صحف باكستانية تكشف «الفساد القطري» خارج حدود الدوحة (تقرير)
الإثنين، 05 ديسمبر 2016 12:00 م
خطاب طويل يحتوي على وثائق يتجاوز عدد أوراقها الـ300 صفحة، قدمه رئيس الوزراء القطري السابق حمد بن جاسم آل ثاني للمحكمة الباكستانية التي تنظر قضية رئيس الوزراء الباكستاني نواز شريف، الذي تلاحقه اتهامات الفساد وغسيل الأموال، حول الأصول التي يمتلكها في العاصمة البريطانية لندن، وهي القضية التي أثارت ضجة كبيرة وجدلًا واسعًا في الداخل الباكستاني في الأيام الماضية.
المسئول القطري السابق أكد في خطابه أن ممتلكات رئيس الوزراء الباكستاني وأبناءه تم شراءها من خلال مجموعة من الاستثمارات القطرية في بريطانيا، موضحًا أن تلك الممتلكات هي في مجملها من جراء تسويات حسابية بين الشركات المملوكة لعائلة شريف، وتلك التابعة للأسرة الحاكمة في الإمارة الخليجية، موضحًا أن جذور الشراكة بين العائلتين ترجع لعقود طويلة من الزمان، وهو الأمر الذي يثير الشكوك حول تورط عائلة الأمير القطري في قضايا فساد وغسيل أموال مع رئيس الوزراء الباكستاني.
العباءة القطرية
التورط القطري في قضية إخفاء الثروات ليس بالأمر الجديد، حيث أن تسريبات بنما سبق وأن كشفت تورط الأسرة القطرية الحاكمة في قضايا تهرب ضريبي وغسيل أموال، إلا أن الأمر الذي ربما يثير قدرًا من الجدل هو ظهور لاعبين جدد لم تذكرهم تلك الوثائق، من بينهم عائلة رئيس الوزراء الباكستاني نواز شريف، والذي لم يذكر اسمه في تلك الوثائق إلا أنه ربما كان يتحرك خلف العباءة القطرية.
الاهتمام الكبير من جانب رئيس الوزراء القطري السابق لتبرئة رئيس الوزراء الباكستاني لم يتوقف على مجرد إرسال مذكرة لتوضيح الشراكة بينهما، وإنما امتد كذلك إلى حرصه على زيارة العاصمة الباكستانية إسلام أباد السبت الماضي، حيث كان بصحبته وفدًا مكونًا من 13 فردًا ينتمون جميعًا إلى الأسرة الحاكمة في قطر، وكان في استقبالهم نجل رئيس الوزراء الباكستاني حسين نواز، وهي الزيارة التي تأتي ربما لمزيد من التنسيق حول القضية المثارة حاليًا، بحسب ما يرى قطاع كبير من المتابعين والمحللين.
تقول صحيفة "إكسبريس تريبيون" الباكستانية، في مقالها الافتتاحي الأسبوع الماضي، أن ظهور رئيس الوزراء القطري السابق في المشهد الباكستاني يثير تساؤلات عدة حول الدور الذي تلعبه الإمارة الخليجية، ليس فقط من أجل تحقيق المكاسب المالية لصالح أفرادها بطريقة غير شرعية، ولكنها تمتد إلى السعي نحو إغواء أصحاب السلطة في الدول الأخرى ربما لاستخدامهم كورقة رابحة في المستقبل لتحقيق مصالحهم على المستوى الدولي.
كسر عين الغرب
يبدو أن الصفقات القطرية المشبوهة لا تقتصر بأي حال من الأحوال على الحكومة الباكستانية، لكنها تمتد إلى الحكومات الغربية، ولعل الدليل الأبرز في هذا الإطار يتمثل في السعي القطري على التمدد بصورة كبيرة داخل العاصمة البريطانية لندن وغيرها من الدول الأوروبية الأخرى، حيث تملك العائلة الحاكمة في قطر استثمارات بمليارات الدولارات هناك، وهو الأمر الذي ترغب من خلاله الإمارة الخليجية في إجبار الغرب على تجاهل انتهاكاتها المتزايدة ودعمها للإرهاب.
ويقول الباحث السياسي داني ماكي، والمتخصص في دراسات الأمن بالشرق الأوسط، أن الحكومة القطرية هي الداعم الأكبر للإرهاب في العالم، بل وأنها المحرك الأول لالة الدماء في الشرق الأوسط، حيث أنها تقدم دعمًا سياسيًا للعديد من الحركات والتنظيمات المتطرفة، كما أنها تتجاهل أيضًا على الجانب الأخر قيام مواطنيها، وهم غالبا من المنتمين للأسرة الحاكمة في الإمارة الخليجية، بتقديم الدعم المالي للعديد من تلك التنظيمات.
وأضاف ماكي في تصريح أبرزته "التليجراف" البريطانية، أن الغرب يبدو مضطرًا لتجاهل التجاوزات القطرية في ظل تردي الأوضاع الاقتصادية في المرحلة الراهنة، وبالتالي فلديه حاجة ملحة لاستمرار تدفق الأموال القطرية للاستثمار داخل مختلف العواصم الأوروبية، موضحا أن بريطانيا تبدو المستهدف الأكبر للإمارة الخليجية، حيث تسعى الدوحة إلى الاستفادة من النفوذ السياسي البريطاني كعضو دائم في مجلس الأمن الدولي من أجل اكتساب المزيد من النفوذ من جانب، وكذلك حتى لا تتعرض الإمارة لضغوط دولية من جراء دعمها للإرهاب.
سياسة اللعب على المكشوف
تتنوع التحركات القطرية بين صفقات تتم في الخفاء، كما هو الحال في الشراكة بين أسرة أمير قطر الشيخ تميم بن حمد، ورئيس الوزراء الباكستاني، وأخرى ضمنية، كما هو الحال في العلاقة مع أوروبا والتي تقوم على فكرة المال مقابل الصمت، وصولًا إلى اللعب على المكشوف مع الولايات المتحدة، حيث أن الإمارة القطرية اتجهت خلال السنوات الأخيرة لتحدي الولايات المتحدة بشكل علني بتعيين أعضاء فاعلين بتنظيم القاعدة الإرهابي كمسؤولين في الحكومة القطرية.
إمارة تميم قامت بتعيين سالم راشد الكواري بوزارة الداخلية القطرية، وذلك بالرغم من قيامه بضخ ملايين الدولارات للتنظيم المتطرف، وهو الأمر الذي دفع الحكومة القطرية نفسها بالتحقيق معه عدة مرات، حيث أنه يحظى بدعم كبير من الشيخ عبد الله بن خالد الثاني، وهو أحد أفراد الأسرة الحاكمة، وسبق له أن شغل منصب وزير الشئون الدينية هناك، وذلك بالرغم من أن الرجل تم وضعه في قائمة الإرهاب التي تعتمدها الولايات المتحدة.
ويقول المحلل السياسي جيرمي شابيرو في مقاله له بمجلة "فورين بوليسي" الأمريكية، أن المواقف القطرية المناوئة للإدارة الأمريكية تأتي من جراء الإحساس القطري بحاجة الولايات المتحدة لاستخدام قاعدتها العسكرية "العديد"، وذلك لحماية المصالح الأمريكية في منطقة الخليج، موضحًا أنه طالما كان هناك إحساس لدى الأسرة القطرية الحاكمة بحاجة الولايات المتحدة لها، سوف تكون هناك المزيد من المواقف التي سوف تتحدى فيها قطر الولايات المتحدة في المستقبل.