توجهات فريق «ترامب» للإدارة الأمريكية (تقرير)
الثلاثاء، 29 نوفمبر 2016 09:31 ص
تكشف اختيارات وترشيحات الرئيس الأمريكي الجمهوري المنتخب دونالد ترامب لفريق إدارته المرتقبة، عن التوجهات السياسية الأمريكية خلال الفترة الأولى من رئاسة ترامب والتي تبدأ فعليًا في العشرين من يناير 2017.
وكما جاء فوز ترامب مخالفًا وصادمًا لكل استطلاعات الرأي العام الأمريكية وتوقعات المحللين السياسيين والمختصين في الشأن الأمريكي، يخطئ أيضًا من يقول أن لا تحول ولا تغير في السياسة الأمريكية في عهد ترامب معتمدا بذلك على أنها دولة مؤسسات، وأهداف ومبادئ الاستراتيجية الأمريكية تمتلك ميزة الثبات ما يؤهلها لأن تقف أمام شخصية أي رئيس قادم جديد للبيت الأبيض.
فالوصول إلى الأهداف العليا والمتمثلة في «الحلم الأمريكي» كما وصفه ترامب في كلمة الفوز، وأن تكون الولايات المتحدة الامريكية في المقدمة والأفضل بين دول العالم، في إشارة ضمنية إلى استمرار الهيمنة الأمريكية، يحتاج إلى وجود أهداف مرحلية تعزز تلك الأهداف العليا وإدارة مهمتها تحقيق تلك الأهداف والمصالح.
وهنا تكون منطقة التحرك للرئيس الأمريكي الجديد بتوظيف الآليات والوسائل التي تؤمن بها الإدارة الجديدة وهذا ما يمكن إدراكه من خلال مكونات وتوجهات الفريق المرشح للإدارة الجديدة، والتي ضمت جنرالات وخبراء عسكريين فضلا عن خبراء اقتصاديين ومالكي شركات اقتصادية كبرى.
وبحسب مراقبين، فإن الإدارة الأمريكية القادمة ستكون مصنفة باليمينية الأكثر تطرفًا في تاريخ الولايات المتحدة، وسيكون لمجموعة ترامب التأثير الكبير في عملية صنع القرار داخل البيت الأبيض؛ نظرًا لضعف خبرة ترامب السياسية لطبيعته كرجل أعمال.
فريق ترامب
كشف ترامب مبكرًا عن سياساته من خلال فريق العمل الذي بدأت تظهر ملامحه خلال الأيام الماضية بشكل واضح، فكل منهم له تاريخ، وهؤلاء معا يتجانسون في رؤيتهم لما هو خارج أمريكا، يهتمون فقط بالولايات المتحدة الأميركية ومصالحها في الساحة الدولية، وتكشف شخصياتهم أن إدارة ترامب ستكون إدارة محافظة وصارمة.
فالمرشحون حتى الآن في إدارة ترامب، من وجهة نظر المراقبين، مثيرون للريبة، فالمرشح لوزارة العدل هو السيناتور جيف سيشنز معروف بتشدده وآرائه العنصرية، وقد تم رفض تعيينه كقاض في الثمانينات بسبب عنصريته. ويلتزم بمواقف شديدة المحافظة بل صارمة تجاه الهجرة غير الشرعية مما يتماشى مع ما طرحه ترامب خلال حملته الانتخابية كما تتسم مواقفه بالمتشنجة في ما يتعلق بملف العلاقات مع روسيا.
أما المرشح لإدارة وكالة الاستخبارات الأميركية الـ«CIA» عضو الكونجرس مايك بومبيو فمعروف بتشدده ضد روسيا وإيران، وهو عضو بحركة حزب الشاي وهي الحركة التي تقف على يمين المحافظين الجدد في الولايات المتحدة وتضم اكثر المتشددين فيها، إلى الدرجة التي تبدي آراء متطرفة حتى ضد مخالفيها من الجمهوريين والديمقراطيين والليبراليين في أمريكا.
يُذكر أن بومبيو، الذي يمثل ولاية كانساس في مجلس النواب، يعمل في اللجنة النيابية المعنية بشؤون الاستخبارات. وينتمي إلى التيار المتشدد في الحزب الجمهوري، وهو من أشد منتقدي فكرة إغلاق معتقل جوانتانامو في كوبا، حيث كانت "سي آي إيه" تحتجز سجنائها لسنوت طويلة دون أمر قضائي، كما أنه يدعو إلى استمرار برامج التنصت الالكتروني الخاصة بوكالة الأمن القومي الأمريكية.
والمرشح الذي لا يقل تطرفًا، حسب المراقبين، هو ستيف بانون الذي تم اختياره من قبل الرئيس ترامب كمستشار استراتيجي، وكبير المخططين الاستراتيجيين في إدارته المقبلة، وهو يعد سياسيا ورجل أعمال أمريكيا يوصف باليميني المتطرف، ولديه علاقات وثيقة مع حركات اليمين المتطرف الأوروبية، وهو أيضًا أحد أبرز دعاة «اليمين البديل»، وهي حركة تعتنق الأفكار القومية، وتؤمن بتفوق العرق الأبيض، وتزدري تمامًا الطبقة السياسية الحاكمة في البلاد.
كما يشكل اختيار جيمس ماتيس لوزارة الدفاع ليضيف إلى طاقم ترامب واحدًا من الذين يشكلون قلقًا بالنسبة للمراقبين، فهو من أشد المناوئين لإدارة أوباما وخصوصا في الملف النووي الإيراني.
كل ذلك حتى الآن مجرد ترشيحات قوية تحتاج إلى مصادقة من قبل الكونجرس كي تمر، لكن التعيين الأخطر والذي أصبح نافذًا دون الحاجة إلى الكونجرس هو الجنرال مايكل فيلين الذي أعلن عن اختياره كمستشار للأمن القومي، وهو من الديمقراطيين، ومعروف بمناهضته الشرسة للحركات الإسلامية والتكفيرية. وتم عزله من قبل الرئيس باراك أوباما عام 2014 على خلفية خلاف حاد في شأن مناصرة الحركات الإسلامية في سوريا من قبل الإدارة الأمريكية. وبعد معارضته لتلك السياسة تم عزله وإحالته للتقاعد.
وضم الرئيس دونالد ترامب الجمهورية كاثلين ترويا «كي تي» ماكفارلاند إلى فريقه، في منصب نائبة لمستشار الأمن القومي، وستصبح ماكفارلاند الذراع اليمنى للجنرال مايكل فلين مستشار مجلس الأمن القومي. وقد بدأت ماكفارلاند حياتها المهنية في السبعينيات حين عملت مساعدة لمستشار الأمن القومي في حينه هنري كيسنجر، وكانت لا تزال طالبة، ثم عملت في وزارة الدفاع في عهد رونالد ريجين حيث صعدت سلم الترقيات وأصبحت متحدثة باسم البنتاجون مسؤولة عن خطابات وزير الدفاع في حينه كاسبار وينبرجر (1982-1985).
قابلية التوصل لتفاهمات
ورغم ما يبدو من الوهلة الاولى ان دونالد ترامب يشكل حاليا إدارة محافظة وصارمة لحكم الولايات المتحدة، إلا أن كثيرا من المراقبين يعتقدون أن الإدارة الأمريكية المقبلة «وفق خطوط تشكيلتها العريضة» ستكون منفتحة على الآخر وخصوصا الحوار مع موسكو، ومتفهمين وقابلين للتوصل إلى اتفاقات.
أما في ما يتعلق بسياسة الإدارة الجديدة في الشرق الأوسط، سيكون من الموضوعية الانتظار حتى تسمية أعضاء الفريق المختص وخصوصا وزير الخارجية ومندوب أمريكا الدائم في الأمم المتحدة.
وثمة معلومات عن ترشيحات لمنصب وزير الخارجية، يأتي في المقدمة، نيوت جينجريتش والذي عمل رئيسا لمجلس النواب، والجنرال المتقاعد ديفيد بتريوس والذي شغل مناصب عسكرية وأمنية رفيعة، من بينها قائد القوات الأمريكية في العراق عام 2007، ومدير وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية، التي استقال منها عام 2012، وكان بترايوس قد لمّح في وقت سابق إلى أنه سيخدم في إدارة ترامب إذا طلب منه ذلك.
وهناك اسم آخر مطروح بقوة للخارجية هو ميت رومني «المرشح الجمهوري للرئاسة والخاسر في انتخابات 2012» فضلًا عن اليميني المتطرف رودي جولياني عمدة نيويورك السابق ومرشح الرئاسة عام 2008. وجون بولتون، السفير الأمريكي الأسبق لدى الأمم المتحدة وأحد رموز مجموعة المحافظين الجدد، التي برزت في عهد الرئيس الأسبق جورج بوش، وهندست الحرب الأمريكية على العراق عام 2003.
والمتابع السياسي لفكر الحزب الجمهوري وطروحات اليمين الأمريكي يجد أنها دائما ما تبحث عن تعزيز المكانة الأمريكية خارج حدود الولايات المتحدة الأمريكية وفي انتقاء أكثر مناطق العالم توترًا.
يبقى القول أن العالم مقبل على بيئة استراتيجية تتميز بأنماط مختلفة من التفاعلات الدولية والإقليمية، والتي قد تتسم في أحيان كثيرة بعقلانية السيطرة لتحقيق المصالح الأمريكية، والتي لا يمكن توقعها نتيجة تلاقي طروحات اليمين المحافظ ورغبته في السيطرة العالمية وشخصية دونالد ترامب الطامحة لتحقيق حلم أمريكا أولًا وتكريس النزعة القومية الأمريكية.