«ساحة بورسعيد» بالجزائر احتضنت ملايين الثوار ترحيبا بعبد الناصر
السبت، 12 مارس 2016 03:28 ص
ساحة «بورسعيد» بقلب العاصمة الجزائرية أسم شاهد على التاريخ والمصير المشترك بين مصر وشقيتها الجزائر.. فعند تقاطع أشهر مبانى العاصمة ومن بينها البنك المركزى والبرلمان ومقر الشرطة تبرغ ساحة «بورسعيد« أو مايعرف شعبيا فى السابق ساحة «السكوار».
فاسم الميدان - المقسم إلى أربعة أجزاء متساوية تتوسطه منصة عالية - مستمد من اسم المدينة الصامدة أمام العدوان الثلاثى " فرنسا وبريطانيا وإسرائيل " اطلقه أول رئيس للجزائر بعد الأستقلال أحمد بن بله إحتفالات بالزيارة التاريخية التى استمرت أربعة أيام للزعيم جمال عبد الناصر للجزائر يوم 4 مايو 1963 عقب وصوله على متن الباخرة المصرية " الحرية " لميناء الجزائر على رأس وفد ضم عددا كبيرا من نواب رئيس الجمهورية والورزاء فى الجمهورية العربية المتحدة ( إبان الوحدة بين مصر وسوريا) .
وحرص الرئيس بن بله على الصعود على متن باخرة " الحرية " لاصطحاب ضيفه الكبير من ميناء الجزائر التاريخي فى إشارة إلى دور عبد الناصر فى إستقلال البلاد ( وكانت قوات الأستعمار الفرنسى قد غزت الجزائر فى عام 1830 من ميناء "سيدي فرج" بغرب العاصمة وإستمر الإحتلال ما يقرب من 132 عاما ) .
وقام الزعيم عبد الناصر عقب إلى وصوله إلى الساحة فى موكب أحاطت به الملايين من الثوار الجزائريين بإزاحة الستار بنفسه عن اللوحة التذكارية التى تحمل " بورسعيد " تخليدا للعلاقات الميمزة بين البلدين والكفاح المشرك ضد قوى الأستعمار والرجعية....وحرص جميع رؤساء الجزائر المتعاقبين على اصباغ الميدان بالروح المصرية سواء كان عن طريق تقديم الفنون المصرية المختلفة كالمسرحيات والأفلام والفنون الشعبية على المسرح "الوطنى" المطل على الميدان حيث قدم الفنان القدير يوسف وهبى على خشبة هذا المسرح العديد من مسرحياته التى تناولت قيمة العمل والكفاح وأهمية الوحدة العربية كما شهدت خشبية المسرح الوطنى عددا من روائع المسرح للفنانة القديرة سميحة أيوب .
ويرى المواطن الجزائرى خضر بوغمراسة " صاحب أحد المقاهى المطلة على الساحة " أن من أشهر الشخصيات التى كانت تحرص على زيارة الساحة ويتفاعل معها الزائرون هو الشاعر المصرى الكبير أحمد فؤاد نجم الذى عاش فى الجزائر لعدة سنوات فى السبعينات وتزوج من ممثلة المسرح الجزائرية صونيا ميكيو حيث كان يلقى العديد من أشعاره كل يوم جمعة على مسامع العشرات من رواد الساحة .
وأضاف أن العديد من الجزائريين يرون أن الشيخ إمام وأحمد فؤاد نجم يعدان النموذج الذي يوضح العلاقة الحقيقية بين السياسة والأدب، وكيف نلغي المسافة بين الكتابة والممارسة".
وأشار إلى أن من أشهر قصائد أحمد فؤاد نجم التى تفاعل معها الجمهور الجزائرى فى ساحة بورسعيد قصيدة " زيارة لضريح عبد الناصر" التى كانت تبدأ ب " على الضريح..السكه مفروشه .... تيجان الفل والنرجس ...والقبه صهوة فرس ...عليها الخضر بيبرجس ...والمشربيه عرايس ... بتبكي والبكا مشروع ...من ذا إللي نايم وساكت ...والسكات مسموع سيدنا الحسين ؟
من جانبه .. أشاد المواطن الجزائرى محمد ساري بدور أحمد فؤاد نجم في توعية الجمهور وتعريفهم بمسؤولية الكلمة وقال : "كنا منبهرين بنضال يدخل شاعرا إلى السجن فيصر على الكتابة بأكثر تمرد وأكثر جرأة. بل ويسخر من عذاب السجن ومعاناته، ورفيقه الشيخ إمام.. كانا درسا حقيقيا في النضال من أجل الكلمة".
كما يقع بالقرب من ساحة بورسعيد المركز الإعلامى والثقافى المصرى المقام عقب زيارة عبد الناصر ويضم 6 ألاف كتاب مصر وعربى وعالمى فى مختلف الفنون والأداب والسياسة وقاعات للسينما والندوات والرسوم كما كانت تنظم فيه شهريا ندوات ثقافية من كبار الأدباء والشعراء المصريين .
وقد ساعد وقوع "ساحة بورسعيد " بالقرب من محطة القطار والميناء ومحطة نقل المسافرين، على توافد عشرات العاطلين عن العمل من المدن الداخلية للجزائر باتجاهها بحثاً عن العمل فمنذ بزوغ نسمات الفجر الأولى، لا يهدئ المكان الفسيح من السكون والحركة، ومن مشاهد الشباب القادمين بحثاً عن عمل بسيط في تحميل البضائع في الميناء من أجل سد قوت يومهم وعيالهم. كما افترش بعضهم الأرض بمفروشات لبيع «تحف» عتيقة ومقتنيات تقليدية مصنوعة من الجلد والفخار.
تمتزج فسيفساء الباعة والحالمين بأنغام فرقة موسيقية من ثلاثة أفراد اتخذوا من إحدى زوايا الساحة ركناً لإسماع "قرع" الطبل للمارة والوافدين الجدد، في كتلة متناغمة تعكس موروثا ثقافيا يتقنه سكان الصحراء الجزائرية. وكأن النغمات جاءت لتؤنس هؤلاء وتخفف من وطأة معاناتهم .
وللمهاجرين الافارقة الوافدين إلى الجزائر العديد من الحكايات والقصص المثيرة مع المكان، فهؤلاء الآتون من النيجر والمالي والسنغال وزامبيا، والكونغو، وغانا، وبوركينافاسو وكوت ديفوار وليبيريا باتوا منذ السبعينيات، جزءا من الديكور العام لساحة بورسعيد حيث اندمجوا بسلاسة مثلى مع سكان المنطقة، واصبحوا محل طلب العائلات الجزائرية فى أعمال المقاولات كما يقصدهم مقاولون الطرق للاستعانة بهم في اعمال الحفر والشق.
كما يوجد العديد من الافارقة يمارسون نشاطات تجارية أخرى مثل بيع انواع العطور والمسك والبخور والسواك والنظارات كما يوجد منهم من يعمل فى تجارة العملة غير المشروعة مما أدى إلى تحويل الساحة إلى ما يشبه منطقة (ترنزيت) او عبور لعشرات الافارقة الذين يدخلون الجزائر بوثائق سليمة، يمكثون فيها للعمل مؤقتاً الى حين ينجحون في جمع المبلغ المالي الذي يمكنهم من شراء تذاكر الطائرة او الباخرة التي تقلهم باتجاه مارسيليا حيث لا تبعد عن السواحل الجزائرية سوى ب 700كلم بحراً، ولا يستغرق الوصول اليها جواً ازيد من ساعة.