نبيل شعث يكتب صفحة جديدة في «ثقافة المقاومة»

الأربعاء، 02 نوفمبر 2016 08:38 ص
نبيل شعث يكتب صفحة جديدة في «ثقافة المقاومة»

هل كان يتوق لانعتاق الروح من الحصار وينطلق من الجرح للحرية؟! ما الذى يعنيه بالضبط المقاوم وماذا تعني السيرة الذاتية للمقاوم او مذكراته مثل مذكرات المناضل الفلسطيني نبيل شعث التي صدرت مؤخرا بعنوان:"حياتي.. من النكبة الى الثورة"؟ أى مسيرة تجمع بين نبيل شعث وجيفارا ومحمود درويش وفرانك ثومبسون؟! إنها ثقافة المقاومة وفى القلب منها قضية الحرية.

يصنع المقاوم وعودا بهية على الأرض الجريحة ويصنع اسطورته ويمضى ويتحول إلى ملحمة مدهشة فى انتظار العودة وعالم لا يهزم فيه الواقع القبيح الحلم البرىء.. عالم من الألوان المبهجة والايقاعات الفرحة رغم كل الآلام والانكسارات ومحنة النكبة والطرد القسري من الوطن كما يرويها نبيل شعث في كتابه الذي يغطي نصف قرن من "النكبة الى الثورة".

وهكذا ليس من الغريب أن يكون نبيل شعث فنان وموسيقي يجيد العزف والغناء وهاوي الرياضة وكرة القدم جنبا الى جنب مع كونه الباحث المدقق في علوم الادارة والتخطيط والمقاوم المدافع بصلابة عن حقوق شعبه الفلسطيني.

ونبيل شعث الذي يشغل حاليا منصب مفوض العلاقات الدولية في حركة فتح يتحدث في هذا الكتاب عن علاقته الوثيقة بالزعيم الفلسطيني الراحل ياسر عرفات والتي أثارت "غيرة" زملاء ورفاق له في حركة فتح على حد قوله.

واذا كانت "الكرامة" تشكل معنى وقيمة للمناضل فمعركة "الكرامة" التي وقعت في الحادي والعشرين من مارس عام 1968 على الضفة الشرقية لنهر الأردن بين المقاومة الفلسطينية مدعومة بقوات من الجيش الأردني وبين القوات الاسرائيلية كانت نقطة انطلاق الدكتور نبيل شعث "للعودة الكاملة للنضال داخل الاطار الفلسطيني وفي صفوف حركة فتح" التي كان قد انتمى لها وهو في الولايات المتحدة عام 1961 وها هو يقرر تفعيل عضويته بتلك الحركة مجددا التزامه بالنضال تحت رايتها المقاومة حتى تتحرر فلسطين.

واللافت أن نبيل شعث الذي نشط في ترجمة بيانات حركة فتح من العربية للانجليزية كان يعبر عن مفاهيم "المقاومة الثقافية في عالم يموج بالمتغيرات" عندما قال لزملائه في الحركة :"إذا أردنا خطابا مقنعا للعالم فنحن نحتاج للفكرة والرؤية ولما يمكن لنا أن نتبناه ونقنع شعبنا بقبوله وليس للرد الديماجوجي الذي لا نؤمن بعدالته أو إمكانية تطبيقه".

ويعود شعث في هذا السياق لفترة عمله كباحث في فيلادلفيا حيث أجرى حوارات طويلة وعميقة مع أساتذة وباحثين أمريكيين بعضهم ينتمون للديانة اليهودية وكانت "الفكرة تدور حول العيش المشترك في دولة واحدة ديمقراطية تنبذ العنصرية والاحتلال والطرد القسري وتنهي الاحتلال والهيمنة".

ونبيل شعث الذي ولد في التاسع من أغسطس عام 1938 كان أحد المستهدفين من حملة الاغتيالات الاسرائيلية التي يقول في كتابه إن جولدا مائير رئيسة حكومة إسرائيل قادتها بنفسها في عامي 1972 و1973 فيما يصف يوم عودته لأرض الوطن الفلسطيني في التاسع عشر من مايو عام 1994 بأنه "يوم من أجمل أيام العمر تجسدت فيه رومانسية العودة التي بقيت في قلبي وفكري منذ غادرنا يافا إلى مصر عام 1947 وعليها ربيت أولادي".

ولعل نبيل شعث ابن مدينة صفد الفلسطينية العريقة قد جسد معنى العلاقات البالغة الخصوصية بين المصريين والفلسطينيين و"معنى مصر العربية الكبيرة والنبيلة" عندما تناول في العديد من صفحات حياته طرفا من علاقته بمصر والمصريين وهو الذي يصف الأسكندرية "بالحبيبة" بل إن والديه كانا قد عاشا "شهر العسل" بعد زواجهما في ربوع مصر ما بين القاهرة والأسكندرية.

والأسكندرية كانت ملاعب الصبا وموئل العلم بمدارسها التي استقبلت الصبي الفلسطيني نبيل شعث ليشب فيها عن الطوق ويدرس في كلية التجارة بجامعتها فيما عاد مجددا "لأم الدنيا" في منتصف ستينيات القرن العشرين بعد أن أنجز دراساته العليا في الولايات المتحدة وها هو يرسم مشاهد دالة للحياة المصرية في هاتيك الأيام الحافلة بالأحداث الجسام مع ارتفاع منسوب المد القومي العربي حتى وقعت الواقعة في حرب الخامس من يونيو عام 1967.

بكى نبيل شعث يوم أن أعلن الزعيم الراحل جمال عبد الناصر تنحيه عن منصبه جراء النكسة في حرب يونيو فيما قاد مسيرة "للاتحاد الاشتراكي" وطلب السفر إلى الجبهة للقتال والملايين من المصريين يعلنون في الشوارع رفضهم للهزيمة وتنحي عبد الناصر مؤكدين عزمهم على الصمود والقتال من جديد لتحرير الأرض المحتلة.

وفي هذا الكتاب الصادر عن "دار الشروق" والذي يتوزع على 14 فصلا، فضلا عن ملحق للصور يروي نبيل شعث تفاصيل عمله كباحث في المعهد القومي للادارة العليا بالقاهرة والمهام التي طلبها الرئيس الراحل جمال عبد الناصر من أعضاء المعهد لدراسة أسباب النكسة وكيفية التحول عمليا إلى النصر مستعيدا أيضا الفترة التي قضاها في هذا المعهد المصري العريق بقيادة الدكتور فؤاد شريف "الذي كان يعامله كإبنه ويعلمه ويصر على سماع رأيه في كل ما يعمل".

والواضح من صفحات حياة نبيل شعث في هذا الكتاب انه يولي اهمية فائقة للبعد الثقافي والمعرفي ويؤمن بأهمية التخطيط وهاهو على سبيل المثال يشير إلى تخصيص فريق في "مركز التخطيط الفلسطيني لمتابعة التطورات والتغيرات الهيكلية اللبنانية" أثناء حقبة الحرب الأهلية في لبنان من منظور الأهمية الاستراتيجية البالغة لتلك التطورات والتغيرات بالنسبة للقضية الفلسطينية فيما يوضح أنه كان يستند لدراسات هذا الفريق البحثي في مركز التخطيط الفلسطيني للعمل بكل جهد "حتى لا تنزلق الثورة الفلسطينية إلى حرب طائفية لبنانية كانت تنذر بدمار لبنان وقواعد الثورة الفلسطينية معا".

كان الدكتور نبيل شعث المتخصص في التدريب والاستشارات الإدارية يعمل حينئذ في الجامعة الأمريكية ببيروت ويعتمد على راتبه منها لتغطية نفقاته فيما رفض طلب اي راتب من حركة فتح لاصراره على موقفه المبدئي بالعمل داخل هذه الحركة المقاومة كمتطوع.

ويوميء شعث في مذكراته لآفة الانشقاقات والمزايدات السياسية لبعض الفصائل المنسوبة لليسار حتى في حركات المقاومة ويقول إنه تعرض لكثير من الآلام جراء مواقف "فريق اليسار السوفييتي الحليف لسوريا إبان فترة الحرب الأهلية اللبنانية وهو الفريق الذي انشق عن حركة فتح في عام 1983 فيما كان يهاجمه لإصراره على الالتزام "بالقرار الفلسطيني المستقل" كما يهاجم موقف مركز التخطيط الفلسطيني الرافض للحرب الأهلية في لبنان.

واسرائيل بدورها كانت تستهدف "مركز التخطيط الفلسطيني" في بيروت بالسيارات الملغومة وسط الرعب المزروع في كل مكان بالعاصمة اللبنانية إبان الحرب الأهلية لتصبح الحياة فيها لا تطاق كما يقول نبيل شعث اللبناني من جهة الأم والذي أحب هذه المدينة من قبل "من كل قلبه" وكانت "نسائمها تملأ قلبه ورئته بالحياة والسعادة".

وعندما ضاقت الحياة بما رحبت في بيروت وتصاعدت الخلافات داخل حركة فتح لم يكن أمام نبيل شعث سوى العودة مع زوجته لمصر حيث "الأم والأبناء والأخت والأهل" ولكل ما تعنيه مصر بالنسبة له كما يقول في هذا الكتاب الذي يعد إضافة هامة لذاكرة المقاومة.

وذاكرة المقاومة قضية ثقافية فى المقام الأول ولها علاقتها الوثيقة بالكتاب وبقية الوسائط المعرفية ومن هنا مثلا فبعد نحو نصف قرن على رحيله صدر كتاب بعنوان :"تشى جيفارا..خواطر فلسفية" الذى حررته الباحثة الجامعية الكوبية ماريا ارييت وكتب مقدمته المؤرخ الكوبى فيرناندو مارتينيس .

والكتاب الذي صار فى العاصمة الكوبية هافانا بمناسبة الذكرى الرابعة والثمانين لمولد جيفارا يقع فى 400 صفحة وهو بمثابة مجموعة خواطر ورسائل وتأملات لجيفارا عبر مسيرته النضالية بين أمريكا اللاتينية وأفريقيا والتى ألهمت أجيالا تلو أجيال من الشباب حول العالم قاطبة حتى بات أيقونة للثورة ورمزا عالميا لقضية الحرية.

والمثير للاهتمام أن هذا الكتاب جاء مع مع ولع شبابي على مستوى العالم بلتشى جيفارا الأرجنتينى المولد ودارس الطب الذى قضى فى شهر اكتوبر عام 1967 بالفلسفة ومدارسها واتجاهاتها بقدر ما يثير الكتاب الدهشة حيال هذا العدد الكبير من الكتاب الذين كان جيفارا يقرأ لهم ويتابع أعمالهم بل إنه كان يعلق على هذه الأعمال أثناء معاركه فى غابات الكونغو وأحراش بوليفيا.

إنه الثورى المقاوم الذى تخلى عن منصبه الوزارى فى كوبا مودعا رفيقه فيدل كاسترو ليحمل البندقية دفاعا عن حرية الإنسان فى العالم تماما كما هو المثقف الكبير الذى يناقش وينقد أفكار فلاسفة كبار مثل هيجل وماركس بل ويتلذذ بشعر الكوبى خوزيه مارتى ويعود لإلياذة هوميروس منطلقا دوما من الجرح الإنسانى النازف عبر التاريخ من أجل الحرية.

هذا شأن المقاوم الحقيقى سواء بالبندقية أو بالكلمة..ألم ينطلق محمود درويش من الجرح الفلسطينى النازف منذ عقود طويلة ليكون شاعر القضية والجماهير معا ويغير ويجدد فى طبيعة القصيدة ذاتها ويمزج بين هويته الفلسطينية وتحولات الكتابة الشعرية كما يشهدها العالم بقدر ماعبر عن هذا التقاطع الجوهرى بين الثقافى والسياسى؟.

وإذا كان نبيل شعث قد حرص في كتابه على تقديم شهادته بشأن الحرب الأهلية اللنانية التي انفجرت في منتصف سبعينيات القرن العشرين مؤكدا على ان حركة فتح سعت حينئذ لتجنب التورط في الصراعات الطائفية والتيارات التي تجاذبت الموقف الفلسطيني في اتون تلك الحرب التي كلفت اللبنانيين والفلسطينيين آلاف القتلى فهاهى فيلسوفة وكاتبة وقاصة قد ارتبطت بقصة حب كبير مع مقاوم اخر اعدم فى بلد غير بلده وهو يدافع بدوره عن قضية الحرية للانسان اينما كان..ماذا عن الفيلسوفة ديمى ميردوخ والمقاوم فرانك ثومبسون .

القصة تجدها فى كتاب جديد صدر بعنوان :"كاتبة فى حرب:رسائل ويوميات 1939-1945" فيما قام المؤلف بيتر كونرديل بجمع رسائل ويوميات الفيلسوفة والكاتبة الايرلندية الأصل ديمى ايريس ميردوخ التى ولدت عام 1919 وقضت عام 1999.

وفى سياق تناولها لهذا الكتاب بصحيفة نيويورك تايمز-اعادت لورا البريتون للأذهان طرفا من كتابات ديمى ميردوخ عن الجريمة وصراع الخير والشر فى اكثر من 25 قصة موضحة انها كانت كاتبة مهمومة بالبحث عن المعنى وجوهر الأخلاق واسباب الأزمات الروحية والافتقار للايمان فضلا عن تجليات الحب.

وفيما يركز فى هذا الكتاب على رؤية ديمى ايريس ميردوخ لقضية الحرب أثناء وجودها فى العاصمة البريطانية لندن وهى تتعرض للقصف الجوى الألمانى البالغ العنف فإنها تتحدث فى رسائلها عن فرانك ثومبسون الذى انضم لحركة المقاومة البلغارية ضد الفاشية وأعدم عام 1944 فيما بقى وهو البريطانى الجنسية فى ضمير الشعب البلغارى الذى يعتبره حتى الآن من إبطاله الوطنيين.

نعم احبت الفيلسوفة والكاتبة الكبيرة ديمى ايريس ميردوخ هذا الشاب المقاوم وها هو الكتاب يحوى رسائل حب بين الفيلسوفة والمقاوم تشف فيها الكلمات محلقة بشاعرية الوجد والحنين والعشق فالمقاوم يعرف ايضا كيف يحب ويدرك معنى الحب لأنه يدافع عن الحياة ضد اعداء الحياة.

وهكذا أيضا فإن الكتاب الذي صدر مؤخرا للمناضل الفلسطيني نبيل شعث يحمل الكثير من ومضات ونفحات الحب..نعم مع ثقافة المقاومة تكاد الكلمات تتكسر من رقتها وعذوبتها فالمقاومة عشق لحلم الحرية وفضاء من الحب الانساني.. المقاوم ليس أبدا عابرا فى كلام عابر وإنما هو المنتصر على التيه كما يوضح كتاب المناضل نبيل شعث..المقاوم باق كقصيدة حب مفتوحة تصنع فى السديم أملا !.

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق


الأكثر قراءة