معركة الحرية.. الصحفيين 10 VS الداخلية صفر

الأحد، 08 مايو 2016 05:09 م
معركة الحرية.. الصحفيين 10 VS الداخلية صفر
عبد الحليم قنديل يكتب


القصة أكبر مما حظر النائب العام النشر فيه، وهو ما نلتزم بعدم الخوض فى تحقيقاته، وإن كان المعلوم بالضرورة يسبق كل تحقيق جرى أو يجرى، ومن المعلوم من القانون بالضرورة، أن «الخاص يقيد العام»، وتلك قاعدة بديهية مجردة، يعرفها أى دارس مبتدئ للقانون، ومفادها أن القانون الخاص لنقابة الصحفيين يقيد كل إجراء أكثر عمومية، والمادة (70) من قانون النقابة قاطعة فى ألفاظها ومعانيها، وهى تلزم بحضور عضو من النيابة العامة مع نقيب الصحفيين - أو من يمثله - فى حالات الاحتياج إلى تفتيش مبنى لنقابة، وهو شرط لزوم، لم يتوافر أبدا فى واقعة اقتحام الأمن مبنى نقابة الصحفيين المركزى، ولم تذكر النيابة العامة فى بياناتها أنه حدث، ولا ذكره النائب العام فى قراره الذى كان متوقعا بحظر النشر، فقد صار حظر النشر عملا شبه روتينى فى قضايا الرأى العام، وإن كان أثره لا يكاد يتحقق، فقد تلتزم به الصحف والإذاعات والتليفزيونات المصرية، لكن غيرها لا يلتزم بالطبيعة، فوق أن وسائط التواصل الاجتماعى الأحدث لا تلتزم بشىء، وهو ما يعنى مزيدا من إثارة الرأى العام، وبالقصص الحقيقية أو المفبركة، فالممنوع مرغوب فى مطلق الأحوال، وقرارات حظر النشر لم تعد تجدى فى دنيا السماوات المفتوحة، والثورة الهائلة فى وسائل الاتصال.

وبالنشر أو بدونه، فلا يصح التهوين من شأن ما جرى، فهذه أول مرة تجرى فيها الواقعة المخزية، هذه أول مرة تقتحم فيها قوات الأمن نقابة عامة، وليس من سابقة تدانيها فى التاريخ المصرى الحديث والمعاصر، وقد كانت نقابة الصحفيين بالذات هدفا لانتهاكات نظم قمع توالت، وكانت كل سلطة تحرص على وجود عضوى لها داخل النقابة، وفى صورة عناصر أمن، يحمل بعضها كارنيه عضوية نقابة الصحفيين، وكانت جماعة الأمن ـ فى ثياب الصحفيين ـ تؤدى أدوارها بانضباط مكشوف، وتنسق مع أجهزة أمن خارج مبنى النقابة العريقة، وتستدعيها أحيانا لدورات تحرش على سلالم نقابة الصحفيين الشهيرة، وعلى نحو ما حدث زمن المخلوع مبارك، وفى وقائع لا تحصى، كان أشهرها وقائع التحرش الجنسى وانتهاك أعراض صحفيات فى 25 مايو 2005، كانت الاحتجاجات وقتها تقودها حركة «كفاية»، وكان يوم الانتهاكات هو يوم الاستفتاء الصورى الأسود على تعديل عبثى فى الدستور، وتكررت الوقائع ذاتها مرات، وتقدمت فيها بلاغات للنيابة العامة، ولم ينته تحقيق فيها إلى غايته، ووضعت كلها فى الأدراج المظلمة، وعلى نحو ما قد يتكرر الآن فى بلاغات نقيب الصحفيين، فلم نسمع عن قرار للنيابة فى بلاغات انتهاكات 25 إبريل 2016، والتى كانت صورة طبق الأصل من انتهاكات 25 مايو 2005، ربما مع حذف مقاطع انتهاك الأعراض، وكما قوبلت الانتهاكات القديمة بصمت الرضا المكتوم من جهات التحقيق، فقد كان الصمت الجديد مشجعا على المزيد من الانتهاكات، والوصول بها من درجة انتهاك أعراض الصحفيات إلى انتهاك عرض نقابة الصحفيين ذاتها، والتعامل معها كأنها وكر إجرام، واقتحامها بعشرات من ضباط الأمن، واعتقال صحفى مع صديقه من داخلها، والذهاب بهما إلى حيث ذهبت مئات بل آلاف مؤلفة من شباب المصريين، وإلى تحقيقات يعرف الكل طبائعها ونتائجها، وإلى ظلام السجون الذى يلف عشرات الألوف من المحتجزين فى غير تهم العنف والإرهاب .

وليست القصة فى «ريشة» على رأس الصحفيين، وكما تدعى مذكرة غبية سربتها وزارة الداخلية بالقصد أو بالغفلة، فالريشة على رأس القانون كما يفترض، وليست على رأس ضباط الانتهاكات والتعذيب والرشاوى و«الضرب فى المليان»، وقد تعمدت وزارة الداخلية اقتحام نقابة الصحفيين دوساً للقانون، وتصورت أن بوسعها دهس رؤوس الصحفيين، وهو ما لن يحدث أبدا، فنقابة الصحفيين لا تخص الأعضاء والمنتسبين، ونقابة الصحفيين كانت وستظل قلعة الحريات العامة، وما فشلت به عصابة مبارك وحبيب العادلى، لن ينجح به أى أحد آخر، مهما تصور أن القمع يدهس الأرواح، فقد لجأ المخلوع مبارك إلى تأميم وتدجين النقابات المهنية منذ أوائل التسعينيات، واستطاعت نقابة الصحفيين كسر الحصار قبل غيرها، وتوالت انتخاباتها الداخلية المنتظمة، وخاضت معركة مشهودة ضد قانون أصدره مبارك أواسط التسعينيات من القرن الفائت، وأرغمته على ابتلاع قانونه الذى أصدره برلمانه المزور، تماما كما انتصر الصحفيون على السادات، وأرغموه على ابتلاع قراره بتحويل نقابتهم إلى ناد اجتماعى، وكان الفضل لإرادة الصحفيين الموحدة، ولدعم هائل حصل عليه الصحفيون من نقابات الطبقة الوسطى، ومن كافة القوى الحية فى مصر، وهو الدعم ذاته الذى تلقاه النقابة الآن، ويعينها فى حرب الحرية ضد سلطان القمع والانتهاك وجريمة الاقتحام الأمنى، فلن يكون نصيب المقلدين لجرائم حبيب العادلى بأفضل من مصيره، حتى وإن بدت فرص الإعادة والتكرار مغرية للظالمين، فهم لا يدركون مغزى ودور نقابة الصحفيين فى حوادث مصر المعاصرة، فقد كانت سلالمها الشهيرة مهدا لثورات خلعت الرؤوس، وكانت ترمومترا صادقا دقيقا لحرارة غضب الشعب، وويل للذين تغضب عليهم السلالم، فليس لهم من مصير يرتجى، سوى أن تهوى بهم الأقدار من حالق إلى الفالق .

نعم، لا خوف على نقابة الصحفيين، فليس لها سوى أن تنتصر، وعار الاقتحام الأمنى لا يأخذ من قوة نقابة الصحفيين، بل أمدها بطاقة تماسك وحيوية كانت فى أشد الاحتياج إليها، وأحرقت مراكب «جماعة الأمن» من حملة كارنيه عضوية نقابة الصحفيين، فليس من صحفى، يستحق الصفة، يوافق أو يسكت على ما جرى، والذين يوافقون ويهللون صارت أسماؤهم معروفة مكشوفة، لجأ بعضهم إلى التخفى، واعتصم آخرون بالوقاحة، وكشفوا عن أولوية انتسابهم لجهاز الأمن، وفضحتهم مذكرة التعليمات الغبية الموجهة إليهم من ضباط الإعلام الأمنى، وسقطت عنهم أوراق التوت، وتصوروا أن السند الباقى هو وزير الداخلية، وسوف يسقط وزير الداخلية اللواء مجدى عبد الغفار، كما سقط قبله أحمد الزند وزير العدل المطرود، ولاحظوا ـ من فضلكم ـ أمارات وجوههم الكالحة، فالوجوه التى شاركت فى حفلة تطبيل للزند، هى الوجوه ذاتها التى حضرت «حفلة زار» وزارة الداخلية، ودافعت وتدافع عن عبد الغفار، وعن غباوة الاقتحام الهمجى لنقابة الصحفيين، فليس بوسع نظام أن يتحمل «غباوات» وزير الداخلية الحالى، وسواء كانت الرئاسة تعلم أو تجهل واقعة الاقتحام قبل حصولها، فإنها ـ على ما نظن ـ تركت عبد الغفار لمصيره، حتى وإن تأخرت مواعيد إقالته قليلا أو كثيرا، ولو كانت لدى عبد الغفار لمسة من كرامة شخصية ومهنية، لاستقال الرجل من منصبه حتى قبل واقعة الاقتحام، فقد تعرض لتوبيخ علنى غير مسبوق من الرئيس السيسى، والواقعة مشهورة ومذاعة فى افتتاح المبنى الجديد لوزارة الداخلية بأكاديمية الشرطة، وسأله فيها الرئيس عن احتياطات حماية المبنى الجديد، وبدا أن عبد الغفار قد ابتلع لسانه، فقد كلف الآلاف من الضباط والجنود بحماية مقر إقامة سيادته، وبتكاليف تصل إلى عشرات الملايين من الجنيهات، وهو ما كان موضع غضب واستنكار ساخر من السيسى، والذى أنبأه ـ علنا ـ بطرق حماية تكنولوجية تكلف أقل، وتكفل له مراقبة أدق لما يجرى فى وزارته، ومغزى الواقعة ظاهر، فهو قرار إقالة بالقلم الرصاص، ربما لاينقصه سوى صدور قرار جمهورى لاحق بختم النسر، فقد صارت وزارة الداخلية بممارساتها عبئا فوق طاقة تحمل الرئيس، واستنفد عبد الغفار فرصته، وفشل فى تطهير جهاز الأمن، وفى تطوير كفاءته، وفى ردع انفلات أعداد متزايدة من الضباط وأمناء الشرطة، توالت فيها جرائم قتل المواطنين بالسلاح «الميرى»، وتكشفت شبكات فساد لكبار الضباط، وعلى طريقة ضباط «عصابة الدكش»، والذين اعترفت عليهم الداخلية نفسها فى بياناتها الرسمية، وكشفت عن تلقيهم رواتب شهرية ثابتة من عصابات البلطجة .

وقد لا يجادل أحد فى احتياج المصريين إلى الأمن، ولا فى الإشادة بتضحيات الشهداء فى الحرب ضد جماعات الإرهاب، لكن مواجهة الإرهاب لا تعنى دوس حريات الناس، ولا غلق سبل السياسة السلمية، والحرية وحدها هى التى تكفل كشف العيوب والثغرات والاختراقات، وتطوير جهاز الأمن وتنقيته وتطهيره، فستر «عورات» جهاز الأمن لا يخدم أحدا، ولا يفيد فى حفظ أمن المواطنين، ولا حتى فى حفظ أمن النظام، وما من بديل سوى ردع انفلات الجهاز الأمنى، ووقف صراعات الأجهزة التى تستنزف قوة النظام، ويتحالف بعضها مع جماعات البيزنس والنهب العام، وتدير المؤامرات والخيانات الداخلية، وحرق الاقتصاد، وتدمير جسور السياسة، وتريد أن تحتوى الرئيس، وتورطه فى صدام مع الشعب، وعلى طريقة الاقتحام الوقح لمبنى نقابة الصحفيين المصريين.

وعند أول صدام، تكشفت «الخيبة الثقيلة» للجنرال مجدى عبد الغفار، والذى دخل التاريخ بصفته «الوزير العفريتة» أو «الوزير النيجاتيف»، فقد أراد الرجل مفرط البؤس، أن يلبس جلباب حبيب العادلى، ونسى شيئاً بسيطاً جداً، وهو أن شعب حبيب العادلى لم يعد له وجود، فقد تفتح وعى ملايين المصريين مع الموجات المتلاحقة للثورة، ولم يبق للوزير البائس سوى حشد عشرات من «المواطنين الشرفاء» بالتعبير المصرى الساخر، وتوزيع أطعمة وأشربة ونقود، وتوفير «أوتوبيسات مواشى» لنقلهم إلى ميدان حصار نقابة الصحفيين، وكانت الهزيمة مدوية لسلطة القمع، وبدلالة الحشد الكثيف الهائل للصحفيين المصريين، فقد اجتمعوا كما لم يجتمعوا أبداً فى مقر نقابتهم، وكانت قراراتهم حاسمة مدوية وهزموا الطغيان «عشرة/صفر» فى مباراة الحرية، والحقيقة أن ما جرى من الداخلية كان ذروة الغباوة، أو قل إنها «ما بعد الغباوة» جرياً على معانى «ما بعد الحداثة» و«ما بعد التاريخ».


لكنها «الغباوة» المشكورة على أى حال، فشكراً للغباوة التى منحت قبلة الحياة لكفاح الصحفيين المصريين، والشعور بالخطر يصنع التحدى.

 

تعليقات (1)
هذا عبدالحليم قنديل
بواسطة: حسن الحسيني
بتاريخ: الجمعة، 13 مايو 2016 07:31 م

هذا عبدالحليم قنديل الذي اعرفه والذي تعرفت عليه في المؤتمر القومي العربي في القاهره في يونيو 2013اسد هصور لا يشق له غبار وصادح بالحق لا يجاريه احد

اضف تعليق