كيف تورط «الإخوان» في انفصال جنوب السودان (تقرير)
الخميس، 17 نوفمبر 2016 12:08 م
يعتبر السودان هو القطر العربي الأول الذي فكر التنظيم الإخواني في تشكيل امتداد له فيه، وكان سببه في ذلك الشعار الذي كان يرفع آنذاك وهو «وحدة وادي النيل». ولهذا السبب بدأت الجماعة في إرسال الوفود الإخوانية إلى الخرطوم واستقبال رموز سودانية في القاهرة، ورغم ذلك تعتبر السودان من الدول التي تأخر فيها تدشين كيان رسمي للإخوان، ويرجع ذلك إلى تعدد القنوات التي اعتمدت عليها الجماعة في إيجاد طريق إلى السودان، ما شتت جهودها وعطل تحقيق الهدف.
وكانت البداية من الشيخ «عبد الله حمد» التاجر بأم درمان والأبيض، الذي كان في القاهرة نهاية الثلاثينات وأعجب بالإخوان وتواصل معهم وطلب أن يكون رجل دعوتهم في السودان، فرحب مكتب الإرشاد العام في القاهرة.
ويعتبر عام 1943 هو التاريخ الصحيح الذي بدأت الدعوة فيه تأخذ شكلا منظما، وكان ذلك عندما دعا حسن البنا، صادق عبد الله عبد الماجد ومجموعة من الشباب السوداني إلى مصر، بعد ذلك اختار جمال الدين السنهوري، كان طالبا آنذاك، لنشر الدعوة بعدة مدن، شاركه في ذلك صلاح عبد الحافظ لتسفر جهودهم عن أول لجنة للإخوان.
وبالتزامن مع الجهود الإخوانية المتعددة الاتجاهات للبحث عن كيان رسمي في السودان، تم الإعلان عن حركة «التحرير الإسلامي» وهي جماعة غير تابعة للجماعة.
في نفس الوقت تم حل الجماعة في مصر فغادرت قيادات إخوانية مصرية إلى السودان وتسبب ذلك في تكوين الحزب الاشتراكي الإسلامي، الذي يعتبر أول كيان إخواني.
وعُقد تحالف بين الحزب وحركة التحرير الإسلامي ذات الميول الإشتراكية، إلا أن هذا التحالف لم يدم لأكثر من ثلاث سنوات، عندما قررت الحركة الاستقلال بحالها عندما وجدت تقاربا وشبه اندماج بين الحزب وإخوان مصر، فاجتمعت وقررت الفصل.
على الجانب الآخر، كانت أزمة الإخوان السودانيين الذي انقسموا بخصوص طبيعة علاقتهم بإخوان مصر، وتم حسم هذه الخلافات بعقد مؤتمر آخر في أغسطس 1954، اشتهر بمسمى «مؤتمر العيد»، قرر تسمية الحركة رسميا باسم الإخوان المسلمين وانتخب لها قيادة جديدة على رأسها أمين عام (اختير محمد خير عبد القادر للمنصب).
ولكن هذا الإجراء أدى إلى مزيد من الاضطراب والانشقاقات، حيث أعلنت مجموعة كرار انفصالها وأطلقت على نفسها اسم الجماعة الإسلامية (تحول الاسم فيما بعد إلى الحزب الاشتراكي الإسلامي)، بينما اعترضت مجموعة «علي طالب الله» على المؤتمر ونتائجه وتمسك طالب الله بشرعية قيادته للحركة بسند تكليف الإمام البنا له.
وقد قامت وفود مصرية بزيارتين للخرطوم في عام 1955 للوساطة بين المتنازعين، وكنتيجة لذلك تمت تسوية الخلافات جزئيا وتم انتخاب قيادة جديدة من أنصار طالب الله، حيث أصبح المحامي الرشيد الطاهر بكر المراقب العام.
وتحت قيادة الطاهر قادت الحركة حملة ناجحة لتشكيل ما عرف بـ «الجبهة الإسلامية للدستور» لحشد الدعم السياسي والشعبي لفكرة الدستور الإسلامي، واستمرت قيادة الرشيد الطاهر للحركة حتى عام 1959 حيث ألقي القبض عليه بتهمة تدبير محاولة انقلابية ضد حكومة الفريق إبراهيم عبود التي كانت قد جاءت إلى الحكم بدورها بانقلاب عسكري في العام السابق. وقد صدمت حكومة عبود، الرأي العام السوداني بتنفيذها حكم الإعدام في خمسة من العسكريين المشاركين في المحاولة الانقلابية في سابقة هي الأولى في السودان المستقل، ولكن الرشيد الطاهر الذي ضبط وهو ينقل بيان الانقلاب في سيارته الخاصة نجا من الإعدام وحكم عليه بالسجن خمس سنوات.
وقد أدى سجن الطاهر إلى اضطراب جديد في أمور الحركة، حيث تبرأ زملاؤه في القيادة مما قام به، بحجة أنه لم يخطرهم بالتفاصيل كما أنه أشرك ضباطا شيوعيين في المحاولة. وعليه قرر هؤلاء تنحية الطاهر من منصب القيادة وإنشاء قيادة جماعية.
الترابي...الإخواني الطموح
استمرت أوضاع الجماعة في السودان في ركود إلى أن عاد حسن الترابي إلى السودان، ليشغل سريعًا صدارة الجماعة. وطرح الترابي فكرة جبهة تشمل كل الداعين للمشروع الإسلامي، وبالفعل نجحت هذه الجبهة في الفوز بمقاعد في البرلمان، ومن ثم سعت في اتجاه تدعيم فكرة الدستور الإسلامي، بعد فترة تعرضت هذه الجبهة لخلافات داخلية ترتب عليها محاولات الإطاحة بالترابي نفسه، إلا أن هذه المحاولات توقفت عندما وقع الانقلاب العسكري في 1969 وعاد الإسلاميون فتأجلت الخلافات، بعدها عقدت السلطة السياسية بقيادية الرئيس جعفر النميري صفقة مع المعارضة، أوصلت الإسلاميين إلى السلطة فتجددت الخلافات التي انتهت في عام 1980 بإعلان انشقاق مجموعة أطلقت على نفسها حركة «الإخوان المسلمين»، وتبنت النهج الإخواني في التربية وانضمت رسميا للتنظيم الدولي للإخوان.
وتعتبر خطوة الاندماج في التنظيم الدولي معارضة لتوجه «الترابي» الذي كان يطمح في أن يُكون كيانا إخوانيا دوليا مناظرا يشرف هو على إدارته، ويحسب لفرع السودان أنه كان يتحفظ في أكثر من محطة على التبعية للإخوان في مصر، إذ رفضها في بدايته وتجدد الرفض في 1961 بإنشاء مكتب تنسيق في جدة وطلب من إخوان السودان الانضمام إليه، وتجدد الرفض لدى إنشاء التنظيم الدولي في عام 1973، وظل الأمر مصدر شد وجذب وأدى إلى توتر حاد في العلاقات، للدرجة التي دفعت صحف الإخوان لمهاجة «الترابي» واتهامه بزرع بذور الفتنة.
وضمن محاولات التمرد لحسن الترابي، قام الأخير بتشكيل «الجبهة الإسلامية القومية»، وهي جبهة كان أغلبها من الإخوان إلا أنها عرفت كحزب إسلامي لا إخواني، وخاضت الجبهة وممثلو الإخوان انتخابات 1986 ليفشل الجميع في الفوز فيها.
أما الإخوان فقد حدث انشقاق آخر في صفوفهم في 1991 على القيادة، فيما قرر الترابي حل جبهته في 1989. وعندما قامت الجبهة الإسلامية المنشقة عن الإخوان بقيادة عمر البشير من السيطرة على الحكم نشبت خلافات بينه وبين «الترابي» الذي ندم على حل جبهته، فيما قام «البشير» بتحول اسم الجبهة الإسلامية إلى حزب المؤتمر الوطني الحاكم حتى الآن، وكان الاسم جذابا فى عموم القارة الأفريقية لاقترانه بنضالات شعب جنوب أفريقيا ضد نظام التفرقة العنصرية، وكان يقصد من هذا الاسم جذب الجنوبين غير المسلمين، ولهذا ضم الحزب الإسلاميين وغير الإسلاميين.
وبالفعل تمكن النظام الإخواني من جذب بعض الجنوبيين، إلا أن إيمان الجنوبيين بالانعتاق من دولة الشريعة كان قويًا وإيمانهم بأن الحياة ستكون أفضل بعيدًا عن الدولة المدرجة فى كشف الدول الفاشلة، وساهم فى ذلك أيضًا قناعة إخوانية بأن وجود المسيحيين عائق أمام مشروعهم، لذا تسببت سياساتهم وقناعتهم في نبذ الجنوبيين، وكان انفصال الجنوب سهل بصورة مرعبة.