تخاريف الدكتور عبدالباسط .. وانتحار المنطق

الحديث المستمر عن الإعجاز العلمي في القرآن، والطب البديل، والتداوي بالأعشاب، بات مسألة تحتاج إلى وقفة مع المنطق والعقل، بدلا من ارتداؤه أسفل الجوارب في القدمين، خاصة أن مثل هذه الأحاديث، تجذب بسطاء العقول، ولا يراها العلماء والباحثون.
وعلى الرغم من أن كل من يركب موجة الإعجاز العلمي في القرآن يسبق اسمه لقب دكتور، فإن هذا الأمر بات مستفزا، ويحمل حوله هالة من الإندهاشة، للسلبية التي تتعامل معها الدولة ومراكزها العلمية ومؤسساتها التعليمية.
فقبل فترة خرج علينا دكتور في هيئة فاضلة، يدعى زغلول النجار، أخذ مساحات واسعة من الكتابة حول هذا الأمر في أكبر مؤسسة صحفية في الشرق الأوسط، ومنح قراء الأهرام من علمه الغزير، حول الإعجاز الذي أتي به القرآن قبل قرون طويلة.
دون أن ينفرد باكتشاف واحد جديد، ينافس به اكتشاف الكفتة التي تشفي من الفيروسات.
ومنذ فترة بدأ في الظهور زغلول آخر، يدعى عبدالباسط السيد، يقول أنه دكتور، ومدير مركز البحوث، وأنه طبيب تحاليل، وفي كتبه عرف نفسه على أنه طبيب بشري خريج جامعة القاهرة سنة 61، لكنه لم يحصل على درجاته العلمية في الطب البشري بل حصل على الماجستير في التمثيل الغذائي، ثم حصل على الدكتوراة من السويد في الفيزياء الحيوية.
أنا لست طبيبا، ولا أملك القدرة على تتبع حياة عبد الباسط (الزغلول الجديد)، لكني أجد تناقضا كبيرا في كونه طبيبا، مع حديثه المنهمر عن الأعشاب الساحرة التي تشفي من أمراض يأس العلم من إيجاد علاجا لها، بينما عبد الباسط اكتشف هذا العلاج في القرآن الكريم، وفي الأعشاب التي تباع على أرصفة العطارين.
كان من الممكن أن يمر عبدالباسط مرور الكرام، دون ان ألتفت إليه لولا أنه امتطى برنامجا شهيرا للداعية رمضان عبدالمعز، سمعته يرد على سؤال لمتصلة تسأله عن علاج للصداع النصفي، فكان رده كالأتي: (ضحك بشدة دون سبب) الصداع النصفي يأتي للناس بسبب النوم تحت الشمس على جنب واحد بالتالي الشمس تضرب جهة واحدة فقط من الرأس، فأشعة الشمس تؤثر على هذا الجزء، دون النصف الآخر من الرأس فيحدث الصداع النصفي. (وأكمل ضحكه).
الإجابة كانت تهييس بكل ما تحمله الكلمة من معنى، جعلتني أقفز منتبها من هذا الهراء الذي قاله وأنا لست خبير ولاطبيبا لا عالما، فتخيلت أن الدكتور أحمد زويل أو الدكتور أحمد السيد، وعشرات العلماء الذي أمتعنا به وشرفنا بمعرفتهم الزميل أحمد فايق في برنامجه الرائع "مصر تستطيع" لو سمعوا كلام هذا الزغلول الجديد، لإصيبوا بذبحة صدرية على الفور.
جزء من اندهاشي، أن أحد أقربائي مريض بالصداع النصفي، ليس لأنه ينام في الشمس على جانب واحد كما يقول الدكتور عبد الباسط، بل في بيوت عادية مثل ملايين المصريين، وظل يبحث عن علاج لهذا الصداع حتى اكتشف أن السبب في هذا الصداع التهاب في فقرات العمود الفقري، تم اكتشافه نتيجة تحاليل وأشعة ومتابعة مع عدة أطباء متخصصين كل في مجاله.
ويبدو أن الداعية رمضان عبد المعز، اكتشف خفة الرد، فقاطع ضحكاته وأفتى بالنوم جيدا لعلاج الصداع النصفي، الذي هو أساسا قد يجعل المريض لا يعرف للنوم طريقا، سوى بالمسكنات القوية، فوقع عبد المعز في هاوية التخاريف، الذي كنت أحسبه يكفتي بدور الداعية الذي أجاده، قبل استضافته للدكتور عبد الباسط في فقرة السيرك الأسبوعية.
ليس هذا فحسب، بل في حلقة أخرى اتصل مشاهد آخر وطلب علاجا لألام العمود الفقري، فنصحة الدكتور عبد الباسط بأكل البقدونس، وآخر اتصل يشتكي من آلام في المعدة فطلب منه أن يضع الخردل في السلطة، وثالث اشتكى من الكوليسترول، فنصحة عبدالباسط بزيت الزيتون، ورابع اتصل يشكو من البواسير فنصحه عبد الباسط بالحلبة.
هذا فقط ما رأيته وسمعته في حلقتين فقط كان بطلها الدكتور عبد الباسط، بجانب عبد المعز اليسعد بكم الاتصالات الهاتفية.
قررت أن أبحث في الإنترنت حول هذا الرجل، فوجدت أن الدكتور خالد منتصر، سبق الجميع وحذر من أقوال هذا الرجل قبل سبع سنوات، وكتب مقالات وثقها بأبحاث وتحاليل تثبت أن الجهل والأذي قرين كلمات هذا الدكتور، وأن الأمر وصل لدرجة الموت.
وباعتبار الدكتور خالد منتصر طبيبا وباحثا علميا يعرف ما يقول، اتفق مع الدكتور جمال شيحه أستاذ الكبد والجهاز الهضمى بالمنصورة، على أن يحلل الأعشاب التي وصفها عبد الباسط لأحد المرضى في معمل السموم وقياس الأدوية فى الدم بطب المنصورة تحت إشراف الدكتور عبد العزيز أبو الفتوح غانم، فجاءت النتيجة كالتالي.
أن نسبة سموم في تلك الأعشاب تجاوزت الثلاثين ضعفاً المسموح بها علميا، وهو موثق في تقرير علمي يقول أن هناك نسبة عالية من السموم الفطرية تسبب سرطانات وفشل فى الكبد، ويوجد بها أيضاً مادة تسبب فشل كلوى، وفي نهاية التقرير كتب الدكتور عبدالعزيز رئيس معمل السموم ينصح بعدم إستخدام هذه الأعشاب لخطورتها على الصحة مع العلم بأن تأثير هذه المواد السامة غير مرتجع.
كلمة "غير مرتجع" هذه تعني أن السم لا علاج له.
حالة أخرى تعامل معها الدكتور خالد منتصر، لكن هذه المرة من طبيب أسنان عمره 39 سنة، أصيب بفيروس سي، لكنه مستقر، وكما يقول منتصر، لعب الشيطان برأسه نتيجة الإلحاح الإعلامى للأسف فذهب لشراء أعشاب عبد الباسط من القاهرة، وظل يبلبع فيها حتى رقد فى المستشفى بفشل كلوى، وعندما أرسلت العينات لمعمل التحاليل كان الأمل مازال يداعب زوجته وطفلتيه الصغيرتين اللتين يبلغ عمرهما 4 سنوات وسنتين، بأن بابا سيعود، وعندما وصلت نتيجة التحاليل الكارثية كان الأب قد رحل.
بحثت عن موقع الدكتور عبد الباسط، فلم أجد شيئا، لكني وجدت عشرات بل مئات المنتديات تتحدث عن موقع المزعوم، وتنقل منه أسئلة وأجوبة سأسرد لكم جزء منها.
السؤال: أخي أصيب بمرض أبو أصفار منذ ولادته سبب له تأخر في المشي وعندما تمكن من المشي أصبح عنده عدم إتزان في الحركة عرض على دكتور قال عنده ضمور في المخ؟
الإجابة: شرب نصف كوب عصير أو ماء عليه 2 نقطة تاناكان صباحا ومساء
السؤال:ابنتي عندها ضمور بالمخيخ ونشاط مفرط وقلة نوم؟
الإجابة:شرب نصف كوب عصير أو ماء عليه 2 نقطة تاناكان صباحا ومساء.
السؤال:ما هو علاج ضعف العصب السمعي علماً أنه مؤثر على السمع كثيرا؟
الإجابة:تستخدم نقط في الأنف، نقطة في كل فتحة أنف، ومرة في الأسبوع عصير الخيار البري بالإضافة لاستخدام كبسولة جينكابايلوبا صباحا ومساءا.
السؤال:يا دكتور والدي يعاني من توقف خلايا في المخ ووجود نقطه في أحد الخلايا ولا يستطيع التكلم إلا بكلام غير مفهوم؟
الإجابة: بلع قرص جينكابايلوبا مع تنقيع القدمين في ملعقة كبيرة من الخردل المطحون مع 6 لتر ماء دافئ نصف ساعة يوميا.
السؤال:أبي أصيب بجلطة في المخ من أسبوعين وهو في المستشفى ما هو العلاج عمره 85؟
الإجابة:تنقيع القدمين في ملعقة كبيرة من الخردل المطحون مع 6 لتر ماء دافئ نصف ساعة يوميا.
السؤال:د / أريد أن أحمل وعندي ضعف في التبويض ما هو العلاج؟
الإجابة: للتبويض: تنقيع القدمين في ملعقة كبيرة من الخردل المطحون مع 6 لتر ماء دافئ نصف ساعة يوميا.
بالإضافة إلى أخذ 300 جرام لقاح نخيل مع 50 جرام هدال يطحنوا ويبلع ملعقة صغيرة بالماء بعد الاكل ب 3 ساعات لمدة 90 يوم.
السؤال: يا دكتور أنا حملت 5 مرات وكلها ولادة مبكرة ما الحل للولادة المبكرة وشكرا؟
الإجابة: شرب كوب من البردقوش مرتين يوميا.
لن أعلق على الأسئلة ولا على الأجوبة، فهي كلها تضرب العقل بالحذاء، وتعلق المنطق من القدمين، ولا دخل لها بأي علم، حتى ذلك الذي يكيل بالباذنجان.
لكن ما يثير التعليق، هو هذا الإيمان الراسخ لدى الناس بالعلاج الذي يأتي من كتب الفكاكة، ومجلات تان تان، وعلى العلماء الذين يهبون أعمارهم وحياتهم للبحث العلمي أن يلقوا بأنفسهم من أعلى جبل يصادفهم، فقد اكتشف الزغلول الجديد الدكتور عبد الباسط علاجا لكل شئ.
ووفقا للسيرة الذاتية التي يروجها الدكتور عبد الباسط عن نفسه، وانتسابه لمركز البحوث ولجامعة القاهرة، فإنه أشرف حتى الآن على 186 رسالة ماجيستير ودكتوراه وصدر له 216 بحثاً نشرت في المجلات الدورية المحلية والعالمية.
ليس هذا فقط بل أنه سجل ثماني براءات اختراع عالمية، أهمها اكتشاف قطرة عين مأخوذة من إشارات قرآنية لشفاء المياه البيضاء، وسجلها في الولايات المتحدة الأميركية وأوروبا، كما سجل براءة اختراع أخرى لعلاج التهاب الكبد الوبائي c وb، أيضاً في أوروبا والولايات المتحدة الأميركية.
لست مستغربا على الاطلاق من موقف الدولة، ممثلة في رئيس الحكومة المهندس شريف إسماعيل ولا من وزير الصحة أحمد عماد ولا من رئيس جامعة القاهرة جابر نصار، ولا من المؤسسات العلمية المصرية، فكل تلك الجهات وقفت تتفرج على الجنرال كفتة يهتك عرض العلم دون أن يتحرك فيهم الميت القابع في نفوسهم المسمى ضمير.