الفساد إرهاب
الأربعاء، 11 نوفمبر 2015 09:16 ص
في مدينة "دافوس" السويسرية، سنة بعد سنة، تجري المحادثات بين الوفود الدولية حول الانماء الاقتصادي المتوازي، ثم تصدر عن هذه اللقاءات توصيات جديدة للمصلحة العامة.
وخلال هذه المناظرات شدّدت الاحاديث على عامل ثابت على مدى الاعوام دون سواه ألا وهو "الفساد العظيم mega - corruption"، والذى يعد العدو الأول للإنماء الاقتصادي، فالفساد الكلي المستشري هو المولد للافقار العام.
في الماضي، تكلّم كبار الفلاسفة وزعماء روحيون عن الفقر: فالإمام علي بن ابي طالب - رضي الله عنه - قال: «لو كان الفقر رجلاً لقتلته»، أما الزعيم الهندي التاريخي «المهاتما غاندي» وبعد 14 قرناً صرّح: «الفقر هو أسوأ اشـكال العـنف»،
هذا وقد بيّنت تحقيقات ميدانية أُجريت حول المتطوعين للإرهاب في أزمنة السّلم، أن هذه الآفة تتواجد في المناطق الفقيرة من العالم، حيث تتزايد البطالة.
نعم، مما لا شك فيه أن الفقر يُغذّي الارهاب، فكل يوم ترينا وسائل الاعلام مآسي المهاجرين بحراً، حيث يموت الاطفال والرجال والنساء، وهم ركبوا هذه المغامرة هرباً من الأماكن الفقيرة وغير المستقرة.
في زمن الحرب والسلم، يعتبر الفقر هو السبب الرئيسي لهذه المآسي، أما مَنبع الفقر هذا فهو «الفساد».
كيف لنا أن نحارب الإرهاب دون أن نكافح الفساد؟ فالآفتان توديان الى النتائج المأساوية ذاتها ولو اختلفت الوسائل بينها.
من الممكن أن تكون مكافحة الفساد وبشكل أشمل «الفساد الأكبر» Mega - corruption أصعب من مقاتلة الإرهاب، ذلك لأن «الأعداء» - في هذه الحالة - هم من بين الزعماء السياسيين النافذين وفي أعلى مراتب الدولة، وفي الوقت ذاته تقتضي المهمة مساندة هؤلاء.
هل تبدو هذه المهمة معقولة الإنجاز؟
على الاقل يبدو لنا أنه من الممكن أن تنحصر سلبيات الفساد إلى حد واسع ونتمكن في النهاية من احتوائها.
كيف؟ الجواب هو تنظيمي إداري - سياسي.
فقد تبين أن اعتماد اللامركزية والخصخصة دون احتكار قد خففا من استشراء الفساد وأمنا الإنماء الاقتصادي.
ولكن علينا اعتماد «الخصخصة» دون اقرانها «بالكارتيلات» Cartelization» بالتأكيد، ذلك أن تزاوج الاثنتين يؤسس للفساد.
هذا ومن ناحية آخرى، فإن المضاربة الحرة بين الشركات ذات الأحجام المتوسطة هي طريقة فضلى لتفادي الفساد، فالشركات متوسطة الحجم تسمح بالشفافية خلال العمليات، وهذا ما يخول اتخاذ قرارات مالية فضلى.
أما الشركات الكبرى فهي بدورها قادرة على منع التلاعب عندما تتيح الخصخصة المجال لبعض من الفساد بسبب الغموض وعدم القدرة على مراقبة العمليات اليومية... بالمحصلة اذا لم نُشرّع في موضوع اللامركزية والخصخصة فذلك يعني اننا نستمر في حالة «الفساد الكلي» Mega-corruption، هذا الوباء الذي بليت به بلادنا، وذلك بطريقة عنيفة من خلال تغذية الفقر، فنحن متأخرون عقوداً عن سوانا في مجالات التشريع والتطوير الإداري، كما وفي مجالات التوظيفات المالية التي تولد الوظائف في جميع المجالات وكافة المناطق اللبنانية كما وفي القطاعات المهمّشة والمهملة.
والآن، حيث يجتمع المسؤولون لتحديد الجانبية الفُضلى للمرشح الرئاسي، فلندرج وبكل تواضع على رأس قائمة المطالب «القدرة على مقاومة الفساد»، «ومحاربة الفساد الاكبر mega - corruption».
فلا عدو أسوأ لبلادنا كآفة الفساد.