مًنْ ينقذ فرانشيسكا من أنياب الغول؟
الأحد، 14 ديسمبر 2025 10:00 ص
اللوبى اليهودى يلاحق المقررة الخاصة للأمم المتحدة المعنية بحالة حقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية المحتلة لرصدها الانتهاكات وتقديم تقارير عنها
شهد العام 1963 ظهور لجنة الشؤون العامة الأمريكية الإسرائيلية (أهل الاختصاص يعرفون اللجنة باسم أيباك، ونعرفها نحن العامة باسم اللوبي الصهيوني)، هذا اللوبي يضم خمسة ملايين عضوًا ويمتلك سبعة عشر مكتبًا إقليميًا، هذا الجيش الجرار الذي يمتلك إمكانيات دولة عظمى لا هدف له سوى تبني السياسات المؤيدة لدولة الكيان والترويج لها بل تشريعها عبر نفوذ اللوبي داخل أروقة الكونجرس الأمريكي بغرفتيه.
قضية النفوذ الصهيوني أصبحت منذ زمن بعيد من القضايا المسلم بها، فهي خارج النقاش ولكن يبقى تأثيرها المدمر، ومن حسنات الطوفان أنه كشف بل عرى بل فضح تأثير هذا النفوذ ليس على الصعيد السياسي، فحسب بل على الصعيد الأخلاقي أولًا وقبل أي شيء.
الأمريكان أنفسهم اعترفوا أن مجرد الترشح للكونجرس، يحتاج إلى كنوز قارون، أما الفوز بمقعد فله حسابات معقدة، وكنوز قارون موجودة بوفرة لدى اللوبي، فاللوبي قادر على دعمك بمئات ملايين الدولارات لكي تنجح حملتك الانتخابية، ثم بعد الفوز يبدأ الحساب، والحساب قائم على اتفاق لا يمكن الفكاك منه: "معنا أم ضدنا؟"، ولا يمكنك أن تقف ضد الذين جاءت بك أموالهم!
العالم كله يصرخ ليل نهار من تأثيرات وتدخلات اللوبي، وكثيرون يفكرون في إنشاء تحالفات لمواجهة هذا الوحش المفترس، ولكن كل التحالفات لا تصمد لأن القصة ليست قصة أموال فحسب، بل هي قصة عقائد ومصالح راسخة، الخروج عليها يقود في معظم الأحيان إلى كتابة النهاية المأسوية لأي سياسي، نعم هناك من يفلت ولكن هؤلاء قلة لا يؤثرون على النتيجة النهائية وهي خدمة الكيان المحتل.
توحش أيباك جعله يغادر الحدود الأمريكية ليطارد المؤثرين العالميين متى تحدث أحدهم ولو بكلمة غضب عن كيان الاحتلال أو تلفظ بكلمة حق عن فلسطين.
من هؤلاء الذين يطاردهم اللوبي السيدة فرانشيسكا ألبانيزي وهي المقررة الخاصة للأمم المتحدة المعنية بحالة حقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية المحتلة، وهي محامية وباحثة إيطالية في حقوق الإنسان، تولت المنصب في مايو 2022 وتعمل على رصد الانتهاكات وتقديم تقارير عنها، وتشتهر بمواقفها الداعمة للقضية الفلسطينية ومطالبتها بإنهاء الاحتلال.
قبل أيام بلغت المطاردة أوجها فصرخت السيدة فرانشيكا: لقد تم منع وصولي إلى حساباتي البنكية، وأصبحت غير قادرة على فتح حسابات جديدة أو الحصول على بطاقات ائتمان وكأنني مجـرمة، وذلك بسبب إدانتي لإسرائيل ورفضي للإبادة الجماعية في غزة".
تخيل معي سيدة لها منصب عالمي مرموق لا تستطيع فتح حساب بنكي أو حتى الحصول على بطاقة ائتمانية، وتعيش في بلاد لم تعد تتعامل بأوراق البنكنوت؟
المطاردة بدأت في اليوم التاسع من يوليو 2025، فقد فرضت وزارة الخزانة الأمريكية عقوبات على الموظفة الأممية الكبيرة فرانشيسكا ألبانيزي.
طبعًا من المفترض أن السيدة ألبانيزي تكون قد ارتكبت جرائم ضد الأمريكان حتى تفرض خزانتهم عقوبات عليها!
لكن سجل السيدة يخلو تمامًا من ذكر ولو مخالفة مرور، إذًا لماذا يعاقبها الأمريكان؟
الأمريكان لا علاقة لهم بالأمر إنهم أداة فحسب، فالذي يعاقب هو اللوبي، فهو الذي يأتي بالبندقية ثم يضع الرصاصة بداخلها، ثم يستأجر من يضغط على الزناد!
العقوبات كانت قاسية جدًا، والهدف منها هو جعل السيدة عبرة لمن يعتبر، فقد تمثلت العقوبات في تجميد أية أصول لها داخل الولايات المتحدة، ومنع الأفراد أو الكيانات الأمريكية من التعامل معها، ثم ذهبت العقوبات إلى نقطة القاتلة فقد قررت منع دخول الموظفة الدولية من دخول الولايات المتحدة الأمريكية!
عادت السيدة للصراخ: "إن العقوبات أثّرت على حياتي، تم تجميد أرصدتي، ابنتي أمريكية وزوجي يعمل في منظمة مقرها الولايات المتحدة الأمريكية، العائلة بأكملها تدفع الثمن".
عائلتها تدفع ثمن استقامة أخلاقها، السيدة رأت إبادة جماعية فقالت: "هذه إبادة جماعية".
لقد وضعت النقاط على الحروف وهذا ما لا يغفره اللوبي، فرانشيسكا الآن بين انياب الغول، أو بين أنياب اللوبي فمن يجرؤ على إنقاذها.