تعثر المحادثات وزيادة العنف يحبط جهود وساطة الأمم المتحدة
الأحد، 04 سبتمبر 2016 05:34 ص
مع ارتفاع نغمة الحرب عن جهود السلام خلال الاسابيع الاخيرة في سوريا، تعثرت المحادثات التي تتوسط فيها الامم المتحدة بشأن مهلة اخرى ضاعت لاستئناف المحادثات الاسبوع الماضي. ويقول محللون ان الصبر ينفد كما تتضاءل الفرص لإبرام اتفاق تتوسط فيه الامم المتحدة.
وأبدى ستفان دي مستورا مبعوث الامم المتحدة الخاص لسوريا الذي يدخل شهره السابع والعشرين في الوظيفة، لامبالاة بشأن عدم قدرته على الوفاء بموعدين مستهدفين في أغسطس آب لإعادة مبعوثين من حكومة الرئيس بشار الاسد والمعارضة الرئيسية ثانية الى مائدة التفاوض في جنيف.
وألقى دي مستورا باللوم على "العسكرة" المتزايدة للازمة السورية في فشله كما نزل عن ارادته ثانية لروسيا والولايات المتحدة لقيادة مخرج من الازمة. وقال "الامر لا يتعلق بالمهلات ولا بالتواريخ، بل بالوقائع".
ودأب دي مستورا وهو دبلوماسي سويدي ايطالي على الاشادة بهذا النهج الذي يقوم على "ثلاثة قواعد" للمساعدة في انهاء هذه الحرب الضروس المستعرة منذ خمس سنوات ونصف : أي تقليص العنف وتعزيز المعونة الانسانية واجتذاب دولة الاسد وخصومها الى العملية السياسية.
غير ان اكبر مدن سوريا وهي مدينة حلب تقف على شفير كارثة كما ان هدنة اعطت للسوريين الذين يعانون معاناة بالغة مساحة للتنفس في وقت سابق من العام الجاري اصبحت ميتة. وتتقاطر المعونة التي تقودها الامم المتحدة ولكن فقط في أكثر الاماكن احتياجا. وعبرت القوات التركية الى سوريا بعد ان ظلت سنوات في موضعها.
وقال دي مستورا ان الاسد الان لديه "استراتيجية واضحة" لإجبار السكان المحليين على الاستسلام واجلائهم كما فعل مع سكان ضاحيتين في دمشق هما داريا والمعضمية بعد سنوات من الحصار المرير.
ومر التاريخ المستهدف من قبل دي مستورا وهو الاول من اغسطس آب لاستئناف المحادثات التي انهارت في ابريل نيسان، ثم مر تاريخ اخر في نهاية اغسطس/ آب.
ولم يعد دي مستورا يتحدث عن جداول زمنية لاجتذاب الاطراف السورية مرة اخرى الى جنيف بل يركز بدلا من ذلك على المزيد من انخراط المجتمع الدولي. وقال انه يعد "مبادرة سياسية واضحة " لم يحددها ليطرحها امام الجمعية العامة للأمم المتحدة هذا الشهر في نيويورك لمساعدة الجمعية "على مواجهة المشكلة السورية وجها لوجه".
وبمعنى آخر ان يعيد الازمة الى المائدة الدولية في الوقت الذي يلوح فيه في الافق تاريخان سياسيان هامان هما انتخاب الرئيس الامريكي والامين العام للأمم المتحدة.
في السادس والعشرين من اغسطس حضر دي مستورا لوقت قصير محادثات ثنائية استمرت 12 ساعة بين وزير الخارجية الامريكي جون كيري ووزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف. وفي مؤتمرهما الصحفي النهائي لم يشيرا الى دي مستورا الا مرة واحدة كما ألغى كيري خططه للاجتماع به. ولم يجد كيري وقتا لتناول الغداء مع عمدة جنيف.
ويتهم منتقدون الامم المتحدة بتمكين حكومة الاسد إما بدعمها بمعونات انسانية تتجه الى مسانديها او الاعتقاد الساذج بانه هو ومساندوه سوف يقبلون بعملية تحول سياسي في الوقت الذي تسير فيه امور الحرب مؤخرا لصالحهم. ويقول مسؤولو الامم المتحدة ان مهمتهم هي مساعدة كل المدنيين في مناطق الحرب، سواء في المناطق التي يسيطر عليها الاسد او خارجها.
ويعترف المحللون بان دي مستورا يواجه على الدوام مهمة صعبة.
ويقول إميل هوكاييم من المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية "لا احد يشكك في جهود دي مستورا ذات النية الحسنة، ولكن المرء يمكنه ان يشكك في الاستراتيجية التي يتم تبنيها".
وقال هوكاييم ان بعض افتراضات دي مستورا التي تعد موضع شك تشمل اعتقاده بان روسيا والولايات المتحدة لديهما سلطة على القوى المؤثرة الرئيسية في الشرق الاوسط مثل تركيا والسعودية وايران او ان موسكو لديها النفوذ او الارادة لتوجيه الاسد باتجاه اتفاق. واشار الى مدى انخراط روسيا في دور المشارك الذي يساعد الاسد وايضا في دور المحكم والوسيط في الحرب.
ويعمل الخبراء الامريكيون والروس خلف ابواب مغلقة هذا الاسبوع في جنيف حول تفاصيل خطة مشتركة، ويأمل بعض دبلوماسيي الامم المتحدة ان يقدم الرئيسان بوتين وأوباما بعض التوجيهات بشأن سوريا في قمة العشرين في الصين في نهاية الاسبوع الجاري.
ويقول جيفري مارتيني وهو خبير في شؤون الشرق الاوسط في مؤسسة راند وهي مركز ابحاث ان النقطة المشتركة بين موسكو وواشنطن هي معارضتهما لتنظيم الدولة الاسلامية والى ان يتم هزيمته، ستظل العملية السياسية في سوريا في حالة توقف.
وقال مارتيني ان قتال الدولة الاسلامية "هو هدف سهل المنال، اكثر من الحرب الاهلية...والتي تعد اكثر تعقيدا".
ويبدو ان حلفاء الاسد روسيا وايران تأملان في اعادة ترتيب اللوحة بإعادة تحسين العلاقات بين سوريا وتركيا، التي كانت واحدة من اكبر مؤيدي المعارضة المناوئة للأسد. وأظهر توغل الاتراك في شمال سوريا في اغسطس/ آب لقتال الميليشيات الكردية ومتشددي الدولة الاسلامية ان انقرة ودمشق لهما اعداء مشتركون.
في الاسبوع الماضي التقى مسؤولو استخبارات اتراك وسوريون سرا في بغداد، وفقا لما ذكره مسؤول استخباراتي عراقي تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته لأنه ليس مسوحا له بنقاش الاجتماع.
وكتب الصحفي اللبناني محمد بلوط، الذي له علاقات وثيقة بدمشق في صحيفة السفير امس الجمعة ان بوتين يحاول ان يرتب اجتماعا بين الاسد والرئيس التركي رجب طب اردوغان. ونفى مسؤول حكومي تركي، تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته تماشيا مع القواعد الحكومية، ان يكون هناك وجود لمثل تلك الجهود.
وعبر دي مستورا يوم الخميس "عن احساس قوي بالغضب والاحباط" بسبب العنف الجديد والصراع المتزايد لتوجيه قوافل المعونة الى المناطق ذات الاولوية بالنسبة للأمم المتحدة.
وقال "كلما رأينا ذلك يحدث، كلما زادت عزيمتنا على عدم خذلان الشعب السوري. ولذا ارجو الا تفسروا أي من هذه الاحداث التي تعد فظيعة وحزينة على انها مؤشر على اننا نتخلى عن الشعب السوري وعن الحل".
وعندما اصبح دي مستورا الرجل الاول للام المتحدة بشأن سوريا في يوليو تموز 2014 لم يتوقع كثيرون ان يفعل المعجزات حيث فشل دبلوماسيون سابقون اخرون محنكون مثل كوفي عنان الامين العام السابق للأمم المتحدة ووزير الخارجية الجزائري الاخضر الابراهيمي.
وبدأ هذا العام مبشرا نوعا ما. في اواخر عام 2015، كانت القوى الدولية والاقليمية تدفع حكومة الاسد والمعارضة "المعتدلة" - مع استبعاد الجماعات المتطرفة مثل الدولة الاسلامية وجبهة النصرة التابعة للقاعدة - باتجاه الاتفاق على محادثات "غير مباشرة" في جنيف في ظل وساطة دي مستورا.
وصمدت الهدنة التي توسطت فيها الولايات المتحدة وروسيا لأسابيع، وبدأت المعونة الانسانية التي كانت غائبة في العام الماضي في التدفق.
غير ان كل تقدم باد انهار وتحول الى ركام.
وتعثرت المفاوضات بسبب مسألة مصير الاسد واستؤنف العنف في سوريا وعلق دي مستورا المحادثات في ابريل نيسان.
وكانت القاعدة الثالثة التي اعتراها الضعف هي الجبهة الانسانية. فبعد عام 2015 الذي ظللته التعاسة أتت الجهود التي قادتها الامم المتحدة بالمعونة - من الغذاء والمياه والمعدات والادوية - الى العشرات من المناطق "المحاصرة" و "التي يصعب الوصول اليها" خلال النصف الاول من العام الجاري.
ولكن كل قوافل المعونة انتهت في اواخر الصيف بسبب القتال الضروس. وأشار دي مستورا في منتصف اغسطس آب الى ان القوافل في الاسابيع السابقة لم تصل الا الى منطقة واحدة وهي الواعر في حمص في الوقت الذي تستمر فيه عمليات الاسقاط الجوي من قبل برنامج الغذاء التابع للأمم المتحدة في المناطق التي تسيطر عليها الحكومة في شرق دير الزور.
وقال هوكاييم ان دي مستورا يجب ان يستقيل "ليكون ذلك بمثابة حدث صادم ويترك كل شيء على المائدة".
واضاف "مالم يكن في الامكان حدوث شيء هام فيما يتعلق بوصول المعونات الانسانية حتى، من ثم يتعين ان نسأل سؤالا : ما جدوى هذه العملية؟".