تحليل: اتفاق وقف إطلاق النار يمنح روسيا اليد العليا في سوريا

الأحد، 11 سبتمبر 2016 11:49 ص
تحليل: اتفاق وقف إطلاق النار يمنح روسيا اليد العليا في سوريا
صورة موضوعية

الاتفاق الذي تم التوصل إليه يوم السبت لوقف إطلاق النار في سائر أنحاء سوريا يفتح الطريق أمام دخول المساعدات وتأسيس شراكة روسية- أمريكية ربما تكون أفضل أمل حتى الآن لإنهاء الحرب الأهلية المستعرة هناك منذ خمس سنوات. إلا أن الاتفاق ملئ بالثغرات وأوجه القصور، ويضع موسكو في وضع أفضل وأكثر قوة من واشنطن لتحديد ما إذا كان يمكن أن يكون هناك سلام دائم في البلاد أم لا.

ورغم أنهما أشارا إلى احتمالات الفشل إلا أن وزيري الخارجية الأمريكي جون كيري ونظيره الروسي سيرغي لافروف كانا متفائلين وهما يعلنان عن الاتفاق بعد جلسة مفاوضات ماراثونية في جنيف جاءت ختاما لعشرات المحادثات على انفراد على مدار الأشهر الماضية. ومدفوعين بالعنف الذي ساد مدينة حلب توصل الدبلوماسيان إلى اتفاق يقولان إنه يختلف عن محاولات سابقة لم يكتب لها النجاح لوقف إراقة الدماء.

إلا أن الاتفاق الجديد يبدو أنه يعاني من خلل في التوازن بدا أيضا في المحاولات السابقة، لأنه يقضي بأنه إذا قام مقاتلو المعارضة المدعومون من الولايات المتحدة أو غيرهم ممن يقاتلون الرئيس بشار الأسد بخرق وقف إطلاق النار فقد تهدد روسيا برد عسكري أو بالسماح للقوات السورية بالرد.

لكن في حال خرق الأسد وقف إطلاق النار لا تملك الولايات المتحدة عقابا واضحا للرد به. فمن غير المرجح أن تهاجم واشنطن قوات الأسد، بالنظر إلى معارضة الرئيس باراك أوباما لخوض حرب هناك، حتى بعد تخطي الأسد "الخط الأحمر" الشهير باستخدامه أسلحة كيماوية في 2013. والسماح للمعارضة بشن هجمات يعني فقط المخاطرة باستئناف قتال سيخسره بالتأكيد مقاتلو المعارضة أمام الأسد المدعوم من روسيا. ونتيجة لذلك يبدو أن الاستراتيجية الأمريكية تقوم أساسا - وتكاد تكون بالكامل - على حسن نوايا روسيا في سوريا.

إذ يمكن لموسكو أن تعاقب الأسد بسحب دعمها العسكري الذي حشدته تعزيزا لموقفه. إلا أنه إذا صمتت روسيا تجاه خروقات الحكومة السورية أو خرقت هي نفسها الاتفاق بتوجيه ضربات لمقاتلي المعارضة المدعومين من الولايات المتحدة فإن السبيل الوحيد أمام واشنطن ربما يكون التخلي عن وقف إطلاق النار المقرر أن يبدأ مع غروب شمس يوم الاثنين، وكذلك عن ترتيبات التعاون العسكري المفترض ان يبدأ بعد ذلك بأسبوع.

الشك في أن روسيا لن تلتزم بوعدها أثار شكوك البنتاغون في خطة كيري. كما أن استمرار تطبيق الاتفاق يمثل مشكلة أخرى محتملة، بالنظر إلى رفض المعارضة السورية لأي تسوية لا تتضمن رحيل الأسد.

وقال كيري إن هذا الإنجاز قد يؤدي إلى عملية انتقال سياسي غير محددة، ولم يشر إلى مغادرة الأسد للسلطة. بل أكد على أهمية وفاء حكومة الأسد "بالتزاماتها وبالتعاون معنا"، ما يشير إلى أن الرئيس السوري ربما يتحول موقفه من زعيم منعزل دوليا إلى شريك سلام محتمل. وعقب تصريح لافروف بأن الحكومة السورية تعهدت بالالتزام بوقف إطلاق النار علق كيري قائلا إن الأسد يجب أن يكون "مستعدا للوفاء والالتزام بتلك الاتفاقات، وهو أمر حيوي".

وبالنسبة لواشنطن يعد توقف القتال والقضاء على خطر تنظيم الدولة أكثر أهمية من أي مكاسب قد تراها في رحيل الأسد.

وقال كيري للصحفيين في وقت سابق اليوم السبت إن "المعاناة التي نشهدها في سوريا منذ ما يزيد على خمسة أعوام تجاوزت حقا اللاإنسانية ... لقد رأى الجميع صور نساء وأطفال يتعرضون للتعذيب وبراميل متفجرة وغاز".

ولضمان تعاون روسيا، أعربت الولايات المتحدة عن أملها في أن تصبح الشراكة العسكرية الجديدة كافية لكي تكون بمثابة "الجزرة" بالنسبة لموسكو. فمن ناحية تمنح هذه الشراكة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إمكانية "الخروج" من التدخل العسكري الذي بدأه في سبتمبر 2015، والذي بدونه قد تتبخر المكاسب التي حققتها الحكومة السورية.

وإذا ما حل الهدوء في سوريا بحيث يفضي إلى بقاء الأسد في السلطة، فسيحق لبوتين إعلان انتصاره، الأمر الذي سيتعين على الولايات المتحدة قبوله على مضض من أجل السلام.

بيد أن كثيرا من آليات وقف إطلاق النار لا تزال غامضة.

فعندما يبدأ وقف إطلاق النار يوم الاثنين، سيكون بإمكان طائرات القوات الجوية السورية الاستمرار في التحليق في مهام قتالة ضد تنظيم الدولة الإسلامية وجبهة النصرة، فرع تنظيم القاعدة في سوريا، لسبعة أيام أخرى. وهذا يمثل مشكلة لأن كثيرا من فصائل المعارضة التي تدعمها الولايات المتحدة متداخلة مع متطرفين على صلة بالقاعدة، وهي علاقات يتعين على واشنطن أن تقطعها.

كما أن أي غارة سورية تستهدف جبهة النصرة قد ينظر إليها بسهولة على أنها ضد "المعارضة المعتدلة"، ما يمثل ارتباكا أدى إلى تقويض هدنات سابقة.

وبعد مرور أسبوع من الالتزام بالهدنة سيتعين على قوات الأسد التقيد بقتال تنظيم الدولة الإسلامية فقط. ولكن حتى الأراضي التي يسيطر عليها التنظيم لا تعد مقتصرة عليه فقط. فمقاتلو التنظيم يعملون مع متطرفين آخرين يتقاسمون معهم الهدف الخاص بهزيمة الأسد.

وقال كيري إن قوات الأسد الجوية ستعمل فقط في "منطقة اتفقنا عليها بدقة شديدة".

ولكن لم يتم نشر الخريطة علنا، على الرغم من أن كيري قال إن هذه القيود هي "حجر الأساس لهذا الاتفاق".

من ناحية أخرى، يمثل تطبيق الاتفاق في حلب، التي كانت أكبر المدن السورية، صعوبة خاصة. فكثير من أرجاء حلب قيد الحصار، كما سيطرت قوات الأسد على نقاط عبور مهمة وعديدة في الأيام الأخيرة. ويتعين على الجانبين الانسحاب من طرق رئيسية ومناطق سكنية من أجل السماح بوصول المساعدات إلى المدنيين واستئناف النشاط التجاري.

وإلى جانب روسيا، يتلقى الأسد مساعدات عسكرية مهمة من إيران وحليفها حزب الله اللبناني.

وعلى الرغم من أن كيري ولافروف لم يشيرا إليهما، سيكون التزام إيران وحزب الله ضروريا أيضا. فطهران وحلفاؤها غالبا ما أفسدوا جهود السلام في الشرق الأوسط.

يهدد العملية برمتها انعدام ثقة بين الولايات المتحدة روسيا. فقبل أسبوع تحدث أوباما عن ذلك بعد اجتماع مع بوتين في الصين. كما أن لافروف استخدم عبارة انعدام الثقة اليوم السبت.

وفضلا عن ذلك، وجه لافروف انتقادا لاذعا لما وصفها بالعقوبات الأمريكية الجديدة "المتغطرسة" ضد روسيا على خلفية الأزمة الأوكرانية.

ومع ذلك، قال لافروف إن الروس "لا يمكن إغضابهم بسهولة" ويرغبون في تسوية الصراع السوري.

لكن التفاصيل التي طرحها لافروف لا تتوافق تماما مع تلك التي أوضحها كيري، وهي مشكلة يفاقمها عدم وجود وثيقة مكتوبة وعلنية ومتاحة للعامة.

فبينما ألقى المسؤولون الأمريكيون الضوء على المرحلة الأولى المبدئية للهدنة التي تستمر أسبوعا، قال لافروف إنها تبدأ بيومين وتتطلب تمديدا لثمان وأربعين ساعة.

وقال لافروف إن الترتيبات الأمريكية - الروسية التي تدخل حيز التنفيذ بعد أسبوع تتيح للقوات الجوية السورية "العمل في مناطق أخرى خارج تلك المحددة من أجل التعاون العسكري الروسي - الأمريكي". إلا أنه لم يوضح تلك المناطق.

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق