مؤرخ أمريكي: فرنسا ستقود حربا بدون رحمة
الإثنين، 16 نوفمبر 2015 01:07 ص
وصف المؤرخ الأمريكي أندرو جيه باسيفيتش استجابة الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند للهجمات الإرهابية التي تعرضت لها باريس مساء أول أمس الجمعة وتبناها تنظيم داعش الارهابي بأنها استجابة فورية ومتصلبة حيث تعهد قائلا "سنقود حربا لن تعرف الرحمة".
وقال باسيفيتش، إن مسألة امتلاك فرنسا سواء للرغبة أو القدرة على شن حرب كهذه من عدمه هي قضية أخرى ، وكذلك مسألة إمكانية أن تستطيع حرب أخرى معالجة المشكلة القائمة والمتمثلة في انتشار أمواج الاضطراب في معظم الشرق الأوسط الكبير وانسياب تلك الموجات إلى العالم الخارجي.
ولفت إلى أن هذا العالم الخارجي جرّب من قبل خوض حروب لا رحمة فيها ، لقد قضى الاتحاد السوفياتي حقبة الثمانينات من القرن الماضي كاملة في محاولة تهدئة اضطراب أفغانستان ولم ينجح سوى في قتل نحو مليون أفغاني ، فيما خلق حاضنة للراديكالية الإسلامية ، وفي عام 2003 بدأت أمريكا في محاولة شبيهة في العراق وانتهت أيضا إلى نتائج شبيهة أيضا ومقوّضة للاستقرار ، ومع مرور الوقت انسحبت القوات الأمريكية في عام 2011 ، مخلفة وراءها نحو 200 ألف عراقي قتيل معظمهم من المدنيين ، واليوم ها هو العراق يترنح على حافة التقسيم.
وقال باسيفيتش إنه ربما لو أن الروس حاولوا بشكل أكثر جدية في أفغانستان أو أن الأمريكان صمدوا أكثر في العراق لربما حققوا نتائج أفضل ، على أن هذا يبقى ممكنا من الناحية النظرية على أفضل الأحوال ، إن سنوات من القتل في أفغانستان قد استنفدت طاقة الاتحاد السوفياتي وأسهمت بشكل مباشر في انهياره لاحقا ، كذلك فإن سنوات من القتال في العراق قد استهلكت الروح النضالية التي تمتع بها الأمريكان في أعقاب هجمات الحادي عشر من سبتمبر.
ورأى باسيفيتش أن معظم الأمريكيين اليوم لا يجدون في أنفسهم إقبالا على القيام بأية أعمال عدائية كبرى في العالم الإسلامي ، ورجح ألا يوافق غير عدد قليل من الأمريكيين على اتباع الرئيس هولاند في شن أي حملة عسكرية جديدة ضد الشرق ، وهذا العزوف من جانبهم له ما يبرره.
وقال المؤرخ الأمريكي " إن الحقيقة هي أن أمريكا وحلفاءها الأوروبيين يواجهون متاهة استراتيجية محيرة ، فقد وجدوا أنفسهم متورطين بشكل جماعي في صراع مطوّل مع الراديكالية الإسلامية ، مع تنظيم داعش الذي هو أحد تجليات ظاهرة أكبر بكثير ، إن احتمالات التفاوض على نهاية لهذا الصراع في أي وقت قريب تبدو منعدمة ، وهكذا أيضا للأسف فإن احتمالات الانتصار في هذا الصراع تبدو منعدمة".
وأضاف باسيفيتش قائلا : إن الغرب في هذا الصراع يبدو بشكل عام متمتعا بميزة التفوق الواضح عسكريا ، فعلى أي مقياس ، الغرب أقوى من خصومه وترسانته أضخم ، وأسلحته أكثر تطورا ، وجنرالاته أكثر إتقانا لفنون الحرب ومقاتلوه أفضل تدريبا في شن الحرب من خصومهم.
وتابع : غير أن التجارب أثبتت عدم توقف النتائج على ظاهر المعطيات ، فإن الوقت والنشْر الفعلي لتك القوة العسكرية المتفوقة بوضوح قد أثمر عن نتائج مخالفة لتلك التي كانت مستهدفة أو متوقعة ، حتى في حالات تحقيق التدخلات العسكرية ما يشبه الانتصارات التكتيكية ، كالإطاحة بنظام ديكتاتوري على سبيل المثال ، فإن هذه التدخلات لم تسفر عن مصالحة ولا تسوية أو حتى امتثال ، وإنما أسفرت بدلا من ذلك عن المزيد من التأجيج والتحريض على المقاومة ، وبدلا من إطفاء نار الراديكالية ، انتهى الأمر بالغرب إلى تغذية هذه النيران.
ورأى باسيفيتش أنه " باقتراحه صبّ مزيدا من البنزين على تلك النار ، فإن هولاند يُظهر افتقارا للخيال على نحو بات خاصية من خواص الإدارة السياسية الغربية مؤخرا ، لا سيما عندما يتعلق الأمر بالعالم الإسلامي".
ودعا المؤرخ الغرب ، وعلى رأسه أمريكا باعتبارها القوة العسكرية الرئيسية ، إلى الكف عن تلك الاستراتيجية الهجومية واتخاذ وضعية دفاعية بدلا من ذلك ، وبدلا من التدخل في الشرق الأوسط ، يجدر بالغرب إقامة حواجز لتصدّ عنه العنف المنساب من تلك المنطقة ، هذه الحواجز لن تكون بالضرورة حلا مثاليا ، لكنها ستضمن أمانا أكثر بتكلفة أقل من تلك المتعلقة بالدخول في صراعات عسكرية عبثية ومفتوحة ، وبدلا من المحاولة العبثية للتدخل أو السيطرة ، فإن الاستراتيجية المعدلة ينبغي أن تستهدف الاحتواء.
ورأى باسيفيتش أن استراتيجية كتلك تستند على رؤية مفادها أن شعوب الشرق الأوسط الكبير عندما يجدون أنفسهم في مواجهة مع المسؤولية ، فإنهم سيُظهرون قدرة على حل مشاكلهم أكثر من القدرة التي يدّعيها صانعو السياسات في واشنطن أو لندن أو باريس لحل المشاكل ذاتها ، إن استراتيجية كتلك ترمي بالوقاحة أي ادعاء بأن الغرب قادر على حل مشاكل معقدة على الصعيدين التاريخي والديني هو نفسه أسهم فيها بحماقة ، هذه الاستراتيجية تقوم على مبدأ جوهري هو : " لا تتسبب في المزيد من الأذى".
واختتم المؤرخ بالقول إن الرئيس هولاند يرى في المأساة التي ضربت باريس مدعاة للتمادي في الحرب ، لكن بقية الغرب يفعلون خيرا لو أنهم رأوا في تلك المأساة مدعاة لإعادة النظر في الافتراضات التي ورّطت الغرب في حرب لا يمكنه الانتصار فيها ولا ينبغي عليه التمادي في خوضها.