ترامب.. أمام مفترق طرق في مواجهة جملة من التحديات الخارجية والداخلية

الثلاثاء، 15 نوفمبر 2016 11:25 ص
ترامب.. أمام مفترق طرق في مواجهة جملة من التحديات الخارجية والداخلية

يواجه الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب جملة من التحديات والصعوبات ليس فقط على الصعيد الداخلي وإنما على الصعيد الخارجي في ظل تشابك وتعقيدات الملفات الداخلية والخارجية، وهو ما كشفته الانتخابات الأمريكية من عوار المجتمع الأمريكي وعكست مشكلاته العميقة من استقطابات سياسية وداخلية بين التيارات الليبرالية والمحافظة.

وبرغم تزايد القلق من اتساع الفجوة بين الطبقات الاجتماعية الأمريكية وتزعزع العدالة الاجتماعية، وتراجع معدلات النمو في الاقتصاد الأمريكي، وصعود التوجهات اليمينية الرافضة للعولمة وللاتفاقات التجارية والشراكات الاقتصادية،فان التعامل مع تلك التحديات والنجاح في التغلب عليها هو في حد ذاته من التحديات الصعبة التى يواجهها الرئيس المنتخب دونالد ترامب.

وفى الوقت الذى يتعامل فيه ترامب مع واقع معقد وغير مستقر، ويتضمن تحديات غير تقليدية، في ظل قيود مؤسسية تفرض عليه عدم تجاوز حدود الاختصاصات الدستورية، والالتزام بمبادئ الفصل بين السلطات، والتوازن والرقابة بين السلطتين التشريعية والتنفيذية، ما يعوق قدرته على حسم عدد كبير من القضايا والمشاكل، ابرزها تهديدات الإرهاب، وتوتر العلاقات بين الولايات المتحدة وحلفائها.

تنوع تحديات الداخل الامريكى

ومع تنوع وتتعدد التحديات الداخلية التي تواجه الرئيس ترامب، وأبرزها حالة الانقسام التي تسود المجتمع الأمريكي والتي عكستها بوضوح المظاهرات التي تشهدها بعض المدن الأمريكية احتجاجًا على فوز ترامب، على خلفية الانقسامات الداخلية نتيجة التدافع بين التيارات الليبرالية والمحافظة في ما يتعلق بقضايا مثيرة للجدل، مثل الحق في حمل السلاح والحريات الفردية والرعاية الصحية ومنظومة العدالة الجنائية وحقوق الأقليات،والمواجهات العنيفة بين المواطنين السود والمنتمين للأقليات والشرطة.

كما يمثل غياب العدالة الاجتماعية، تحديا أخر مع تزايد عدم المساواة في الدخول بين الأفراد، واتساع نطاق الفجوة الفاصلة بين الطبقات الاجتماعية، وهو ما أكده تقرير صادر عن صندوق النقد الدولي في يونيو 2016 حذر فيه من تزايد الفقر وانعدام المساواة في الولايات المتحدة، باعتباره يعوق قدرة الاقتصاد الأميركي على النمو.

وترى مديرة صندوق النقد الدولى "كريستين لاجارد " إن الاستقطاب الاجتماعي والفقر سيؤديان لتآكل قواعد النمو الاقتصادي، فيما يقول جيسون فورمان، رئيس مجلس الاستشاريين الاقتصاديين للبيت الأبيض، إن نسبة 1% من المواطنين الأميركيين تستحوذ على 18% من إجمالي الدخل القومي بعدما كان نصيبها لا يتجاوز 8% من الدخل القومي في عام 1973،ووفقا للاحصاءات الرسمية تجاوزت نسبة الفقر بين المواطنين الأمريكيين نحو 14 %.

ويمثل تباطؤ النمو الاقتصادى تحديا أخر ممثلا فى مشكلة الارتفاع البطيء للأجور، وشعور العديد من الاقتصاديين بالقلق بشأن ارتفاع مستوى الدين القومى، والذى من الصعوبة بمكان سداده نظرا لتباطؤ نموالاقتصاد،علاوة على حال ركود الاجور.
وتشير التقديرات فى هذا الشأن إلى ارتفاع الدين إلى نحو 20 تريليون دولار بنهاية السنة المالية 2016، مما يجعل تكلفة خدمة تلك الديون عبئًا على الأجيال القادمة، كما أن معظم الأمريكيين يرفضون رفع الضرائب، وعدم خفض الإنفاق الحكومى.، ناهيك عن مشكلة التوظيف.

ويتمثل التحدي الرابع في صعود الاتجاهات القومية واليمينية في العالم وتزايد ضغوط التيارات اليمينة المتطرفة فى اوروبا أدّت لانحسار موجات العولمة فيها،ولم تكن الولايات المتحدة استثناءً من هذا الاتجاه، إذ شهدت اتجاهات متصاعدة لرفض اتفاقات التجارة الحرة والشراكة الاقتصادية مع دول الجوار، خاصة اتفاقية الشراكة عبر المحيط الهادي،بدعوى تأثيرها السلبي في فرص العمل والقطاع الصناعي داخل الولايات المتحدة،اضافة لتبنى آخرون دعوات لفرض إجراءات حمائية لصالح الاقتصاد الأمريكي لحمايته من المنافسة مع الدول الأخرى، مثل الصين، علاوة على تصاعد رفض المحافظين لتدفقات الهجرة للولايات المتحدة بالتوازي مع انتشار موجات العداء للأجانب وثقافة الكراهية، وهو ما يهدد ثوابت النموذج الأمريكي في إثراء التنوع الثقافي والاجتماعي، واستيعاب الاختلاف، والتعايش بين المنتمين للثقافات والديانات المختلفة.

أزمة التحديات الخارجية

ومع تسارع الأحداث وتطورها،الامر الذى وضع الولايات المتحدة أمام تحديات خارجية جدية تهدد نفوذها في العالم بل وتفوق قدرة الرئيس ترامب على مواجهتها بدون توافق سياسي داخلي لا يبدو أنه يمكن أن يتوفر في أي وقت قريب، مع اتساع الهوة وعمقها بين الجمهوريين والديموقراطيين سيكون من الصعب رأب الصدع والشروخ التي أصابت الحزب الجمهوري بعد بروز "ظاهرة ترامب" التي ستبقى موجودة حتى ولو يكن ترامب على رأسها.

اختلال موازين وهيكل التحالفات وتراجع الثقة في أمريكا اولى التحديات الخارجية التى تعرضت علاقات الولايات المتحدة مع حلفائها لأزمات متعددة بسبب نهج السياسة الخارجية لإدارة الرئيس أوباما،وانتهج أوباما فيها مبادئ التشارك في التكلفة والقيادة من الخلف، والإحجام عن التدخل العسكري للتصدي للتهديدات، مما تسببت سياستة في تراجع الثقة في الولايات المتحدة كحليف يمكن الاعتماد عليه، وصعود قوى إقليمية في التصدي للتهديدات وتحقيق الأمن الإقليمي، الأمر الذي ينطبق كذلك على حلف الناتو، الذي بات يواجه تهديدات لتماسكه نتيجة لاختلال توزيع الأعباء بين الحلفاء، ورفض الولايات المتحدة تحمل التكلفة العسكرية الأكبر داخل التحالف.

ويأتى تراجع الصدارة والانفراد الأمريكي في ظل صعود قوى إقليمية ودولية أخرى كتحدى جيد يواجهه الادارة الامريكية الجديدة فى اعقاب تمدد كل من الصين وروسيا عالميًا استغلالًا للارتداد الأمريكي نحو الداخل، ورفض الولايات المتحدة أداء أدوار التدخل التقليدي التي فرضها نظام الأحادية القطبية.
وهو ما كشفه الصدام الروسي الأوروبي عقب التدخل العسكري الروسي في شبه جزيرة القرم وشرق أوكرانيا عن اتباع الولايات المتحدة سياسة "الاحتواء الناعم" إزاء روسيا،وعدم الاعتراض على التدخل العسكري الروسي في سوريا، وتجنب الصدام المباشر مع الصين رغم تمددها العسكري في بحر الصين الجنوبي ما يزيد من حالة انعدام الثقة في قدرة الولايات المتحدة على تحمل تبعات القيادة العالمية.

ترامب وتحديات المواجهه مع القوى الجديدة

مع ظهور قوى جديدة فى أكثر من منطقة فى العالم اصبحت تشكل عائقا أمام الطموح الامريكى فى المنطقة، فروسيا الإتحادية، لم تتوان عن استخدام القوة العسكرية في أكثر من منطقة في العالم، على الرغم من الرسالة الإيجابية التي أطلقها ترامب تجاه روسيا، إلا أن واقع تقاطع المصالح بين الدولتين سيبقي الحرب الباردة بينهما قائمة.
وكذا الصين، تفرض اليوم أمرًا واقعًا في شرق آسيا من خلال بناء القواعد العسكرية فوق جزر متنازع عليها، إضافة إلى اقتصادها العملاق وما يسببه من منافسة حقيقية للإنتاج الأمريكي في الأسواق العالمية، لتأتى كوريا الشمالية وإيران، وتجاربهما للصواريخ البالستية، وما يشكله من إمتلاك هذه الصواريخ المجهّزة برؤوس نووية، والعابرة للقارات من خطورة حقيقية أمام النفوذ الأمريكي في آسيا، الأمر الذي يجعل من الدبلوماسية الأمريكية أكثر واقعية في التعاطي مع هذه الدول.

وعلى الرغم من جدية الرئيس المنتخب ترامب في تطبيق سياسته، إلا أن العالم يعيش أزمات تتفاقم بشكل سريع في ظل نظام عولمي عكس مشكلاته على الدول كافة، حيث ستنعكس على الجهود التي ستبذلها الإدارة الجديدة في معالجة الأزمات الداخلية في أمريكا.
ويبقى التحدي الأكبر وهو الإرهاب العالمي، والذى تتزايد أنماطه من الارهاب الداخلى،والارهاب الفردى بتبني المنتمين لتنظيم داعش تكتيكات جديدة تقوم على توظيف الموارد والإمكانات المتاحة كافة لتنفيذ هجمات غير متوقعة.

ولم يعد ممكنًا أن تتعامل الولايات المتحدة مع التهديدات الإرهابية باعتبارها تهديدات خارجية يمكن احتواؤها والتركيز على منع وصولها للداخل الأمريكي، بل بات الإرهاب الداخلي عبئًا ثقيلًا على كاهل الرئيس ترامب، مما يمكنه من التعامل الاستباقي مع بؤر التطرف والإرهاب والتصدي لتمدد التنظيمات الإرهابية في العالم في صدارة أولويات الرئيس ترامب.

ومن المؤكد أن الرئيس ترامب يقف أمام مفترق طرق يتمثّل في كيفية التوفيق والمزاوجة بين رفع شعار "أمريكا أولًا"، الأمر الذي قد يزيد من عزلة أمريكا في العالم، ويضعف دورها على كافة الصعد، أو الانفتاح على العالم، مما سيفاقم الكثير من الأزمات خاصة أن إدارة أوباما لم تقدم سياسة جديدة لمعالجة هذه التحديات والقضايا.


 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق