دراسة بريطانية: الشركات الصغيرة بأفريقيا عامل أساسى لخلق الوظائف

الأربعاء، 14 سبتمبر 2016 09:45 ص
دراسة بريطانية: الشركات الصغيرة بأفريقيا عامل أساسى لخلق الوظائف

أعد الباحث فرانسيس تيل من جامعة أوكسفورد البريطانية دراسة اقتصادية مقارنة تتناول الأهمية النسبية للشركات الصغرى مقابل الكبرى ومدى حيويتها وأهميتها وإسهامها في الاقتصاد الوطني.

وتقول الدراسة إن غالبية الدول النامية بات لديها برامج وسياسات تعمل على تشجيع إنشاء الشركات الصغيرة والمتوسطة SMs وذلك لأسباب جلية تقول إن الشركات الصغرى تبدو مهمة إذ أنها تخلق المزيد من الوظائف بتكلفة رأسمالية قليلة نسبياً في وقت تشعر فيه الدول الأفريقية، ولاسيما في جنوب الصحراء، باحتياجها الشديد لتوفير فرص عمل تلبي الطلب المتزايد عليها نظرا للتنامي المتصاعد لأعداد الشباب بين تعدادها السكاني. وعلى العكس من ذلك فإن الأوساط الاقتصادية والسياسية تتجاهل الشركات الكبرى، على الرغم من مجرد كونها كبيرة الحجم تعكس مدى نجاحها مادامت قادرة على الاستمرار والإنتاج... ولاشك أن هذا الأمر ينطبق على غانا أيضاً ولا يمكن استثناؤها.

لكن للتعرف على مدى الأهمية النسبية للشركات الصغرى والكبرى بصورة مقارنة، على صعيدي الاقتصاد وتطوير السياسات، فإنه من المهم الحصول على بيانات مفصلة وإجراء دراسة مسحية مقارنة تمكننا من مقارنة الشركات الصغرى والكبرى في أفريقيا. وعلاوة على ذلك كان يتعين علينا إتمام ذلك العمل بمسح إحصائي لسنوات طويلة ليجعلنا قادرين على قياس مستوى الشركات جميعها بحيث لا يقتصر الأمر على الشركات محل الدراسة فحسب.

وقد مكنت دولة غانا الباحث فرانسيس على تكوين تصوره في هذه الدراسة، فقد أعد مكتب الإحصاءات الوطني الغاني دراسة مسحية متاحة أصبح الباحث من خلالها قادرا علي معرفة كيفية عمل الشركات ذات الأحجام المختلفة ومدى إسهامها في القطاع الصناعي، وكيف كان أداؤها خلال الفترة بين عامي 1987 و2003. وكانت النتائج ملفتة للنظر، حسبما رأي باحث أوكسفورد.

فالشركات الصغرى، التي توظف أعداداً تقل عن عشرة أفراد، تصاعدت أهميتها بصورة صاروخية بالنسبة للاقتصاد في الفترة من 1987 و2003، وفي المقابل تزايدت أعداد الشركات الكبرى، التي توظف أكثر من 100 شخص، على نحو معتدل للغاية.

لكن تلك الأخيرة شركات كبيرة بما فيه الكفاية وليست صغيرة، وقادرة على توليد قيم مضافة في القطاع التصنيعي. ويعني وجود عدد قليل جداً من الشركات الكبرى أن النمو محدود.

و حسب الدراسة فإن هذا يقودنا إلى أن الحكومات تميل بصورة كبيرة إلى تبني سياسات تعمل على تشجيع إنشاء الشركات الصغرى، والسبب في ذلك يعود إلى أنها توفر المزيد من فرص العمل. لكن سياسات تشجيع إقامة الشركات الكبرى سيحقق نتائج أكبر مادام أن عدد الوظائف التي ستوفرها ستكون أكثر إنتاجية، كما أنها تمثل زيادة في أعداد الشركات ذات الإنتاجية العالية وهو أمر حيوي لزيادة الدخول الناتجة عن وظائف ذات مردود ورواتب أفضل. ولتحقيق نمو سريع في دخول الأفراد، فإنه يتعين خلق المزيد والمزيد من الوظائف في الشركات الكبرى.

واستنادا إلى بيانات حديثة وأخرى قديمة حصل عليها الباحث في جامعة أوكسفورد، من مكتب الإحصاءات الغاني، توصل إلى تلك النتائج التي ساعدته على إعداد ورقة عمل حول الأهمية النسبية للشركات الصغرى مقارنة بمثيلتها الكبرى بالنسبة للاقتصاد الوطني وإنتاجيته.

وقد دمج الباحث بيانات إحصائية مختلفة عن القطاع التصنيعي في غانا من خلال مسحين إحصائيين أجريا في عامي 1987 و2003، بالإضافة إلى بيانات أخرى عن إحصاء عام 1962، وتمكن من خلال استعراضها جميعا من رسم صورة كاملة عن كيفية عمل قطاع التصنيع الغاني بعد سنوات قليلة من الاستقلال في 1957 وصولاً إلى عام 2003. وهي الفترة الزمنية التي شهد فيها اقتصاد البلاد انهيارا في دخله، وهو ما أعقبه تعافياً مستداماً طرأ في منتصف الثمانينيات من القرن الماضي. لذا فإن الصورة المقارنة للاحصاءات التي تم استعراضها مكنت الباحث من التعرف على ما حدث للشركات عبر فترات من التغيرات الدرامية الحادة.

وفق إحصاء 1962، بلغ إجمالي المشروعات 95 ألفاً و158 مشروعاً في القطاع التصنيعي، وفي إحصاء 1987 بلغ عددها 7 آلاف و737 مشروعاً، وفي 2003 وصل إلى 25 ألفاً و865 مشروعاً... إذن ما الذي توحي به تلك التغيرات الحادة والدرامية؟ يتلخص الجواب في جزءين أولهما التغطية الجغرافية للإحصاءات، وثانيهما، كيف يتم تعريف المشروعات أو الشركات. كلا الجانبين يعكس مدى فهمنا لما حدث بالنسبة لحجم الشركات والنمو خلال تلك الفترة في أعقاب استقلال البلاد في غانا.

ففي المسحين الإحصائيين اللذين أجريا في عامي 1987 و2003، تبين أنهما قاما بتغطية المناطق الحضرية فحسب، وقد استبعدا من حسابهما المشروعات التي يديرها الملاك مع الاستعانة بعدد من الموظفين. ولأن الباحث تمكن من الحصول على معلومات إحصائية سكانية بشأن تلك المشروعات، فقد تمكن من التعرف على أعداد العاملين في تلك المشروعات وإضافتها إلى الأعداد التي وردت في الإحصائين السابقين حتى يمكن من رسم صورة لكيفية تطور الشركات استناداً إلى أساس قوي وبيانات متماسكة.

وتبين أيضا أن بين أعداد المشروعات (95 ألفاً و158 مشروعاً) التي وردت في إحصاء 1962، كان هناك 72 ألفاً و348 مشروعاً يقع في مناطق نائية. واستطاع الباحث من خلال الدمج بين البيانات التي حصل عليها من التعداد السكاني وإحصاء الشركات في القطاع التصنيعي، تزويدنا بتوضيح شامل لكيفية تطور الشركات في غانا الحضرية، استنادا إلى التعريف الواسع لمفهوم الشركة الذي تضمن المشروعات التي يديرها ملاكها مع الاستعانة بموظفين آخرين.

وكشفت الإحصاءات عن أن عدد الشركات الكبرى (التي يعمل بها أكثر من 99 عاملاً) كان صغيراً للغاية مسجلاً 110 شركات في عام 1962، و189 شركة في عام 1987، وارتفع هذا الرقم ليصل إلى 255 شركة في عام 2003، وهو ما يقل عن 5ر0 في المائة من العدد الإجمالي للشركات في غانا.

وقد طرأت التغيرات الدراماتيكية على أعداد الشركات في غانا بين عامي 1987 و2003، وتركز النمو في قطاع الشركات الصغرى، وقفز العدد بنحو ثلاثة أضعاف من 20 ألف شركة ليصل إلى 80 ألفاً تقريباً.

وللتعرف على نوعية الشركات التي طرأ عليها نمو، كان لزاما على الباحث أن يميز بين نوعين من المشروعات أولها التي تدار عبر مالكها، والأخرى التي وردت في الإحصاء التصنيعي، وقد تبين أن الشركات التي يديرها مالكوها كانت تتمتع بالأهمية الأكبر إذ إنها شكلت نحو 70 في المائة من مجمل الشركات الصغيرة في إحصائي 1987 و2003 مع حدوث ارتفاع طفيف بين الإحصاءين لمصلحة المشروعات الذاتية. وتشير معدلات النمو أن كلا النوعين من الشركات تمكن من تحقيق مستويات نمو شاملة بلغت قرابة 7 في المائة سنويا على مدار الفترة من 1987 إلى 2003.

ويتوقف الباحث في جامعة أوكسفورد عند مغزى تفجر معدلات النمو في أعداد الشركات الصغرى خلال الفترة التي أعقبت عام 1987، مؤكداً أن التغيرات الواضحة التي تميز تلك الفترة عن سابقتها كانت التغيير الذي حدث في نظام تداول النقد الأجنبي الذي أزاح القيود التي كبلت شراء العملة المحلية "السيدز" والنمو السريع الذي حققه اقتصاد غانا آنذاك. ورغم أن التقديرات الأخيرة لنمو الناتج المحلي الإجمالي تشير إلى أن نصيب الفرد من الناتج المحلي في غانا تراجع بنسبة 6ر1 في المائة سنويا بين الفترة من 1973 إلى 1990، وارتفع بنسبة 4ر2 في المائة بين عامي 1990 و2008، فإن ذلك عكس تحسناً شاملاً نسبته 4 في المائة سنوياً لمعدلات نمو الاقتصاد الغاني.

وقد أشارت نتائج مقارنات الباحث بقوة إلى أن التحسن في المؤشرات الكلية لأداء الاقتصاد الغاني مكنت الشركات الصغرى من التوسع والازدياد في أعدادها بصورة متصاعدة، غير أن الشركات الكبرى سجلت نموا متواضعاً للغاية في أعدادها.. وكانت تلك النتائج مفاجئة ومهمة.

وبحسب الدراسة فقد تركزت معظم النقاشات الأفريقية التي تدور في دهاليز صناعة القرار السياسي والاقتصادي على طبيعة المعوقات والإشكالات التي تواجه الشركات الصغرى في الدول النامية، وتأتي غانا مثالاً لذلك. غير أن المحصلة التي تم التوصل إليها من الإحصاءات تبرز أن الشركات الصغرى أبلت بلاءً حسناً واستطاعت الخروج إلى النور، أما المعاناة فكانت من نصيب الشركات الكبرى التي واجهت معوقات حالت دون زيادة أعدادها.

تطرح دراسة أوكسفورد تساؤلاً حول ما الذي يهمنا من نوع الشركات التي تحقق نمواً في أعدادها ونشاطها ما دامت كلها تخلق فرصاً للعمل أمام السكان في الدولة؟ وهنا يتصدى الباحث للإجابة بصورة قاطعة مؤكدا أن حجم الشركات يعطي دلالة مهمة ومؤثرة، إذ إن هناك اختلافاً كبيرا بين الشركات الصغرى والكبرى في مدى إسهامها في الاقتصاد وإنتاجيتها، وهو ما يحدد قدر "القيمة المضافة" التي ينتجها العامل في أي منهما.

ولتبيان أهمية تلك الاختلافات، حسبما يقول الباحث، يكفينا معرفة أن الشركات الكبرى ذات الأعداد الضئيلة للغاية بحيث لم تتجاوز أعدادها في عام 2003، نسبة 5ر0 في المائة من إجمالي الشركات في غانا، ساهمت في إنتاج 56 في المائة من القيمة المضافة للاقتصاد الغاني.

ويشير إلى أن هناك مؤشراً آخر يعطينا دلالة على أهمية الشركات الكبرى مقارنة بالصغرى، إذ إن أكبر 1 في المائة من الشركات الغانية أنتجت 63 في المائة من القيمة المضافة. لكن كيف تفسر تلك النتائج؟... يتلخص رد الباحث في أن الشركات الكبرى لديها إنتاجية أكبر من مثيلاتها الصغرى، وتلك الإنتاجية حققت تزايداً متسارعاً عبر الفترة من 1987 إلى 2003. وبينما بلغت إنتاجية الشركات الكبرى في عام 1987 نحو ضعف إنتاجية الشركات الصغرى، فقد قفزت إنتاجية الشركات الكبرى في عام 2003 إلى ما يقرب من 10 أمثال مثيلاتها الصغرى.

ولعل تلك الأرقام الأخيرة تعكس، حسبما يؤكد الباحث فرانسيس من جامعة أوكسفورد، الذي حصل على دعم مالي لإتمام دراسته من وزارة التعاون الدولي البريطانية، حقيقة أن الشركات الصغرى طرأت عليها ثورة كبرى من حيث أعدادها، بيد أنها ظلت ضئيلة القيمة إذا ما قورنت من زاوية إسهامها في الإنتاجية بالنسبة للاقتصاد ككل.

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق