أزمة الفراغ الرئاسي في لبنان وترسيخ الدور الإقليمي المصري
الجمعة، 19 أغسطس 2016 12:10 م
جاءت الزيارة التي قام بها وزير الخارجية سامح شكري إلى لبنان مؤخراً ولقائه بعدد من الوزراء والمسئولين اللبنانيين، والرؤساء السابقين في إطار ترسيخ الدور الإقليمي المصري في المنطقة والبحث في وسائل الدعم المصري لحل أزمة الفراغ الرئاسي في لبنان.
وترتكز تحركات وجهود الدبلوماسية المصرية على ثوابت راسخة للسياسة الخارجية المصرية، إذ تقوم على أهداف دعم وتأمين الاستقرار الداخلي، والانفتاح على العالم الخارجي للاستفادة من التجارب المختلفة، وترسيخ دور مصر الإقليمي، ومكافحة الإرهاب، وحشد الدعم لتحقيق أهداف التنمية الاقتصادية في مصر، فضلاً عن العمل على تسوية الأزمات المختلفة في منطقة الشرق الأوسط والعالم العربي.
وطبقا للأدبيات السياسية، فإن ممارسة الدور تعني القدرة على التأثير في التفاعلات الإقليمية بما يخدم المصالح المصرية، كما أن الدور الفاعل لمصر يعتمد على الرؤية في توظيف القدرات لأقصي درجة ممكنة، فمصر في الخمسينيات والستينيات كانت لها رؤيتها للإقليم، ولها رسالتها أيضا، وقد دفعت في سبيل ذلك ثمنا كبيرا. ويتسم الدور المصري حاليًا، رغم المعوقات الاقتصادية الحالية، بالقبول والتقدير الدولي.
وتطبيقاً لذلك تركزت كل لقاءات وزير الخارجية على إجراء نقاش وحوار مفصل، حول الأوضاع السياسية الداخلية فى لبنان، والأفكار والمقترحات المطروحة لتجاوز المأزق الخاص بفراغ المنصب الرئاسي، وإمكانيات التوصل إلى توافقات بين التيارات السياسية المختلفة في هذا الشأن.
وأكد الوزير سامح شكري - خلال الزيارة - قلق مصر البالغ من استمرار حالة الفراغ الرئاسي، وتأثيراتها المُحتملة الاستقرار لبنان، ودعم مصر لكل جهد يستهدف تجاوز الأزمة السياسية فى لبنان، وتحقيق التوافق المطلوب بين القوى السياسية، مشيراً إلى أن مصر مستعدة لتقديم كافة أشكال الدعم والعون للأشقاء اللبنانيين، من خلال علاقاتها الإقليمية والدولية بما يسهم فى إنهاء الأزمة الحالية، والحيلولة دون تحول الأوضاع السياسية إلى نفق مظلم، وهذا من شأنه أن يؤثر على مجمل الأوضاع السياسية والاقتصادية والأمنية والاجتماعية.
ولذلك تسعى الدبلوماسية المصرية إلى أن تكون لمصر الجديدة رؤية واضحة حول قضايا الإقليم، تتسم بالإيجابية والجرأة في التعامل معها، وأن تمتلك المبادرة والمبادأة.
ويجد المتابع لخطابات الرئيس عبد الفتاح السيسي - خلال زياراته الخارجية، وفي المحافل الدولية - موقفًا مصريًا أكثر وضوحًا في كل قضايا الإقليم، وفي علاقات مصر نحوها.
اعتبارات مهمة
تكتسب الجهود المصرية في لبنان أهمية خاصة، في ضوء تباين رؤي كل أطراف الأزمة اللبنانية، ويتفق المنظرون السياسيون في لبنان على أن زيارة وزير الخارجية سامح شكري لبيروت تأتي في هذا التوقيت استنادا إلى عدة اعتبارات أولها: أنه بالنظر إلى واقع أن الفرقاء السياسيين اللبنانيين فإن هناك حاجة ماسة إلى "وساطة" من أجل التوصل إلى انتخاب رئيس للجمهورية.
وثانيها: أن هناك حاجة إلى من يضطلع بهذا الدور بعد غياب لافت للاعبي الوساطة التقليديين عن الاهتمام بدفع الأمور قدما في لبنان نتيجة يأس مبرر من الداخل اللبناني، بعد مجموعة محاولات لفرنسا والأمم المتحدة، على رغم أن التساؤل يبقى أساسيا عما إذا كان أي دور عربي سيكون مقبولا في هذه المرحلة من جميع الفرقاء.
ولعل لقاء وزير الخارجية مع الفرقاء اللبنانيين، واستماعه لآرائهم ومقترحاتهم حول أليات حل الأزمة في لبنان وانتخاب رئيس للجمهورية، وسبل تقديم الدعم والمساندة المصرية، يكشف عن رغبة الفرقاء اللبنانيين في أن تؤدي مصر دوراً في صياغة إقليمية جديدة مع بعض الأطراف الإقليمية الأخرى التي لها مصالح في لبنان، من أجل إتاحة المجال أمام توافق داخلي من خلال العمل على التوفيق بين فرقاء الداخل.
ورغم شيوع حالة من التفاؤل بشأن اقتراب حل أزمة الفراغ الرئاسي في لبنان بعد تحركات الدبلوماسية المصرية، إلا أنه ثمة من يعتقد أن ما أعلنه الأمين العام "لحزب الله" حسن نصرالله، بشأن تأكيده التمسك بالعماد عون، واقتراحه إمكان التساهل إزاء رئاسة الحكومة، إنما يكون بتلك التصريحات قد حدد السقف مسبقا أمام أي مبادرة مصرية او أي مبادرة آخرى، خاصة أن هذا الموقف استبق زيارة وزير الخارجية المصري، ولا يمكن تجاهل هذا التزامن.
ترسيخ للدور الإقليمي المصري
تؤكد الثوابت التاريخية أن مصر هي رمانة الميزان في المنطقة، وإدراكاً منها لأهمية دورها الإقليمي الفاعل في طرح الأفكار والمبادرات سواء الفردية أو الإقليمية لحل أزمات المنطقة، باتت الاستجابة المصرية في الخروج للإقليم بمنطق وظيفي يربط بين سياسات الداخل (الحفاظ على الدولة ضد الإرهاب وتحسين الاقتصاد)، وتحركات الخارج ( صياغة تحالفات إقليمية مع بعض دول الخليج كمدخل لتنمية المنطقة برمتها، وبناء تحالف إقليمي ضد حركات الإسلام السياسي المسلح، وتقليل الضغوطات الدولية، واختراق المحيط الأفريقي).
وبالفعل استطاعت الدبلوماسية السياسية المصرية خلال الفترة الماضية ترويض الضغوطات الغربية عبر توسيع خيارات الحركة تجاه قوى دولية أخرى مع الحفاظ على الحد الأدنى من علاقتها مع الغرب، كما كسرت الجمود تجاه المحيط الأفريقي ومؤسساته باستعادة مصر لعضويتها المجمدة في الاتحاد الأفريقي، وعملت على تفعيل عضويتها في الكثير من المؤسسات الأفريقية.
ويبقى القول أن الدبلوماسية المصرية الواضحة والنشطة تجاه قضايا المنطقة العربية وفي القلب منها أزمة الفراغ الرئاسي في لبنان، سوف تمثل دفعة قوية للجهود العربية والعالمية اللازمة لدعم الأمن والاستقرار في منطقة الشرق الأوسط.