هل عبد المصريون الأصنام؟

الإثنين، 12 ديسمبر 2016 12:39 م
هل عبد المصريون الأصنام؟
إيهاب عمر يكتب

لعل واحدة من أكبر كوارث العقلية المصرية في العقود الأخيرة هو استبدال علم الأديان «ويسمى علم الفقه أو علم اللاهوت» (Theology) بعلم الأساطير (Mythology) وقد ساهم في هذا الطرح نظام التعليم المصري المتخلف عن العصور كافة، بالإضافة إلى زحف التطرف الديني ما جعل العقلية المصرية تجنح إلى تصديق الخرافة بدلًا من التحكيم للعلم والعلماء حتى لو كانوا ينتمون إلى العصور الإسلامية، وتكللت منظومة الجهل بوابل من الكتاب الذين يكتبون في جميع المجالات دون قراءة تذكر.

وسارت لوثة بين الأقلام والعقول لتكفير الشعب المصري قبل ظهور الإسلام، مع ظهور الفكر الشاذ بتحويل الأديان إلى قوميات، وراحت هذه الكتابات تحاول صناعة تاريخ موازي للتاريخ الحقيقي.

ولكن ماذا عن هذا التاريخ الحقيقي؟ ما هو وأين نجده؟ المؤرخ التونسي ابن خلدون «1332 – 1406»، مؤسس علم الاجتماع، رغم تعريفه اليوم في المراجع باعتباره عالمًا تونسيًا من أسرة أندلسية «من إشبيليه تحديدًا» يرجع أصولها إلى حضرموت في اليمن إلا أنه عرف في عصره باعتباره مصريًا لقضائه ثلاثة عقود من عمره في مصر وتولى منصب قاضي المالكية «أهل السنة على المذهب المالكي» في عصر السلطان الظاهر سيف الدين برقوق، سلطان مصر والشام، وقد دفن ابن خلدون في مصر.

يقول عبد الرحمن بن محمد بن محمد بن خلدون الشهير بـ ابن خلدون، في كتابه الشهير الذي يحظى بتبجيل جميع المحافل العلمية وترجم إلى عشرات اللغات «العبر وديوان المبتدا والخبر»: كان أهل مصر صابئة قبل اعتناق المسيحية.

المؤرخ المصري جمال الدين أبو الحسن علي بن يوسف القفطي «1172 – 1248»، ولد في مدينة قفط بمحافظة قنا، عاش في زمن الدول الأيوبية في مصر والشام، وتنقل ما بين القاهرة والقدس وحلب، تولى رئاسة القضاء في حلب الأيوبية.

يقول «القفطي» في كتابه الشهير «إخبار العلماء بتاريخ الحكماء»: الصابئة هم أهل مصر في سالف الزمان، وظلوا كذلك حتى انتهاء عصر الأسرة الثلاثين.

المؤرخ والفيلسوف والفقيه العباسي أبو الفتح تاج الدين محمد عبد الكريم الشهرستاني «1086 – 1153» شهرستان في خراسان الواقعة اليوم في إيران، من أهل السنة الأشعرية، يعتبر كتابه «الممل والنحل» من أهم المراجع في التاريخ حول الأديان قبل الإسلام والطوائف الإسلامية، في هذا الكتاب يقول الشهرستاني: كان القدماء المصريين من أتباع النبي إدريس نبي الصابئة.

إذن هنالك إجماع في المراجع الحقيقية المعترف بها أن المصريين كانوا من الصائبة، ولكن ماذا عن الآلهة رع وآمون وحورس وغيرهم والملك أبن الرب، ومن هم الصابئة وما هو تاريخهم؟
الصابئة هم دين سماوي، هم قوم آدم عليه السلام، ثم كانوا من قوم إدريس ونوح وزكريا ويحيى عليهم السلام، الصابئة ديانة لم تندثر بعد فهم موجودين اليوم في العراق وفي إقليم عربستان الذي تحتله إيران، ويطلقون على أنفسهم اليوم الصابئة المندائيين نسبة للنبي يحيى عليه السلام.

عالمة الأنثروبولوجيا البريطانية أثيل ستيفانا دراور، «الليدي دراور، Ethel Stefana Drower) «1879 – 1972) عاشت بين الصابئة المندائيين 14 عامًا تدون تاريخهم وديانتهم، وخرجت بكتاب (The Mandaeans of Iraq and Iran) المندائيين في العراق وإيران عام 1937.

تقول الليدي دراور، في كتابها إن صابئة العراق وإيران اليوم سبق وأن كان لهم امتداد في الأردن وفلسطين، وهذه الشعوب هجرت من مصر أصل الديانات الصابئة، وهم لا يعبدون الكواكب والنجوم كما يدعى البعض بل هم يعبدون تعاليم أنبياء إدريس ويحيى، وإن كافة تعاليمهم الدينية تلك منقولة من كهنة معابد الحضارة المصرية القديمة، وتحديدًا كانت تعاليم النبي إدريس هي المنتشرة في المعابد المصرية القديمة.

وقد ذكر الصابئة في القرآن الكريم في أكثر من موضع منها سورة البقرة – الآية 62 «إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آَمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ»، وسورة المائدة – الآية 69 «إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئُونَ وَالنَّصَارَى مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ».

الفقيه الحنبلي السوري تقي الدين ابن تيمية «1263 – 1328» قال في كتابه «الديانات والعقائد» نصًا أن «الصابئون أهل كتاب» و«الصابئة دين صحيح وهم ذوو عقيدة مؤمنة صالحة»، وكتب المؤرخ والفقيه الحنبلي العراقي أبو الفرج ابن الجوزي «1116 – 1201» في كتابه الشهير «تبليس إبليس» أن من أهل الكتاب يقولون لا إله إلا الله، علمًا بأن كلاهما عرف بالآراء المتشددة.

ولكن ماذا عن رع وآمون وغيرهم؟ الإجابة في نصوص الصابئة الموجودة حتى اليوم في العراق وإيران، ينص دين الصابئة على أن الإِله الخالق الواحد الأزلي لا شريك له وهنالك 360 شخصا يعملون عند الله مسئولين عن الموت، والشمس، والقمر، والخير، والشر، والخصوبة، والفيضان، يسمى كل فرد منهم برب المسئولية التي اختاره الله لها تماما كما نقول اليوم رب العمل أو رب الأسرة أو ربة المنزل، نحن لا نقصد بأي حال من الأحوال أن نضفي صفة الألوهية على رئيس العمل أم السيدة التي ترعى منزلها ولكن المقصود هو المسئولية.

وبالتالي حينما أشار المصريين إلى رب النيل والفيضان حابي، فالمقصود هنا ليس أن هذا آله يعبد ولكن حابي هو مسئول المكلف من قبل الله «الإله» عن النيل والفيضان، وسبق للباحث المصري نديم السيار، الذي أقام لسنوات مع الصابئة في العراق أن وضع دراسة كاملة بهذا المعنى نشرت في كتاب بعنوان «ليسوا آلهة بل ملائكة»، وقد بني المصريين لهؤلاء التماثيل تبجيلًا واحترامًا وليس بغرض العبادة إذ أن المعابد المصرية كافة كانت تعبد وتصلي لله.

أما مصطلح ابن الرب الذي كان يطلق على الملك، فالدول المصرية القديمة كانت ثيوقراطية أي نظام الحكم كان دينيًا، فالمصطلح سياسي وليس ديني وليس المقصود منه المدلول الديني، إذ لا يقصد المصريين أن يكون الملك هو ابن الله، خاصة أن الملك عادة ما كان ابن ملك سابق عاش بين المصريين بالفعل، المصطلح معروف واستخدم في جميع الأنظمة الثيوقراطية السياسية.

لم يعبد المصريين التماثيل، ولم يسجوا لتمثال أو بشر قط، لقد عرف المصريين منذ فجر تاريخهم الثواب والعقاب والحياة الثانية وقيم الخير والشر ليس من فراخ، إذ كانوا يتلقون التعاليم السماوية أولا بأول عبر ديانات أنبياء الله آدم ونوح وإدريس في المقام الأول، وكانت تعاليم إدريس عليه السلام هي المؤسسة للديانة المصرية القديمة، وتخلل هذه العصور إقامة النبي إبراهيم لفترة طويلة في مصر وزواجه من السيدة هاجر المصرية، وتتبع الباحث المصري نديم السيار، أثر هذه الفترة في كتابه «القدماء المصريين أول الموحدين» وكتابه الثاني «المصريون القدماء أول الحنفاء».

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق