إخوان المغرب.. انقطاع «حبل سري» التواصل مع التنظيم الأم في مصر منحهم فرصة البقاء وأتاح لذراعهم السياسي العمل في النور
الأربعاء، 26 أكتوبر 2016 08:17 م
سُئِل ذات يوم رئيس الوزراء المغربي، ورئيس حزب العدالة والتنمية، ذات المرجعية الإسلامية، عبد الإله بنكيران، عن علاقة حزبه بالتنظيم الدولي للإخوان، فردّ قائلًا: «ليس عندي مشكلة مع الإخوان.. ولكن لسنا إخوان ولا علاقة لنا بهم، ولنا تجربتنا الخاصة بنا»، وبلهجة حادة أضاف: «ألا يوجد أحد يمكن أن يصدق أن لا علاقة لنا بالإخوان؟».
ويشير الانفعال الأخير الذي أخذ على «بنكيران»، خلال حوار له مع إحدى الفضائيات قبيل الانتخابات البرلمانية المغربية التي أجريت في السابع من أكتوبر الجاري، إلى ثمة صفة تلتصق بحزبه للدرجة التي لا تنفيها خطاباته المتكررة حول عدم وجود صلة بينه وبين التنظيم الدولي للإخوان، تحديدًا إخوان مصر.
ويُلاحظ على إخوان المغرب أنهم اعتادوا نفي هذه العلاقة، لكن تشددهم في هذا النفي لم يظهر إلا عندما أطيح بالإخوان في مصر، في 30 يونيو من عام 2013، الأمر الذي هدّد مصير كل تجارب الإسلام السياسي في المنطقة ونظر إلى تجاربهم بتوجس.
ويعتمد «بنكيران» في منطقه، على ما يعتبره تجربة خاصة للإسلاميين في المغرب العربي، مشيرًا إلى أنهم أخذوا تجربة المشرقيين -في إشارة إلى الإخوان المسلمين-، وأجروا عليها مراجعات تتفق والهوية المغاربية، ويتجاهل في ذلك كتب صدرت عن المكتبة الإخوانية تُقر بعكس ما يردده، ومنها كتاب يحمل عنوان «علماء أعلام عرفتهم دول المغرب العربي»، لذلك لا يمكن أن ننظر إلى حزب «العدالة والتنمية» وكأنه كيان منفصل عن الإخوان، إذ يربط الطرفين فكر ومواقف ومراسلات تمكننا من الإقرار بكون «العدالة والتنمية فرع للتنظيم الإخواني».
«مرحلة الاستقطاب»
إذا قلنا إن علاقة الإخوان مرّت بمراحل فيعتبر الاستقطاب أولها، إذ رأى حسن البنا، مؤسس الإخوان، الوقت مناسب لاستحداث جناح لجماعته الجديدة في المغرب العربي، عقب تأسيس الإخوان بعشر سنوات، وتواصل «البنا» مع من كانوا يحملون الفكر الديني في المشهد المغربي، ممهدًا الطريق لأفكاره التي كانت تتوافق إلى حد كبير مع إسلاميي المغرب، آنذاك، وانتهى به الأمر إلى تدشين شعبتين في المملكة المغربية، أحدهما أخذت من مدينة فاس مقرًا لها، والثانية في طنجة ومندوبها أحمد بن الصديق، وفي 1937 انكمشت الحركة الإخوانية في المغرب بعد القبض على أحد رموزها محمد بن علال الفاسي، ونفيه خارج البلاد.
ويقول «البنا» مشيدًا بـ«الفاسي»، في مقال له، «وفى المغرب الأقصى جهاد وعمل مشكور وإن صحبه الإعنات والإرهاق، وإن من معتقلي زعماء شباب المغرب من لا يعرف أهله عنه شيئا منذ عدة شهور، ومن هؤلاء محمد علال الفاسى وإخوانه في الجهاد، وذلك كله يبشر بخير كثير، فإن اليقظة أول التحرر والخلاص، وفي هذا الوقت تقضي السياسة الإيطالية على ما بقى من معالم الإسلام والعروبة في أرض عقبة بن نافع والسنوسي وعمر المختار».
ويتابع «البنا» في موقع أخر، بعنوان «أيها المجاهدون في المشرق والمغرب»: لا تيأسوا فإن فجر النصر قريب وأما المغرب فقد تمشت الحمية فى نفوس شبابه، وثارت الحماسة في رؤوس رجاله، فجمعوا كلمتهم، ورفعوا صوتهم، وطالبوا المستعمرين بحقهم المسلوب ووطنهم المغصوب، تارة بالقول والبيان، وأخرى بالسيف والسنان في ثورات متلاصقة ونهضات متتابعة، وكان المستعمر في جميعها لا يتغير، يدفع العدل الصادق بالقوة الغاشمة، ويقابل إيمان المجاهدين بقسوة الظالمين، فيشرد الشباب، ويعذب العاملين، ويقذف بهم في أعماق السجون وفي أطراف البلاد، وكثير من زعماء المغرب مضى عليهم العام والعامان وأكثر من ذلك، وهو حبيس سجن أو قعيد منفى وما هدأت الثورة ولا وقف الجهاد ﴿وَيَأْبَى اللهُ إِلاَّ أَن يُّتِمَّ نُورَهُ﴾.
وفيما يخص موقف «البنا» من الاحتلال، فقد راسل باسم الإخوان الممثل الأسباني في القاهرة، واصفًا سياسات حكومته في المغرب بـ«الظالمة»، فيما استقبل السياسيين المغاربة القادمين إلى مصر، باعثًا لهم برسالة مفاداها: «باسم الإخوان المسلمين خاصة والشعب المصري الكريم عامة أرفع إليكم أجمل التحيات وأطيب التمنيات وأخلص معاني التقدير والإجلال، ونسأل الله أن يمن على الوطن الإسلامي الكبير بالحرية والاستقلال».
«مرحلة التكوين»
بالتزامن مع تدشين شعبتين للإخوان بالمغرب العربي، كان هناك سعي إخواني لتكوين ما يسميه التنظيم بـ«لبنات إخوانية من أهل إفريقيا الشمالية»، والمقصود بهم معبرين عن الجماعة، ووقع الاختيار آنذاك على محمد أحمد الجباري عضو البعثة المغربية الأزهرية، وكتبت عنه مجلة الإخوان قائلة: «عاد إلى وطنه مراكش الأستاذ الأخ محمد أحمد الجباري عضو البعثة المغربية الأزهرية، وسيكون بين آله وعشيرته رسول خير وهداية للدعوة الإسلامية الناهضة، ولمبادئ الإخوان المسلمين فنتمنى له التوفيق».
وبعد هذه المرحلة ننتقل إلى فترة الستينيات والتي برز فيها اسم الدكتور عبد الكريم الخطيب، الذي يسميه الإخوان مؤسس حركة العدالة والتنمية، ويرجع تاريخ الحركة إلى 1967 وكان وقتها الخطيب رئيس البرلمان المغربي.
وأخذت الحركة التبلور في اتجاه الحزب، سنة 1992، عندما تعذر على حركة الإصلاح والتجديد «الجماعة الإسلامية سابقا» تأسيس حزب التجديد الوطني، فاتصلت قيادة الحركة بعبد الكريم الخطيب عارضة عليه إعادة إحياء الحزب، فوافق الخطيب بشروط هي:الإسلام والاعتراف بالملكية الدستورية ونبذ العنف.
ومنذ 1996 بدأ التعامل مع الحزب ككيان إسلامي، إذ عقد الحزب مؤتمر استثنائي لتمكين القيادات الإسلامية من العضوية في أمانته العامة، واستمر «العدالة والتنمية» في سياساته في ظل المشهد المغربي، مستلهمًا من تجربة العدالة والتنمية التركي أفكارها وحتى الاسم.
«العدالة والتنمية والانتخابات»
عقب التعديل الدستوري الأخير الذي أجرته المملكة المغربية ضمن ما يعرف بـ«ثورات الربيع العربي»، أجرت المملكة انتخابات برلمانية تمكن فيها حزب الإخوان من الفوز بأغلبية مكنته من رئاسة الحكومة.
وفي 29 نوفمبر 2011، عيّن الملك محمد السادس عبد الاله بنكيران رئيسًا للحكومة عن حزب العدالة والتنمية، الذي احتل المرتبة الأولى في انتخابات 25 نوفمبر 2011 وكلفه بتشكيل الحكومة، وظهرت الحكومة بتحالف ضم أربعة أحزاب: حزب العدالة والتنمية، حزب الاستقلال – الذي انسحب فيما بعد وحل محله التجمع الوطني للأحرار- حزب الحركة الشعبية، وحزب التقدم والاشتراكية.
وفي يوليو 2013، انسحب حزب الاستقلال من الحكومة، وطلب من وزرائه تقديم استقالتهم إلى رئيس الحكومة المغربية، وقدّم خمس وزراء استقالتهم فيماعدا وزير واحد، وفي 10 أكتوبر 2013، عين الملك محمد السادس الوزراء الجدد من النسخة الثانية من الحكومة، بقيادة عبد الإله بنكيران، الذين ينتمون إلى الحزب الجديد المنظم للحكومة.
واستمر السجال بين الأحزاب إلى أن تمت الانتخابات البرلمانية بداية أكتوبر الجاري، والتي فاز فيها مجددًا «العدالة والتنمية»، لكن بنسبة 125 مقعدًا من أصل 395 مقعد، ولا تضمن هذه المقاعد للحزب الإخواني الانفراد بتجديد الحكومة، وتفرض عليه التحالف مع غريمه حزب «الأصالة والمعاصرة» الذي حصد 102 مقعد، أو مع أحزاب أصغر تقلل من مكاسبه التي حققها في الجولة الانتخابية.