فلسطينية سورية تعيش مصير والديها مرة أخرى وتصبح لاجئة
الأربعاء، 09 مارس 2016 11:21 ص
بعد نحو 70 عاما من فرار أبوي عبير الحصري من فلسطين، هاهي تعيش مصيرهم، بعد اضطرارها إلى مغادرة الديار وليس معها شروى نقير لتبدأ من نقطة الصفر في أرض أجنبية.
نشأت عبير في شقة بالطابق العلوي فوق مخبز لهم في سوريا، في إطار حياة جديدة أنشأها الأبوان لنفسيهما بعد لقائهما في مخيم اليرموك للاجئين الفلسطينيين الفارين من الحرب العربية الإسرائيلية عام 1948. وقد سمعت عن فلسطين من والديها ولكنها لم ترها أبدا، وتعتبر سوريا وطنها. وهي فوق ذلك تتوق للعودة ورؤية جميع افراد عائلتها مرة أخرى.
تقول الحصري والدموع تنساب من عينيها "سوريا هي البلد الذي أعطانا البركة. أنا فلسطينية بالاسم فقط، والجذور، لكن الهواء، والشمس، والنفس... سوري ... بالنسبة لي، كانت سوريا جنة الله على الأرض لم نكن نتوقع أن يحدث ذلك."
الآن هي واحدة من نحو خمسة ملايين سوري يعيشون في نزوح رهيب من البلاد التي تمزقها الحرب. وهي وزوجها وابنتها عالقون مع نحو 14 ألفا آخرين على الحدود بين اليونان ومقدونيا في خيمة صغيرة تبرع بها الصليب الأحمر.
وهم من بين ما يقرب من خمسة ملايين لاجئ سوري فروا من الديار إلى لبنان والأردن وتركيا وأوروبا. ومعظم أولئك الذين اختاروا أن يجربوا حياة جديدة في أوروبا استقلوا قوارب متهالكة من الساحل التركي إلى الجزر اليونانية القريبة في رحلات محفوفة بالمخاطر، متجهين إلى الشمال من هناك إلى البلدان الغنية مثل ألمانيا والسويد.
ويتواجد أفراد عائلة الحصري في عدة قارات.
فابنها الأصغر عماد يعيش في السويد منذ ثلاث سنوات عندما كان يبلغ 17 عاما، بعد أن استقل قاربا في مصر متجها إلى ايطاليا ثم شق طريقه نحو الشمال.
ومهد مهربون الطريق له، لكن ثمن الرحلة كان 6500 دولارا وهو مبلغ مرتفع للغاية بالنسبة للأسرة ولا تستطيع دفعه عدة مرات.
والآن، تريد الحصري وزوجها وابنتها أن يلتئم شملهم معه.
وأصرت الأم على سفر ابنها بعد اعتقال ابنها الأكبر، 28 عاما، من قبل الشرطة في سوريا أثناء تفتيش منزل كانوا قد فروا إليه في منطقة وقعت تحت سيطرة المعارضة.
ولم يسمعوا عنه شيء منذ ذلك الحين.
وكان عماد قوي البنية وفي سن الخدمة العسكرية، وشعرت العائلة بالرعب من إمكانية اعتقاله أيضا أو تجنيده في الجيش قسرا.
ولا تريد الأم مغادرة سوريا التي تحبها بشدة. لكن بعد فترة من الوقت، لم يكن البقاء خيارا مناسبا.
"أخاف على زوجي وابنتي. بالنسبة لي يمكنني الجلوس في المنزل وانتظار الموت. لكن يتعين عليهما الذهاب للعمل، وذلك يعني أن هناك خطرا على حياتهما."، وفقا للحصري.
واضافت "القصف، القصف، القصف. الحرب، الحرب، الحرب. لا نستطيع تحمل ذلك"
وفي 20 فبراير الماضي، حزم وزوجها - علي محمد عبود - وابنتهما إسراء (22 عاما) أمتعتهم وفروا.
ووضعوا طبوش في حامل أطفال وخبأوه تحت بطانيات خلال رحلة الفرار المرعبة من سوريا.
وتقول عن القط الذي يروح ويجئ داخل الخيمة، قافزا على ظلال المارة المنعكسة على جوانب الخيمة "هربناه. إنه أمر مذهل عندما كنا نمر عبر حواجز الطرق ونقاط تفتيش كان يستكين ولا يخرج رأسه بالمرة. وكأنه يعلم".
شقوا طريقهم عبر تركيا، ثم على متن قارب إلى جزيرة خيوس اليونانية. ومن هناك استقلوا عبارة إلى البر الرئيسي، ثم شمالا وصولا إلى الحدود اليونانية - المقدونية منذ أسبوع.
وهنا وسط بحر من الخيام قرب السكك الحديدية القريبة من قرية إيدوميني، أجبروا على التوقف - مع 14 ألفا آخرين. فقد قيدت السلطات المقدونية أعداد اللاجئين العابرين لحدودها إلى أدنى حد ممكن. ويوم الاثنين لم يعبر شخص واحد. وبعد القمة الأوروبية - التركية في بروكسل يوم الاثنين يبدو أنه أصبح من المرجح للغاية أن يكون طريقهم قدما للأمام قد أغلق إلى الأبد.
وتقول الحصري "بهذا المعدل لا أعتقد أننا سنمر. نترك الأمر بين يدي الله". ورغم أن رحلة الوصول إلى هنا كانت محفوفة بالمخاطر، والجلوس في الحقول يوما بعد الآخر، وعدم وجود أي فرصة للاغتسال، وتراجع الأمل ساعة بعد الاخري، فإن الأمر لن يصبح أيسر.
وتضيف " هذه الظروف صعبة للغاية. لسنا معتادين على ذلك. اليوم أنا متشائمة للغاية. لقد طفح الكيل".
لم يعد للأسرة منزل تعود إليه. المستقبل الوحيد الذي يرونه هو المضي قدما، وأن يلتئم شملهم مع عماد في السويد.
لكن الزعماء الأوروبيين تقاعسوا أمام حجم المشكلة التي يواجهونها: التعامل مع سيل يبدو أنه لا ينتهي من الرجال والنساء والأطفال الذين هم في أمس الحاجة إلى حيوات أفضل وأكثر أمنا في بلادهم. وواحدة تلو الأخرى، ظهرت قيود حدودية بطول طريق البلقان غرب أوروبا.
"العودة مستحيلة. البقاء هنا مستحيل. العبور مستحيل. أين هي ألمانيا تلك التي قالت لنا تعالوا؟" تساءلت الحصري. وقال "العرب أغلقوا الأبواب في وجوهنا، والأوروبيين فتحوها. أين هم الآن؟"
وقالت "فقدنا حقوقنا في وطننا، في فلسطين، وفقدناها في الدول العربية. دعونا لا نفقدها مرة أخرى في الدول الأوروبية."
إسراء، التي تدرس العمارة والحاسبات وعملت في سوريا مدرسة، تحلم أيضا بالعودة إلى الوطن.
وأوضحت "بالنسبة لي، ارتباطي بالأرض، بالشوارع والمكان أكثر من ارتباطي بالناس هناك."
يقلق والدها بشأن مستقبل أسرته ويصلي لكي تفتح الحدود.
يقول عبود "هنا، الوضع محبط. بارد وكئيب. أموالنا تكاد تنفد. ونأمل في انفراج."
"لم يعد هناك طريق للعودة إلى الوطن الآن."