تعددت اتفاقيات السلام واستمر الإرهاب في إفريقيا (تقرير)

الجمعة، 18 نوفمبر 2016 09:43 ص
تعددت اتفاقيات السلام واستمر الإرهاب في إفريقيا (تقرير)

بعد عام ونصف على توقيع اتفاق سلام بين مختلف أطراف الأزمة التي تهزّ مالي منذ 2012، لايزال المشهد السياسي والأمني في هذا البلد الإفريقي «غامضا»، وفق مراقبين.

وأدت الهجمات الإرهابية التي ضربت باماكو عاصمة مالي في نوفمبر 2015، إضافة إلى حوادث العنف والقتل بقيادة المجموعات المسلحة الموقعة على اتفاق السلام، علاوة على الاشتباكات الطائفية، إلى مزيد تأجيج توتر الأوضاع في البلاد.

بحسب المصادر نفسها، فإن الوضع يعكس «خللا» على مستوى مرحلة ما بعد توقيع اتفاقيات السلام، ويعتبر امتدادا لأوضاع مشابهة في عدد من بلدان القارة السمراء.

وتعاني العديد من البلدان الإفريقية التي مرت بعملية سلام «ناجحة»، توجت بتوقيع اتفاقيات، من مشكلة رئيسية تتمثل في استعادة «الحياة الطبيعية».

وتعيش دولة جنوب السودان، على وقع أعمال العنف الطائفي رغم توقيع اتفاق سلام في أغسطس 2015، بين الرئيس «سيلفا كير» وزعيم حركة التمرد في البلاد «ريك ماشار».

وسقطت إفريقيا الوسطى، منذ سبتمبر 2016، ضحية جلادي الماضي عقب عودة مشاهد العنف والصراعات بين المجموعات المسلحة، بعد أشهر من الهدوء التي تلت الانتخابات الرئاسية في فبراير الماضي.

ومازالت الأوضاع المتأزمة شرقي الكونغو الديمقراطية، تدق ناقوس الخطر، رغم توقيع اتفاقية سلام بسبب تأثيرات مختلف النزاعات التي شهدتها البلاد «حرب الكونغو الأولى «1996-1997» والثانية «1998-2003» وحرب كيفو «2004»، التي مازالت تلقي بظلالها على المنطقة.

ويفسر مراقبون ظاهرة فشل اتفاقيات السلام في تعبيد طريق العودة نحو «المسار الاعتيادي» بعدم وجود هذه الحياة الطبيعية في حقيقة الأمر، باعتبار أنّ جذور الصراع ضاربة في القدم.

وقال المحلل السياسي التشادي أحمد محمد حسن، للأناضول، إن الأزمات التي تعصف ببلدان مثل إفريقيا الوسطى والكونغو الديمقراطية، تشكل إحدى تجلّيات الإشكالات المستمرة منذ عقود.

ويرى الخبير أن الوضع يتميز بـ «هشاشة جوهرية»، ما يمثّل أرضا خصبة لمزيد «النكسات»، بعد توقيع اتفاقيات سلام.
واستدل أستاذ العلوم السياسية بجامعة نجامينا، بمثال إفريقيا الوسطى.

وأوضح حسن، أنه في أعقاب مرحلة ما بعد المفاوضات التي أجريت مع قادة المجموعات المتمردة، في يناير 2014، أبرم اتفاق في العاصمة التشادية نجامينا، أفضى إلى استقالة الرئيس «ميشال دجوتوديا» بعد أشهر من تقلده المنصب، بهدف فسح المجال لمرحلة انتقال سياسي.

واندلعت شرارة أزمة طائفية في إفريقيا الوسطى، في ديسمبر 2013، إثر إطاحة تحالف «سيليكا» «جماعات مسلحة أغلب مقاتليها مسلمون» بالرئيس «فرانسوا بوزيزي»، وتنصيب «ميشيل دجوتوديا» «أحد أبرز قادة سيليكا» رئيسا للبلاد.

وقال الخبير التشادي إن الاتفاق «لم يحقق الهدف المرسوم».
وأضاف، في ذات الصدد: «شهدنا «بعد اتفاق السلام» ما نعتبره الحرب الأهلية الثالثة في إفريقيا الوسطى، والتي أسفرت عن مقتل الآلاف ونزوح مليون شخص».

ويرى أستاذ العلوم السياسية التشادي أن «الخطأ» يتمثل في الاعتقاد بأن رحيل «دجوتوديا»، سيمكن من تسريح القوات الموالية له «السيليكا» والقوات المتنافسة «أنتي-بالاكا» «ميليشيات مسيحية تشكلت بعد وصول دجوتوديا».
وتابع بالقول، إن «دوافع الأزمة في هذا البلد تعد أعمق من ذلك وتتجاوز شخص دجوتوديا».

وتتمثل دوافع الأزمة، وفق الخبير، في جملة من العناصر الأساسية، أهمها الحوكمة السياسية وحضور الدولة والوحدة الوطنية.

عوامل دفعت عقب نهاية المرحلة الانتقالية مطلع 2016، إلى عودة أعمال العنف في سبتمبر، على وجه التحديد، حسب محمد حسن.

أسباب متعددة لمختلف الأزمات التي تعصف بعدد من دول القارة الإفريقية، تتصدرها العوامل البشرية والعرقية والطائفية والدينية، يعتبرها الخبير التشادي «مخاطر« تهدد اتفاقيات السلام».

ومن جانبه، قال «دجيديبوم ميدار»، المتخصص في علم الاجتماع، للأناضول: «حادثة اغتيال فقط، عقب فترة من الهدوء توجت باتفاق، وأحيانا لم تتوج، كفيلة بتأزم الأوضاع من جديد».

وأوضح «ميدار» الباحث في «سوسيولوجيا الصراع»، أن «فتيل أزمات ما بعد اتفاقيات السلام خصوصا في إفريقيا الوسطى أو مالي، يشتعل بعمليات القتل المنظم أو الحوادث المعزولة، التي تكون مستقلة على جوهر النزاع، في بعض الأحيان».

«ميدار»، الذي يشغل منصب مستشار لدى برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، أبدى أسفه لعدم مراعاة جهود الوساطة الدولية للواقع الثقافي والعرقي والتقليدي للمجتمعات التي تعيش على وقع النزاعات.
وتابع: «اتفاقيات السلام ترتكز عادة على المناهج العلمية العالمية التي لا تشمل هذه الجوانب، أو لا توليها الاهتمام اللازم».

وأوضح الخبير، أن الوسطاء الدوليين الذين يعانون من بعض «التراخي» أو من وجهت لهم دعوات عاجلة لغايات إنسانية، يدفعون الجهات المعنية للتوصل إلى حل لم «ينضج» بعد.

وفي السياق ذاته، قال «ديودوني وندو»، أستاذ العلوم الاجتماعية بجامعة «سيمون كمبانغو» الخاصة في عاصمة الكونغو الديمقراطية «كينشاسا»، إن هذا النهج المتسرع «يحرم» ضحايا الأزمات من ثمار السلام.

هذا النهج يمكنه دفع الضحايا باتجاه «القوى السلبية» المتمثلة في الميليشيات المحلية أو المتمردين، وفق «وندو».

وفي الكونغو الديمقراطية، وإفريقيا الوسطى، وبوروندي، تواصل الحركات المتمردة هجماتها رغم توقيع اتفاقيات سلام.

وفي بوروندي التي تعيش على وقع أزمة سياسية وأمنية، منذ أبريل2015، على خلفية ترشّح الرئيس «بيير نكورونزيزا»، لولاية رئاسية ثالثة يحظرها دستور البلاد، حذرت لجنة مكونة من خبراء من الأمم المتحدة، مؤخرا، من خطر حدوث «إبادة جماعية» في هذا البلد الإفريقي.

ورغم استبعاد السلطات لهذا السيناريو، إلا أن التقرير يكشف الهشاشة النسبية لاتفاق أروشا، للسلام المبرم في أغسطس 2000، بهدف إرساء سلام عقب الحرب الأهلية في 1993، حسب «وندو».

وبحسب أحدث التقارير الصادرة في سبتمبر الماضي، عن المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، أسفرت الأزمة البوروندية، عن سقوط أكثر من 700 قتيل، وأجبرت ما يزيد عن 310 ألف شخص على مغادرة البلاد.
ويزيح الوضع القائم في بوروندي، الستار على العامل القانوني الذي يقف وراء تجدد النزاعات، وفق مراقبين.

ووفق «غوستاف ياكمبي»، المستشار القانوني السابق لـ «الجماعة الاقتصادية لدول البحيرات العظمى»، استند الرئيس البوروندي «بيير نكورونزيزا»، قبل ترشحه للولاية الرئاسية الثالثة «المثيرة للجدل« والتي ترفضها المعارضة، على لبس قانوني بسبب «التفسير المشترك»، لاتفاق أروشا، للسلام ودستور البلاد.

وفي مالي أدى «صمت» اتفاق الجزائر للسلام، المبرم في مايو، ويونيو 2015، في تحديد أولوية الانتشار الأمني لسلطات باماكو، أو إرساء سلطات مؤقتة شمالي البلاد، في توتير الأجواء الأمنية والسياسية، وفق ياكامبي.

وأشار المستشار القانوني، إلى أن الصراعات بين القوانين واتفاق السلام في الكونغو الديمقراطية، ظهرت عقب نهاية حرب «كيفو« «شرق»، بعد وقف إطلاق النار في 2007، إثر رفض القضاء منح عفو لمتمردي «المجلس الوطنى من أجل الدفاع عن الشعب« «حركة متمردة»، رغم أن الإجراء كان ضمن الاتفاق.

في المقابل، لاح ميل للإفلات من العقاب بعد «تبرئة أوالعفو عن المتمردين بداية عام 2000، وانضم هؤلاء في 2007 و2008 و2009 و2013، إلى مختلف الحركات المتمردة»، وفق «ألبرت موننغا»، أستاذ العلوم السياسية بجامعة كينشاسا، للأناضول.

وتابع: «للصراعات في إفريقيا تاريخيْ نهاية هما: تاريخ رسمي يلي توقيع اتفاق السلام. وآخر يأتي بعد سنوات ليتطابق مع النهاية الفعلية أو المؤقتة للصراع».

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق