«إخوان سوريا» من اغتيالات الثمانينات للاندماج فى «داعش» (تقرير)
الإثنين، 14 نوفمبر 2016 09:34 ص
تذهب أدبيات جماعة الإخوان إلى أن سوريا من أول البلدان التي تفاعلت مع المشروع الإخواني، وتبرر ذلك بأن الجماعة أولت أهمية كبيرة للطلبة السوريين في مصر، علاوة على استضافتها لعلماء الدولة السورية الهاربين من حكومات بلده، فاستضافت الجماعة مثلًا عالم دير الزور محمد سعيد العرفي، الذي يقول مؤسس الجماعة حسن البنا عنه «عندما عاد إلى مصر ترك حقائبه في مكان إقامته وهرع إلى مقر الجماعة».
يؤرخ لبداية ظهور الفكر الإسلامي في سوريا في 1933، وكانت لجماعة الإخوان دور غير مباشر في ذلك إذ سعت لتغذيتها. ومع حلول أغسطس1935 وصل أول وفد إخواني إلى سوريا ولبنان وفلسطين وكان على رأسه عبد الرحمن الساعاتي ومحمد أسعد الحكيم، القياديين الإخوانيين المصريين، ليقوموا على إلقاء الخطب ومراسلة رؤساء الجماعات لتعريفهم بفكر الجماعة.
سريعًا لقى هذا الفكر قبول في المجتمع السوري؛ ربما بسبب الاستعمار الذي كان يطمس هويته، فشكلت الجماعة أول مركز لها في 1937 وكان في حلب. وروى أحد الإخوان السوريين والشاهدين على تلك الفترة، عمر بهاء الأميري: «وفي عام 1355هجرية الموافق 1936 م كان للدعوة تشكيلاتها غير المرخص بها، ومراكز اتصالات ضمن نطاق ضيق، وفي أكثر البلاد السورية، وفي عام 1356ه 1937 م، أسس في حلب أول مركز مرخص للجماعة وذلك رغم تضييق الاستعمار الفرنسي الغاشم، وبدأت منذ ذلك الوقت الاتصالات الوثيقة مع الإخوان المسلمين».
ونصت صحيفة الإخوان في الثلاثينيات على أن للجماعة ممثلين في عدد من الأقطار العربية منها كانت سوريا، وهذا يفسر سبب أن يكون للجماعة مكاتب غير مرخصة في 1935.
كذلك ورد في حصر شعب الإخوان الصادر في يونيو 1937م اعتماد الإخوان لأربع شعب في سوريا، وهي شعبة دمشق ومندوبها الشيخ عبد الحكيم المنير الحسيني، وشعبة دير الزور ومندوبها محمد سعيد العرفي، وشعبة حيفا ومندوبها محمود أفندي عزت النحلي، وشعبة حلب ومندوبها الشيخ محمد جميل العقاد.
وعت المكاتب التي اختارت لنفسها اسم «شباب محمد» عدة مؤتمرات منها مؤتمر في حمص سنة 1937 م، ولمع ع المؤتمر الثالث بدمشق سنة 1938م كانت الجماعة قطعت شوطًا بعيدًا في التنظيم، وقررت في هذا المؤتمر اتخاذ مركز رئيسي لسائر الجمعيات يكون مركزه دار الأرقم في حلب، وأخذ نطاق الأعمال يتسع تدريجيًّا، ومؤسسات الجماعة تتركز مع الأيام.
ومرت بعد ذلك عدة أعوام -أعوام الحرب العالمية الثانية- تعذر فيها ع المؤتمرات، واكتفي فيها بأن يقوم المركز الرئيسي بمهمته، وأن يتصل أمناء سر الجمعيات بعضهم ببعض.
في 1944 توطدت العلاقات مع إخوان مصر الذين كانوا يرسلون وفد لهم إلى الشام لتوحيد وجهات النظر وطرق العمل التي تدار بها المكاتب.
مع حلول 1945 عت الجمعيات المختلفة لـ«شباب محمد» مؤتمرها الخامس في حلب، وجاء فيه إلغاء المركز الرئيسي في حلب، وتأليف لجنة مركزية عليا في دمشق مشكلة من ممثل عن كل مركز أو جمعية، واتخذت لها مكتبًا دائمًا، وجعلت على رأس هذه اللجنة مراقبًا عامًّا، هو الشيخ مصطفى السباعي، وتع اجتماعات دورية لتباشر الإشراف على الفروع المختلفة، كما تم الاتفاق -بالتنسيق مع الإخوان في مصر وفلسطين- على توحيد أسماء الجمعيات باسم «الإخوان المسلمين»، وعلى توحيد النظم فيها، وبذلك دخلت دعوة الإخوان في سوريا ولبنان مرحلة جديدة موحدة الاسم والأهداف والنظم القوية الفاعلة.
وخلال الفترة تلك استقبل إخوان مصر وفود من إخوان سوريا لطلب الدعم د المحتل الفرنسي فأقام الإخوان الخطب في شوارع القاهرة والمظاهرات بحضور حسن البنا والوفد السوري لإعلان دعم مصر والإخوان تحديدًا لإخوانهم في سوريا. كما كان الإخوان في مصر يرسلون الوفود الطبية إلى سوريا كنوع من التعريف بالمشروع الإخواني.
وتعتبر جماعة الإخوان إنها في هذا الوقت تمكنت من مواجهة المد التغريبي على بلاد الشام، حيث ساعدت رجالها في سوريا في خوض الانتخابات ليكونوا قوى ممثلة عن جزء من المجتمع. واستمرت الأوضاع على هذا المنوال من وفود متبادلة إلى أن مات حسن البنا. وكان من ضمن الاقتراحات المطروحة وقتها ان يشغل المراقب العام للإخوان السوريين مصطفى السباعي منصب المرشد العام لكنه رفض، قائلًا إن فرع الجماعة في مصر قادر على ان يكون فيه من يخلف «البنا».
وخاض إخوان سوريا أحد المعارك التقليدية للإخوان وهي ما يسموه بـ«الدفاع عن الهوية الإسلامية في الدساتير»، إذ دخل السباعي في نقاشات مطولة للنص على هذه الهوية إلى أن حدث انقلاب عسكري في 1951، ما دفع بالإخوان إلى السجون وغلق مقراتهم إلى أن زال الانقلاب بانقلاب جديد دعمه الإخوان وكان في 1954.
وعمل مصطفى السباعي على توحيد الصفوف وتنظيم الإخوان في سوريا، منذ هذا الوقت وحتى عام 1963 م، وقفز حزب البعث إلى الواجهة. ولم تبدي الجماعة معارضة غليظة له رغم مبادئه التي رأتها الجماعة مخالفة للدين، إلا أن المواجهة بين النظام والغخوان كانت قائمة لرفض «البعث» لكل مشاريع الإسلاميين.
واتهم النظام الإخوان بتورط في عمليات إرهابية مثل حادث مدرسة المدفعية، لاسيما التورط في عمليات اغتيالات ليصدر قانون في 1980 جاء في أول مواده: «يُعتبر مجرمًا ويُعاقب بالإعدام كلّ منتسبٍ لتنظيم جماعة الإخوان المسلمين».
وفي مواجهة ذلك قام الإخوان بعقد اجتماعاتهم خارج سوريا، وخططوا فيها لكيفية تحريض الشعب على النظام، فكانت مواجهات تدمر وجسر الشّغور وجبل الزّاوية وحلب وسرمدا في الفترة بين 1979 وحتى بداية الثمانينات.
وشغل منصب المراقب العام للجماعة كلا من:
الشيخ مصطفي السباعي «1945-1964م» أول مراقبًا عامًا للإخوان المسلمين بسوريا ولبنان، تلاه عصام العطار «1964- 1973م»، ثم الشيخ عبدالفتاح أبو غدة «1973-1975م».
من بعدهم جاء عدنان سعد الدين «1975 1881»، وحسن هويدي «1981- 1985م»، ثم منير الغضبان «لمدة 6 أشهر عام 1985م»، ومحمد ديب الجاجي «1985م لمدة ستة أشهر».
ومجددًا تولى الشيخ عبدالفتاح أبو غدة، وحسن هريدي، ثم علي صدر الدين البيانوني، واخيرًا المراقب الحالي محمد رياض شقفة القائم على الجماعة منذ 2010.
الأزمة السورية
رغم وجود جماعة الإخوان خارج سوريا في الوقت الذي خرجت فيه مظاهرات احتجاجية على نظام الرئيس السوري بشار الأسد، إلا أن للجماعة كان لها دور في المشهد، فلجأت في بداية الأحداث إلى المعارضة السياسية باعتبار أن قياداتها كانوا في المنفى ولكن مع توسع تنظيم «داعش» لجأت الجماعة إلى العنف على الأرض فأشرفت بنفسها على تشكيل فصائل مُسلحة تركزت معظمها في إدلب، في شمال غرب سوريا عرفت بـ«هيئة درع الثورة» التي اتخذت لنفسها شعار الإخوان «السيفين» كدلالة على قربها منا.
وفي 2013 حصلت «درع الثورة» على أسلحة متطورة، بما في ذلك أجهزة الدفاع الجوي المحمولة ومدافع الهاون وبعض الدبابات بدعم من الخليج، وقامت بعمليات عسكرية تشاركية في ريف إدلب وحمص، بينما كانت أقل فاعلية في مناطق من حلب وحماة وريف دمشق.
مع اشتداد المعارك، وتوسع المناطق التي سيطرت عليها «داعش»، دب الخلاف داخل جماعة الإخوان المسلمين بسوريا بين الكتلتين اللتين تتنافسان على السلطة في التنظيم: كتلة حماة، وكتلة حلب بعد رفض كتلة حلب استمرار دعم الجماعة «لدرع الثورة»، والتي كان قرار تأسيسها بمباركة من المرشد العام السابق لجماعة الإخوان المسلمين في سوريا رياض الشقفة، وهو شخصية إخوانية مولودة في حماة.
مع انخراط مجموعات متطرفة في «درع الثورة»، وارتفاع نفوذ الجماعات المتمردة المتطرفة في المناطق التي تسيطر عليها هيئة دروع الثورة، قررت «كتلة حلب» اختيار دعم الجماعات المتمردة الإسلامية المعتدلة القائمة بالفعل مثل لواء التوحيد، أو رفض العمل العسكري تمامًا والتركيز على الأنشطة الحزبية مثل النشاط الدعوي والنشاط الإعلامي والأنشطة الخيرية والأنشطة السياسة.
كانت هذه الخلافات السياسية بين الجبهتين داخل التنظيم السبب الرئيسي وراء تراجع عمليات «درع الثورة» مقابل توسع سيطرة «داعش» على العديد من المناطق، وكذلك تراجع الدعم المالي القادم من الخليج لصالح هذه العمليات العسكرية.
ورغم تواجد قيادات الجماعة خارج سوريا إلا أنها كانت حريصة على شغل حيز في المشهد، فكانت الجماعة تقوم على تمويل الموالين لها من غير الأعضاء مثل كتيبة الفاروق في حمص، ولواء التوحيد في حلب، وصقور الشام في جبل الزاوية، وأحرار الشام في إدلب.
كذلك تعمل الجماعة على إحياء الشبكات اليمة، وذلك باستخدام الروابط الأسرية، وتعبئة الأسر الإخوانية السابقة. علاوة على شراء ولاء القادة الرئيسيين والقادة المحليين. واخيرًا تستغل جماعة الإخوان قوتها في المعارضة الخارجية للسيطرة على المجموعات الداخلية.