي وإقليمي بأن هذا التنظيم ليس فاعلًا سياسيًا عاديًا، بل بنية عقائدية مغلقة تُنتج التطرف بنيويًا، وتعيد تدويره وفق مقتضيات اللحظة. ومع مرور الوقت، تزايدت القناعة بأن مواجهة الإخوان الإرهابية ضرورة أمنية، وليست خيارًا سياسيًا يمكن تجاهله.
وفي لحظة مفصلية من التاريخ، تجد الجماعة الإرهابية نفسها أمام حصار دولي متنامٍ، يمتد من الشرق الأوسط إلى أوروبا، ومن واشنطن إلى عواصم آسيوية وإفريقية. تتشكل اليوم قناعة واضحة وحاسمة: أن الإخوان ليست جزءًا من الحل، بل أصلٌ من جذور المشكلة، وجذرًا متغلغلًا في شبكات التطرف العابرة للحدود.
ولعل الدراما الحقيقية تكمن في المفارقة القاسية: الجماعة التي تصوّرت نفسها مشروعًا «عابرًا للقرون» و«قادرًا على حكم العالم الإسلامي»، تستيقظ الآن على واقع مغاير تمامًا، تُطارد فيه إعلاميًا وقانونيًا وأمنيًا، وتُحاصر بملفات قضائية وتضييقات وتشريعات تكشف هشاشة منظومتها الداخلية، وثغراتها التنظيمية والمالية، وتُظهر بوضوح كيف تحولت من حركة تدّعي «القدرة على التغيير» إلى كيان مأزوم.
ولأول مرة منذ تأسيسها، يبدو أن الجماعة تقف أمام اختبار حقيقي لوجودها ذاته – ليس لمشروعها فقط - حيث تتقاطع الضغوط الدولية مع الانقسامات الداخلية، وتتسارع الأحداث في اتجاه واحد: إسقاط الصورة الأسطورية التي حاولت بناءها على مدى نحو قرن، وكشف حقيقتها كتنظيم يعيش على صناعة الأزمات، لا على الحلول.
انقسام داخلي وجناح لندن يسيطر على أوروبا
قبل الحديث عن الحصار العالمي للجماعة الإرهابية، علينا أن نفهم المرحلة التي يمر بها التنظيم في الوقت الحالي، حيث يعيش حالة من التشظي إلى ثلاث جبهات رئيسية، أولها جبهة "لندن"، ويقودها الإخواني الهارب صلاح عبد الحق، وجبهة أخرى خارج في شرق أوروبا بقيادة محمود حسين، والمكتب العام أو تيار «التغيير"، ويخرج هذا الانقسام من كونه تنافساً على القيادة الرمزية للجماعة، إلى السيطرة على أفرعها الدولية ومواردها المالية، بما يعكس عمق الأزمة الداخلية التي تعصف بالتنظيم منذ سنوات.
ففي جبهة لندن، التي اعتبرت نفسها العمود الفقري للتنظيم الدولي، نشب خلاف حديث بين الأمين العام للتنظيم الدولي ورئيس قطاع أوروبا محمود الإبياري، والمسؤول عن رابطة الإخوان المصريين في الخارج السعدني أحمد، بشأن السيطرة على شبكة الجماعة في أوروبا وإدارة «سهم الدعوة»، وهو المبلغ المالي الشهري الذي يلتزم العضو الإخواني بدفعه لدعم أنشطة التنظيم. ويشرف "الإبياري" على الشبكة العالمية للإخوان بما في ذلك الأفرع الأوروبية والأمريكية، بينما تركز الرابطة على الإخوان المصريين المغتربين، محاولةً السيطرة على أفرع محلية في أوروبا بحجة تمركز المصريين فيها.
نتيجة لسجالات وصراعات جوهرها النفوذ والأموال، قرر صلاح عبد الحق إبقاء سلطة التنظيم الدولي على أفرعه كما هي، ومنع تدخل الرابطة في شؤونها، وهو قرار يعكس أهمية القارة الأوروبية بالنسبة للإخوان، فبعد الإطاحة بالجماعة من الحكم في مصر عام 2013، تحولت أوروبا إلى الملاذ الآمن للقيادات والكوادر، مستغلة تاريخًا من التسامح والدعم المقدم من بعض الدول والمؤسسات، ما سمح للجماعة بالنمو وتأسيس شبكات قوية تحت مظلة الاتحاد المسمى آنذاك «اتحاد المنظمات الإسلامية في أوروبا» الذي تأسس في بروكسل عام 1989، ثم تغير اسمه في 2020 إلى «اتحاد مسلمي أوروبا» بقيادة عبدالله بن منصور، وهو أيضًا قيادي بالتنظيم الدولي.
وضم الاتحاد نحو 30 فرعًا نشطة في مختلف الدول الأوروبية، وأنشأ كيانات متعددة تابعة له، منها المجلس الأوروبي للبحوث والإفتاء، المنتدى الأوروبي للمرأة المسلمة، وصندوق أوروبا/ شركة «أوروبا تراست»، والمعهد الأوروبي للعلوم الإنسانية في فرنسا، الذي حل في سبتمبر 2025 بعد مراجعة أنشطة الجماعة.
ودأبت المنظمة المظلية للإخوان في أوروبا على تنظيم اجتماع سنوي في العاصمة الفرنسية على هامش الملتقى السنوي لمسلمي فرنسا، وهذه طريقة من طرق الإخوان في العمل، إذ أن الاجتماعات الكبيرة للتنظيم الدولي تتم على هامش مؤتمر سنوي للفرع الإخواني الذي سيستضيف اجتماع التنظيم الدولي، تمامًا كما حدث في اجتماع التنظيم الدولي الأخير بلاهور الباكستانية في نوفمبر 2025، وكان هذا المؤتمر الحدث الأبرز للجماعة في أوروبا، وقُدر عدد الحاضرين فيه كل عام بعشرات الآلاف، حتى أن الاتحاد ادّعى في بعض الأعوام أن المؤتمر حضره أكثر من 130 ألف من الإخوان ومناصريهم من مختلف دول العالم.
وتكشف هذه التفاصيل حجم الحرية التي مُنحت للجماعة في أوروبا، واستغلالها لتوسيع نفوذها وأنشطتها، قبل أن تبدأ الدول الأوروبية في مراجعة تلك الأنشطة، بدءً من بريطانيا عام 2014، ثم النمسا وفرنسا وألمانيا لاحقًا، ما يشير إلى بداية تقلص المساحات التي كانت الجماعة تعمل فيها بلا قيود.
ألمانيا تدرك مؤخراً وتقيد الحركة
شكلت ألمانيا منذ الخمسينيات قاعدة استراتيجية لجماعة الإخوان داخل أوروبا، حيث بدأ وجود الجماعة على يد سعيد رمضان، صهر مؤسس الإخوان حسن البنا، وعصام العطار، المراقب العام لإخوان سوريا سابقًا، اللذين أسسا أول حضور منظم للجماعة عبر إنشاء التجمع الإسلامي في ألمانيا، المعروف أيضًا باسم الجالية الإسلامية في ألمانيا، والذي أصبح لاحقًا مظلة الإخوان الرسمية في البلاد.
وارتبط هذا التجمع بإنشاء المركز الإسلامي الشهير في ميونخ، وهو المكان الذي أشار له الصحفي الكندي إيان جونسون في كتابه "مسجد في ميونخ.. النازيون ووكالة الاستخبارات المركزية وبزوغ نجم الإخوان المسلمين في الغرب"، كما عمل فيه محمد مهدي عاكف، الذي أصبح لاحقًا المرشد السابع لجماعة الإخوان الإرهابية.
وعلى مدار عقود، استقطب التجمع الإسلامي الألماني المئات من المسلمين الألمان، دون الإعلان عن أعدادهم، استنادًا لمبدأ الجماعة القائم على "علانية الدعوة وسرية التنظيم"، كما ربط التجمع نفسه بحوالي 50 مركزًا إسلاميًا، ليصل إلى أكثر من 10 آلاف مسلم ألماني وفق بيانات سابقة، قبل أن يغير اسمه في 2018 إلى "الجماعة الإسلامية الألمانية" (DMG) أو منظمة الجالية المسلمة.
وترأس المنظمة سابقًا خالد سويد، ألماني من أصول سورية، نشط في منظمات الإخوان الأوروبية، وشغل صبري شريف، ألماني من أصول ليبية، منصب نائب الرئيس، بعد أن كان رئيس القسم المالي في اتحاد المنظمات الإسلامية في أوروبا لمدة عامين.
كذلك ضمّت شبكة DMG مراكز إسلامية في برلين، نورينبرج، ماربورج، فرانكفورت، شتوتجارت، كولن ومونستر، وأدارت مساجد ومدارس، ونظمت لقاءات دورية وحوارية للمسلمين الألمان، ونشرت دورية "الإسلام" باللغة الألمانية.
ومنذ عام 2022، بدأ التحرك ضد جماعة الإخوان في ألمانيا، حيث قرر المجلس الأعلى لمسلمي ألمانيا استبعاد فرع الجماعة الإرهابية في ألمانيا بعد مزاعمه عن استقلاله عن التنظيم الدولي، حتى أنه لم يُفصح عن قياداته أو مصادر تمويله والتبرعات الخارجية التي يتلقاها، حتى أمام مطالبات أجهزة الدولة الألمانية.
كما لاحظت السلطات الألمانية أن أنشطة الإخوان قد تؤثر على المجتمع المحلي، فبادرت وزارة الداخلية الاتحادية ووزارات الداخلية في الولايات وجهاز حماية الدستور إلى مراجعة شاملة لنشاطات الجماعة، تضمنت مراقبة مالية وتفتيشية للكيانات المرتبطة بالإخوان مثل: منظمة الإغاثة الإسلامية، كما قدم "حزب البديل من أجل ألمانيا" مشاريع قوانين لحظر أنشطة الجماعة في البلاد.
وكان اكتشاف العلاقة بين شركة "أوروبا تراست" والكيانات الإخوانية في ألمانيا نقطة محورية، بعد أن حولت الشركة عقارًا في برلين إلى مقر لجمعيات مرتبطة بالإخوان، ما أثار حملة إعلامية ومجتمعية لحظر الجماعة الإرهابية، وهي حملة تزامنت مع تحركات لوزارة الداخلية الألمانية حيث أسست مجلسًا استشاريًا دائمًا لدراسة الإسلام السياسي ومكافحة التطرف، برئاسة وكيل الوزارة والبرلماني كريستوف دي فريس، ويضم 15 عضوًا متخصصًا في الدراسات الإسلامية والعمل الأمني والمجتمع المدني.
عملية الأقصر في النمسا: نقطة تحول
شكّلت النمسا قاعدة رئيسية لجماعة الإخوان في أوروبا، وبرزت أهميتها بشكل خاص بعد الهجوم الإرهابي الذي ضرب العاصمة فيينا عام 2020، وهو حدث دفع السلطات النمساوية إلى إطلاق واحدة من أكبر الحملات الأمنية منذ عام 1945، المعروفة بـ"عملية الأقصر"، والتي استهدفت شخصيات ومنظمات مرتبطة بالإخوان في البلاد.
وعلى الرغم من أن هذه العملية لم تسفر عن إجراءات مباشرة ضد جميع الكيانات المستهدفة، إلا أنها شكلت نقطة تحول حاسمة في تعامل الحكومة النمساوية مع الجماعة، بعد عقود من السماح لها بالعمل بحرية شبه مطلقة، وكشفت لأول مرة عن مدى انتشارها وتأثيرها داخل المجتمع المحلي.
واعتمد الإخوان في النمسا على مبدأهم التقليدي "علانية الدعوة وسرية التنظيم"، فأنشأوا شبكة من الجمعيات والمنظمات الإسلامية المرتبطة بهم، مثل الجمعية الإسلامية بالنمسا والرابطة الإسلامية للثقافة، إضافة إلى مراكز إسلامية وجمعيات خيرية مثل جمعية الرحمة، التي كانت تعمل في مجالات الإغاثة وجمع التبرعات.
وتولى إدارة هذه الفروع عدد من أبرز قادة الجماعة، منهم محمود الإبياري، الأمين العام للتنظيم الدولي، وأنس الشقفة، رئيس الهيئة الدينية الإسلامية سابقًا، وأيمن علي إمام مسجد النور بجراتس ومستشار الرئيس المصري الأسبق محمد مرسي، وسمير أبو اللبن القيادي السوري ورئيس الرابطة الإسلامية للثقافة سابقًا، بالإضافة إلى آخرين.
وارتبطت هذه المنظمات بشكل مباشر باتحاد المنظمات الإسلامية في أوروبا، حيث كان رئيس الجمعية الإسلامية والنمساويون البارزون أعضاء في مجلس شورى الاتحاد وفقًا للائحة التنظيم الدولي. واستفادت هذه الكيانات من التسهيلات التي منحتها الحكومة النمساوية للجالية الإسلامية لتأسيس شبكتها المحلية، ما ساعدها على بناء حضور واسع، ضم آلاف الأعضاء، بعضهم يعمل داخل الجمعيات والمراكز والشركات التي أسسها الإخوان، بينما البقية مرتبطون بالجماعة عبر ولاء فكري وتنظيمي، دون وجود قوائم رسمية بأسمائهم.
ورغم إنكار هذه المنظمات لأي صلة مباشرة بدجماعة لإخوان، اعترف أحد قادتها في 2011 بأن الحركة الإسلامية في النمسا جزء من الشبكة الإخوانية العالمية، وهو تصريح يعكس عمق النفوذ الفعلي للجماعة في البلاد.
ومع تصاعد الوعي بخطر الإخوان، بدأت السلطات النمساوية اتخاذ إجراءات ملموسة ضد الجماعة، فحظرت في 2019 استخدام شعارها، وأطلقت في 2020 "عملية الأقصر" التي شملت مداهمة نحو 60 موقعًا وملاحقة 70 متهماً، إلى جانب تأسيس مركز لتوثيق الإسلام السياسي ومراقبة الأنشطة المرتبطة بالإخوان.
وفي منتصف 2021، أُعدت خريطة شاملة للكيانات الإسلاموية في النمسا، وتقرر بعد عام حظر جماعة الإخوان ومنعها من أي نشاط سياسي، ومع ذلك، كشفت إحدى التحقيقات عن تسريب معلومات سرية للكيانات الإخوانية من قبل موظف في جهاز الاستخبارات الداخلي، ما أحدث صدمة مجتمعية في أكتوبر 2025، بينما استمرت السلطات في مراقبة الجماعة، بما في ذلك إنشاء حزب الحرية لمركز خاص بمراقبة الإسلام الراديكالي في المقاطعة السفلى.
فرنسا تفضح وهم الاندماج
في فرنسا، لم تعد جماعة الإخوان قادرة على الاحتماء خلف خطاب الاندماج أو الادعاء بأنها جزء من النسيج الإسلامي الفرنسي، فالدولة التي احتضنتهم منذ الثمانينات، ومنحتهم مساحة غير مسبوقة للعمل، انتقلت اليوم إلى مرحلة الحصار المباشر، بعد أن تكشّف حجم التغلغل التنظيمي وارتباطه بشبكة دولية ذات أهداف أيديولوجية صدامية.
وبدأ النفوذ الإخواني في فرنسا عام 1983 بتأسيس اتحاد المنظمات الإسلامية في فرنسا، كمنظمة مظلية جمعت أربع كيانات دعوية وطلابية، ثم أصبح في 1989 عضوًا مؤسسًا في اتحاد المنظمات الإسلامية في أوروبا، وهو ما أتاح للجماعة إنشاء ذراع فرنسية قوية تعمل بغطاء قانوني وتتبنى خطابًا ناعمًا يخفي حقيقة المشروع.
وبعد قضية الحجاب عام 1989، التي استغلها الإخوان كفرصة ذهبية لصناعة نفوذ سياسي واجتماعي، توسعت الكيانات التابعة للجماعة في فرنسا لتأسيس مراكز تعليمية ودعوية واقتصادية، أبرزها المعهد الأوروبي للعلوم الإنسانية، إضافة إلى شبكة مدارس ومراكز إعداد خطباء تحت مظلة "الاتحاد الوطني للتعليم الإسلامي".
وبحلول العقد الماضي، كانت الجماعة قد بنت شبكة تضم أكثر من 350 كيانًا تعمل في كل مساحات المجتمع الفرنسي تقريبًا، لكن الهجمات الإرهابية في 2015 غيّرت مسار المشهد؛ إذ بدأت باريس مراجعة جذرية لانخراط الجماعة في المؤسسات الإسلامية، وبدأ الإخوان فورًا محاولة التمويه، فحوّلوا اسم اتحاد المنظمات الإسلامية إلى اتحاد مسلمي فرنسا تجنبًا للتدقيق.
وفي 2020، أطلقت فرنسا قانون "تعزيز احترام المبادئ الجمهورية" لمحاصرة الانفصالية الإسلاموية، وتقلصت تلقائيًا قدرة الإخوان على تلقي التمويل الخارجي، ثم جاء القرار الحاسم في 2022 بحل مجلس الديانة الإسلامية وتأسيس مجلس بديل هو منتدى الإسلام في فرنسا، بما يعني عمليًا تحييد القناة الرسمية التي سمحت للإخوان بالتغلغل في مؤسسات الدولة عقودًا.
وتوالت بعد ذلك الضربات: حملات رقابية موسعة، تدقيق في التمويلات، وترحيل رموز مثل: حسن إيكويسن وحمد جاب الله، وفي مايو 2024، أصدرت الداخلية الفرنسية تقريرًا صادمًا كشف عن وجود 140 مسجدًا ومركزًا، و280 جمعية، و68 كيانًا آخر تدور جميعها في فلك الجماعة.
وبعد أسابيع، وجّه ماكرون بتشكيل خلية أمنية - قضائية لمتابعة الملف، ثم قرر في يوليو 2025 تجميد الأموال والتبرعات الموجهة للكيانات الإخوانية، لتأتي الضربة الأقوى في 4 سبتمبر 2025 بحل المعهد الأوروبي للعلوم الإنسانية رسميًا، واتهامه بنشر خطاب الجهاد والتحريض، لتعلن باريس بذلك نهاية “العصر الذهبي للإخوان” وبداية حصار شامل يهدف إلى تفكيك نفوذهم داخل فرنسا.
السويد.. فساد الإخوان تحت المجهر
وامتدت ارتدادات الضربات الفرنسية لجماعة الإخوان الإرهابية إلى السويد، حيث أعلنت وزيرة التعليم والاندماج، سيمونا موهامسون، المنتمية لحزب الليبراليين في 2 أكتوبر 2025، أن الحكومة السويدية تعمل على إعداد خريطة شاملة للإسلام السياسي، بهدف تصفيته من المجتمع السويدي ومنعه من التأثير على السياسة الوطنية.
وأوضحت الوزيرة أن تقرير وزارة الداخلية الفرنسية حول أنشطة الإخوان في أوروبا كشف أن الفرع السويدي للجماعة جزء من شبكة دولية متكاملة، وأكدت أن ما يُسمى بـ "الإسلام الأزرق والأصفر"، أي الإسلام السويدي المعتدل، هو المسموح له بالوجود، بينما الإسلام السياسي الذي تمثله جماعة الإخوان محظور كليًا، بما يتوافق مع السياسات السويدية لمنع اختراق الأحزاب السياسية، خاصة الحزب الاشتراكي الديمقراطي، من قبل جماعات التطرف.
ويُعرف عن الإخوان في السويد انتشارهم في بعض المناطق، ولهم نشاط في المدارس ومؤسسات الرعاية الاجتماعية، وقد بدأت السلطات بالفعل منذ سنوات في رصد أنشطتهم، من خلال حملة وزير التعليم السابق ماتس بيرشون، وهو المسار الذي أكدت الوزيرة الحالية أنها ستواصل تطويره، ليشمل جميع الجماعات التابعة للإسلام السياسي، التي تتلقى تمويلًا من أموال دافعي الضرائب دون الالتزام بالمعايير الديمقراطية، وهو ما يضر بالمسلمين السويديين وبصورة الإسلام المعتدل.
وفي غضون أسابيع قليلة، كشف التحقيق عن فضيحة مالية ضخمة، إذ تورط أئمة وكوادر مرتبطون بشبكة الإخوان في اختلاس نحو 100 مليون دولار (مليار كرونة سويدية)، عبر إدارة مدارس ورياض أطفال واستغلال التمويلات الحكومية، مستخدمين التحويلات الخارجية وتزييف الفواتير للتهرب من الرقابة القضائية.
وبحسب تقارير، فإن من أبرز المتورطين عضو البرلمان السابق عبد الرزاق وابيري، الذي يُشتبه في تحويل 12 مليون كرونة لدعم حزب الوحدة الاجتماعية الصومالي، بالإضافة إلى ثلاثة أئمة، هم: أبو رعد، عبد الناصر النادي، وحسين الجبوري، الذين أداروا تحويلات ضخمة إلى جماعات متطرفة في مالطا، وما زالت التحقيقات جارية.
من أوروبا إلى أمريكا: الخناق يزيد
في خطوة تصعيدية جديدة ضد نفوذ جماعة الإخوان، أعلنت ولاية فلوريدا الأمريكية في 9 ديسمبر الجاري، تصنيف التنظيم وجماعة مجلس العلاقات الأمريكية الإسلامية (كير) كمنظمتين إرهابيتين أجنبيتين، وأكد حاكم الولاية رون ديسانتيس عبر حسابه على منصة "إكس"، أن جميع وكالات فلوريدا مُطالبة باتخاذ الإجراءات اللازمة لمنع الأنشطة غير القانونية التي تقوم بها هذه المنظمات، بما في ذلك حرمان أي شخص قدم دعمًا ماديًا لها من الامتيازات أو الموارد الحكومية، في مسعى لتقليص قدرة الجماعة على التمويل والتحرك داخل الولايات الأمريكية.
ويأتي قرار فلوريدا بعد خطوة مماثلة اتخذتها ولاية تكساس الشهر الماضي، عندما أدرج حاكمها جريج أبوت جماعة الإخوان و"كير" ضمن قائمة المنظمات الإرهابية الأجنبية والكيانات الإجرامية العابرة للحدود، في سابقة تؤكد جدية الولايات الأمريكية في مواجهة نفوذ الجماعة وتهديداتها الأمنية والسياسية.
ويشكل هذا التصعيد المحلي امتدادًا للجهود الفيدرالية التي بدأها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في 24 نوفمبر الماضى، حين أصدر أمرًا تنفيذيًا يسمح بتصنيف فروع محددة من جماعة الإخوان في مصر ولبنان والأردن كمنظمات إرهابية أجنبية، وأوضح البيت الأبيض أن الهدف من هذه الخطوة هو مواجهة "الشبكة العابرة للقارات للإخوان التي تغذي الإرهاب"، بما يضمن تقليص قدرة الجماعة على إدارة أنشطتها الدولية.
وأوجز الأمر التنفيذي مهام وزير الخارجية ماركو روبيو ووزير الخزانة سكوت بيسينت بالتشاور مع المدعي العام ومدير الاستخبارات الوطنية لتقديم تقرير خلال 30 يومًا لتقييم ما إذا كان ينبغي تصنيف الفروع ككيانات إرهابية، مع اتخاذ الإجراءات اللازمة خلال 45 يومًا إضافية، بما يشمل تجميد الأصول، حظر السفر، وفرض عقوبات اقتصادية.
وأكد البيت الأبيض أن الإجراءات تستهدف حماية الأمن القومي الأمريكي وتضييق الخناق على الموارد المالية والإدارية للإخوان، في خطوة واضحة لتعطيل قدرتهم على إدارة نشاطهم الدولي، وضمان تعاون الولايات المتحدة مع شركائها الإقليميين للقضاء على تهديد الجماعة.
وتشير التطورات الأخيرة في الولايات المتحدة إلى تصعيد ملموس ضد نفوذ جماعة الإخوان، بعد أن أعلنت ولاية فلوريدا في 9 ديسمبر الجاري تصنيف التنظيم وجماعة مجلس العلاقات الأمريكية الإسلامية (كير) كمنظمتين إرهابيتين أجنبيتين. القرار يمثل أول خطوة عملية على مستوى الولايات لتقييد نشاط الجماعة داخليًا، ويأتي في إطار استراتيجية شاملة لتضييق الخناق على التنظيم الدولي.
ويعكس تصريح حاكم فلوريدا رون ديسانتيس على منصة "إكس" فهم الإدارة المحلية للتهديد الذي تمثله الجماعة، حيث ألزم وكالات الولاية باتخاذ الإجراءات اللازمة لمنع أي نشاط غير قانوني، بما في ذلك حرمان الداعمين الماليين للجماعة من الوصول إلى الموارد الحكومية.
ويعكس هذا التوجه إدراكًا أمريكيًا متزايدًا لخطورة النفوذ المالي والإداري للإخوان على الأرض، وإمكانية استخدامه للتأثير السياسي والاجتماعي داخل الولايات الأمريكية.
يمكن تحليل هذه الخطوة على أنها جزء من استراتيجية أميركية مزدوجة: أولًا، حماية الأمن القومي من النفوذ الإخواني الذي يمتد عالميًا، وثانيًا، استهداف الموارد المالية والإدارية للجماعة لإضعاف قدرتها على إدارة نشاطها الدولي.
وفي الوقت نفسه، تعكس الإجراءات تنسيقًا مع شركاء إقليميين للقضاء على تهديد الجماعة، ما يجعل السياسة الأمريكية تجاه الإخوان أكثر وضوحًا وحزمًا مقارنة بالمرحلة السابقة التي شهدت تساهلًا نسبيًا مع نشاطهم العالمي.