إدمان التعايش مع السوق السوداء لكل شيء

الخميس، 01 ديسمبر 2016 11:43 ص
إدمان التعايش مع السوق السوداء لكل شيء
إيهاب عمر يكتب

بائع خبز يشتري يوميًا 20 رغيفًا بجنيه واحد ببطاقة ذكية، ثم يقوم ببيع أرغفة الخبز في سوق الخضار المجاور، الأرغفة الثلاثة بجنيه بعد تعويم الجنيه، لاحقًا انضم إليه العشرات من حاملي بطاقات منظومة دعم الخبز الأخيرة مقابل تقاسم الأرباح، وفي نهاية المطاف نحن نتحدث عن سوق سوداء للخبز في الأزقة والحواري والمناطق الشعبية والعشوائية تصل أرباحها إلى 400% على الأقل، دون أدنى استفادة للصناعة المصرية ودون دفع قرش واحد للضرائب.

جزار يرسل أفراد أسرته لشراء اللحوم من عربات الجيش في الميادين الكبرى بنصف ثمنها، ثم يعطي لكل فرد منهم 10 جنيهات فحسب، ويفكك التغليف ويقوم ببيع اللحوم المدعومة بضعف ثمنها كما هو في الأسواق، ما فعله هذا الجزار يقوم به زميله البقال في باقي سلع التموين والسلع التي تطرحها القوات المسلحة في عربات بالميادين الكبرى.

وزارة التموين ترسل حملة لتفتيش إحدى الأسواق الشعبية، ولكن تجار هذا السوق لديهم «صديق» في المحافظة يخبرهم قبل نزول الحملة ببضع ساعات، فيقوم أصحاب المحال في السوق بغلق المحال ثلاثة أيام كاملة هي فترة حملة التفتيش، وانتهى الأمر.

في مدخل إحدى عمائر شارع الهرم تقف ابنة البواب تتحدث علنًا مع شخص آخر على الهاتف المحمول قائلة إنها بحاجة إلى 100 دولار اليوم لأن «الطلب عالى النهاردة» وإنها سوف تتصل بـ«أم بيتر» لأن الأخيرة هي التي توفر الدولارات في «الزنقات اللى زي دي».

إنها شبكات من الفساد والسوق السوداء تمنع ثمار الإصلاح أيًا كانت من الوصول للمواطن العادي، الدولة لم تُعاقب «أم بيتر» بالسجن أو حتى المساءلة، الدولة رفعت سعر الدولار في البنوك حتى وصل للثمن الذي كانت تبيع فيه «أم بيتر» الدولار المخزن لديها وبالتالى ربحت «أم بيتر» وبشكل شرعي، هذا ما يطلق عليه «غسيل أموال»، أى أن تقوم السوق السوداء بتصريف بضاعتها في قنوات رسمية.

في اللحظة التي سوف تترنح فيها البنوك الرسمية سوف تعود السوق السوداء بكل طاقتها لأنه وباختصار لم يتم معاقبة أحد وكل رجالاته في بيوتهم ينتظرون اللحظة المناسبة.

مواجهة مافيا السكر لا تتم بإعفاء السكر من رسوم الاستيراد ما يعني معاقبة الملتزم قبل المافيا في صناعة السكر، والملتزم سوف تموت تجارته، أما المافيا فسوف تمكث في الظلام حتى تنقشع الغمة وتستمر في عملها.. مواجهة مافيا الدواجن لا تتم بإعفاء الدواجن المجمدة من رسوم الاستيراد، ما يعني تخريب رزق 4.5 مليون مواطن مصري يعملون في هذا القطاع لمجرد عدم قدرتك على فرض تسعيرة إجبارية ومراقبة السوق، والأهم من ذلك معاقبة مافيا الدواجن.

كل محاولات الدولة لصناعة سوق موازية بدلًا من السوق الفعلية لأن أسعارها أعلي من قدرة المواطن العادي سوف تصاب بالفشل على المدي البعيد بسبب السعي الدءوب لتجار السوق الفعلية على اختراق والاستفادة من السوق الموازية.

والحل؟.. الحل أن ندرك حقيقة أن اللصوص لا يمكن محاربتهم إلا بالقانون والعقاب، وليس الدخول معهم في لعبة تنافسية لن ترهق إلا المواطن العادي وتصيبه باليأس من الدولة والنظام، الحل هو إنشاء فرق عسكرية على غرار الحرس الوطني في الولايات المتحدة الأمريكية في كل محافظة، يكون لهم حق الضبطية القضائية ولديهم القدرة على الانتشار باستمرار دون توقف وبشكل يومي في الأسواق والشوارع الكبرى.

لسنا بحاجة إلى تشريع جديد أو إنشاء جهاز جديد، بكل بساطة يتم نقل جهاز حماية المستهلك من وزارة التموين إلى رئاسة الجمهورية وإعادة هيكلته بالاعتماد المادي اللازم والعنصر البشري الذي لا يقل بأي حال من الأحوال عن 200 ألف شخص من أجل المراقبة الحقيقية على الأسواق، وأن يكون لديهم الحق في الاطلاع على أوراق التوريد واستلام البضائع والتوريد النقدي، فلا يُعقل أن الأغلبية الساحقة من الأسواق والمحال الشعبية في مصر بلا ورق رسمي وبالتالي هم خارج منظومة الضرائب وعلى الورق وأمام العالم هم «عواطلية» ضمن الشرائح التي تعيش تحت خط الفقر!، هذا هو الحل للقضاء على أخطر أوجه الفساد الشعبي.

ولكن أن يستمر إدمان النظام للتعايش مع أركان المؤامرة والأزمات بهذا الشكل، فهو أشبه بمريض للسرطان يأمل في أن يذهب المرض ببعض الحقن المسكنة فحسب.

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق