ردود فعل واسعة على وفاة «فيدل كاسترو»
السبت، 26 نوفمبر 2016 01:51 م
توفي «فيدل كاسترو» أب الثورة الكوبية الذي حكم بلاده بيد من حديد وتحدي القوة الأميركية العظمى، لأكثر من نصف قرن قبل أن يسلم السلطة لشقيقه راؤول، مساء الجمعة في هافانا عن 90 عاما.
وأعلن راؤول كاسترو، في بيان تلاه عبر التلفزيون الوطني: «توفي القائد الأعلى للثورة الكوبية في الساعة 22،29 هذا المساء»، ولم يوضح راؤول أسباب الوفاة لكنه قال: «إن الجثة ستحرق».
وأضاف: «بناء على رغبة عبر عنها الرفيق فيدل، سيتم حرق جثمانه في الساعات الأولى من يوم السبت»، وأعلن مجلس الدولة في بيان مقتضب «الحداد الوطني لتسعة أيام اعتبارا من السبت وحتى الأحد 4 ديسمبر.. وخلال هذا الأسبوع المخصص لذكرى الزعيم الكوبي الراحل سينقل رماد فيدل كاسترو ليجوب كل انحاء البلاد على مدار 4 أيام».
وتنظم الجنازة الرسمية في الرابع من ديسمبر في سانتياغو دي كوبا، ثاني مدن البلاد (جنوب شرق) والتي ترتدي رمزية كبرى لان فيدل كاسترو أعلن منها انتصار الثورة.
وكان الزعيم الكوبي سلم السلطة في 2006 لشقيقه راوول، المسؤول الثاني في الحزب منذ تاسيسه في 1965، بعد اصابته بالمرض. وفي ابريل 2011 تخلى له عن آخر مسؤولياته الرسمية بصفته السكرتير الأول للحزب الشيوعي الكوبي.
وغاب «فيدل» تماما عن الأضواء بين فبراير 2014 وابريل 2015، ما غذى حينها شائعات حول حالته الصحي، لكن منذ عام ونصف ورغم محدودية تنقلاته، عاد الى استقبال شخصيات واعيان اجانب في منزله.
وفاجأ فيدل كاسترو المراقبين بعدم استقباله رئيس الوزراء الكندي جاستن ترودو، رغم الصداقة الكبيرة التي ربطته في الماضي بوالده بيار-اليوت ترودو، وذلك رغم أنه كان استقبل عشية وصول رئيس الوزراء الكندي الرئيس الفيتنامي تران داي كوانغ.
- ذهول في هافانا-
وانتشر نبأ وفاة فيدل الذي أعلن نحو منتصف الليل، بسرعة في شوارع هافانا حيث عبر الكثير من السكان عن ألمهم لرحيل "القومندنتي"، وقال بائع السيجار ميشيل غونزاليز (30 عاما) "لقد فاجأنا النبأ جميعا، كنا نأمل حقا ان يعيش لفترة اطول قليلا، لقد بدا في صحة جيدة في آخر ظهور له".
من جانبه قال العامل في حانة ميغيل غونزاليز (24 عاما) "انا مثل آلاف الكوبيين اشعر بمرارة وحزين، لقد وقع الامر فجاة".
وتوالت ردود الفعل على رحيل كاسترو اعتبارا من ليل الجمعة السبت وكان اولهم الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو المقرب من كوبا، حيث دعا في تغريدة الى "مواصلة ارث" فيدل كاسترو.
وذكر بان وفاة فيدل اتت بعد ستين عاما بالضبط من وصول مركب غرانما الى المكسيك الذي شكل بداية تمرد استمر 25 شهرا وانتهى بالاطاحة بالدكتاتور الكوبي المؤيد لواشنطن فولغينسيو باتيستا في الاول من يناير 1959.
واشاد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بذكرى الزعيم الثوري الكوبي ووصفه بانه "رمز لعصر"، وقال بوتين في برقية تعزية وجهها الى الرئيس الكوبي "ان اسم رجل الدولة المميز هذا يعتبر رمزا لعصر في تاريخ العالم الحديث" مضيفا "كان فيدل كاسترو صديقا وفيا لروسيا يمكنها الاعتماد عليه".
من جهته اكد الرئيس الصيني شي جينبينغ السبت ان فيدل كاسترو "سيبقى خالدا". وقال في رسالة تلاها عند بدء النشرة المسائية على التلفزيون الوطني "لقد فقد الشعب الصيني رفيقا صالحا ووفيا".
كما دعا الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند الى رفع الحظر عن كوبا "بشكل نهائي" معتبرا ان كاسترو جسد الثورة الكوبية "بآمالها وخيباتها"، كما اشاد الرئيس السوفياتي السابق ميخائيل غورباتشوف بالزعيم الكوبي الراحل معتبرا انه ترك "بصمة عميقة في تاريخ الانسانية" وانه قاوم الحصار الاميركي.
في المقابل استقبل الاعلان عن وفاة فيدل كاسترو بالفرح من الف كوبي يعيشون في ميامي وبصيحات "كوبا حرة" و"حرية، حرية"، وسط تقديم الشامبانيا والتقاط صور السلفي والاهازيج على وقع الطبول والاواني.
وقبل رحيله شهد فيدل قبل عامين الاعلان التاريخي عن التقارب بين كوبا والولايات المتحدة، وتطوي وفاته بذلك نهائيا صفحة الحرب الباردة التي اوصلت العالم الى حافة نزاع نووي اثناء ازمة الصواريخ في 1962.
- راوول كاسترو وحيدا في القيادة-
ومع وفاة فيدل يجد راوول نفسه للمرة الاولى وحيدا في القيادة وهو الذي كان اكد عند تعيينه انه سيستشير "القائد الاعلى" في كافة القرارات المهمة.
وبدأ راوول (بلغ 85 عاما في يونيو) منذ عشر سنوات عملية بطيئة لنزع بصمة فيدل عن النظام، ترجمت في ابريل باعتماد مؤتمر تاريخي للحزب الشيوعي الكوبي مجموعة من الاجراءات الاقتصادية الهادفة لانقاذ كوبا من الافلاس.
كما رتب بعيدا عن الانظار تقاربا تاريخيا مع الولايات المتحدة اعلن في منتصف ديسمبر، ليكشف بذلك عن نزعة برغماتية تناقض مناهضة شقيقه فيدل العميقة للولايات المتحدة.
لكن هذ التقارب قد يشهد توقفا اثر انتخاب الجمهوري دونالد ترامب رئيسا للولايات المتحدة. وكان ترامب ابدى تحفظا على هذا التقارب مؤكدا انه سيبذل ما بوسعه "للحصول على اتفاق متين" مع هافانا، ملمحا الى احتمال حدوث انتكاسة.
وفيدل كاسترو نجل احد كبار ملاكي الاراضي من ذوي الاصول الاسبانية، وقد فاجأ حتى انصاره بتقربه من موسكو بعيد توليه الحكم في كانون الثانييناير 1959.
وتحدى فيدل كاسترو 11 رئيسا اميركيا ونجا من مؤامرات لا تحصى لاغتياله بلغت رقما قياسيا من 638 محاولة بحسب موسوعة غينيس، اضافة الى محاولة فاشلة لانزال منفيين كوبيين مدعومين من وكالة الاستخبارات المركزية الاميركية (سي آي ايه) في خليج الخنازير (جنوب كوبا) في ابريل 1961.
وفرض جون كينيدي بعيد ذلك في فبراير 1962 حظرا تجاريا وماليا على كوبا، لا يزال ساري المفعول حتى الآن ويؤثر بشدة على اقتصاد كوبا رغم سلسلة من اجراءات التخفيف التي اعتمدتها ادارة الرئيس باراك اوباما.
وفي تشرين اكتوبر 1962 وقعت ازمة الصواريخ التي تسبب فيها نصب صواريخ نووية سوفياتية في كوبا ما ولد مزايدات وضعت العالم على حافة التهديد الذري. وقررت واشنطن فرض حصار بحري على كوبا، وانتهى الامر بسحب موسكو صواريخها مقابل وعد اميركي بعدم غزو كوبا.
واراد فيدل كاسترو رفيق سلاح القائد الثوري الارجنتيني ارنستو تشي غيفارا، ان يكون بطل تصدير الثورة الماركسية في اميركا اللاتينية، وكذلك في افريقيا وخصوصا في انغولا التي انخرطت فيها قوات كوبية لمدة 15 عاما.
واثارت تلك الثورة حينها نوعا من الاعجاب وافتخر النظام الكوبي بانه قضى على الامية واقام نظاما صحيا ناجعا وفي متناول جميع سكان كوبا البالغ عددهم 11،1 مليونا، وهو انجاز نادر في بلد فقير في اميركا اللاتينية.
لكن انهيار الاتحاد السوفياتي، اهم ممول لكوبا، في 1991 سدد ضربة قوية للاقتصاد الكوبي. وواجه السكان نقصا كبيرا في التزويد. واعلن فيدل كاسترو عندها "فترة خاصة في زمن السلم" وتكهن الكثيرون بنهاية نظامه.
غير ان فيدل بطل الاستمرارية السياسية، وجد مصدرا جديدا للدخل مع السياحة وخصوصا مع حليفين جديدين هما الصين وفنزويلا في عهد الرئيس هوغو تشافيز الذي قدمه فيدل كاسترو باعتباره "ابنه الروحي".
وابقى فيدل كاسترو باستمرار حياته الخاصة بمنأى عن الاضواء. وشاركته حياته مرافقته داليا سوتو ديل فالي منذ ستينات القرن الماضي وانجبا خمسة اطفال. ويتوقع ان تحضر جنازة رفيقها فيدل كاسترو الذي لديه ثلاثة اولاد آخرين، بينهم ابنة تعيش في ميامي، من ثلاث نساء اخريات.