«انقلب السحر على الساحر».. «أردوغان» في مرمي نيران الإرهاب (تقرير)
الثلاثاء، 20 ديسمبر 2016 11:16 ص
تعيش تركيا حالة من الذعر والفزع، بعد اغتيال السفير الروسي في تركيا، إثر إطلاق النار عليه من قبل ضابط تركي سابق في عملية إرهابية أسفرت عن إصابة عدد من الأشخاص الآخرين ومقتل منفذ الهجوم، ولم تكن هذه العملية الإرهابية الأولى من نوعها في أنقرة، حيث شهدت البلاد العديد من العمليات الإرهابية بين الحين والآخر في الفترة الماضية، الأمر الذي رآه مراقبون بأنه نتيجة طبيعية لسياسات تركيا في المنطقة ودعمها اللا محدود للمتطرفين وخاصة في سوريا ومصر، وهو الأمر الذي لم تسلم منه أنقرة فأردت الإرهاب ليضرب البلاد ويعشيها في ظلام دائم.
وحاول الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، في بداية ما تعرف بثورات الربيع العربي، استثمار أزمات المنطقة من أجل تحقيق مكاسب من ورائها فمن ناحية لفرض نفوذ أنقرة السياسي في وقت تشهد فيه الدول سقوط سهل للأنظمة، ومن ناحية توجيه المتشددين والمتطرفين داخل الدول لتحقيق أهداف كبرى سواء كانت اقتصادية أو سياسية.
من ناحية الأزمة السورية، بالفعل أقر الكثير من الخبراء، بأن الحكومة التركية ومن ورائها الرئيس أردوغان، استفادوا من الوضع والفوضى المنتشرة هناك خلال عمر الأزمة السورية، وبحسب تقارير عرضتها الوكالات الروسية والسورية تجنت أنقرة ومسئولو الحكم الكثير من المكاسب وراء تنظيم «داعش» الإرهابي، منها شراء النفط بثمن بخس في مقابل فتح الحدود وعلاج أفراده، وهو الأمر الذي استفاد منه التنظيم والجماعات المسلحة الأخرى لاكتسابهم النفوذ الواسع في سوريا والتعامل معهم على أساس كونهم كيانات موجودة وقائمة يمكن التفاوض والتعامل معها.
من ناحية أخرى، استمرت السياسات العبثية للحكومة التركية في المنطقة بدعم جماعة الإخوان الإرهابية، لبسط النفوذ على دول العالم العربي والإسلامي رغم كل ما فعلته من أعمال عنف في مصر، وما زاد على ذلك استضافتها لقيادات جماعة الإخوان الإرهابية الهاربة من مصر والمتورطين في عنف، كما ساعدتهم في إطلاق عدد من القنوات الفضائية للهجوم على الحكومة المصرية، الأمر الذي يفسر حالة العداء بين الحكومتين التركية والمصرية، في أعقاب ثورة 30 يونيو التي أسقطت نظام الإخوان في مصر.
ولم تكن مصر وسوريا، الدولتان الوحيدتان المتأذيان من السياسات التركية تجاه المنطقة، حيث تأذت دول مثل ليبيا، والعراق، ودولًا أخرى، بعد انتشار الفكر الأيدلوجي الأكثر تشددَا وتطرفًا جراء الدعم التركي، ففي ليبيا استمرت الأزمة بعد إسقاط الرئيس الليبي معمر القذافي، وذلك على خلفية دعم أنقرة وقطر للجماعات المسلحة، وهو أمر أدى بالضرورة إلى إطالة أمد الأزمة وزيادة رقعة المتطرفين وهو أمر يكافحه الجيش الليبي والقوات الحكومية حتى الآن.
وفي العراق، استفادت أنقرة من الوضع الهش للحكومة والسلطات العراقية، وبدأت تستخدم مؤيديها في الداخل لزعزعة استقرار الحكومة العراقية، وبدا استغلال تركيا لتمدد «داعش» في العراق وفرض نفوذه في منطقة الموصل بأكملها لا سيما بعدما دخلت القوات التركية في الشمال العراقي، وتمركزت فيها بحجة مكافحة الإرهاب على الرغم من أنها كانت له الملاذ الآمن وذلك على خلفية مرور جميع العناصر الأجنبية والمسلحين المتطرفين عبر تركيا إلى سوريا والعراق.
لكن الآن يرى المراقبون، أن حكومة أردوغان تحصد ثمار سياستها التي أفرزت أغلب أزمات الدول في منطقة الشرق الأوسط، فبدأ ينقلب منذ فترة السحر على الساحر خاصةً وإن جميع الخبراء يروا أن الإرهاب لا يمكن ترويضه وتحقيق مكاسب سياسية منه، إلا وأن يلدغ في النهاية منه أصحاب هذه المكاسب الأمر الذي أدى إلى خسائر كبيرة في الأرواح.
يقول المحل السياسي، والخبير في الشئون الدولية، فادي عاكوم، إنه لا شك أن عملية اغتيال السفير الروسي في تركيا هي نتيجة طبيعية للدعم الكامل والتام الذي قدمته تركيا خلال السنوات الماضية للإرهاب والإرهابيين، مؤكدًا تركيا أردوغان دعمت الإرهاب في سوريا، وسهلت انتقال المقاتلين الأجانب المنتمين للجماعات الإرهابية، ومنها «جبهة النصرة، وداعش، والإخوان الإرهابية»، وبالتالي كان من الطبيعي أن ينتشر الفكر الإرهابي في الداخل التركي الذي أوصل إلى اغتيال السفير الروسي.
وأشار «عاكوم» لبوابة «صوت الأمة»، أن روسيا أصرت خلال الفترة الماضية على التخلص ليس فقط من «داعش» بل من جميع التنظيمات المتأسلمة العاملة في سوريا والمدعومة بشكل علني من تركيا، مؤكدًا أنه بعد التقارب التركي الروسي في الأشهر القليلة الماضية كان بالإمكان حصر هذه المجموعات في مناطق معينة في الشمال السوري وسحبها نهائيا من مناطق حلب، وحماة، وريف دمشق، على أن تشكل الحزام الأمن للدولة التركية.
وأضاف لكن بعد هذه العملية سنرى الغضب الروسي منصبا على الكثير من التجمعات الإرهابية كإدلب وجرابلس وغيرها، أي وبمعنى أوضح فإن الخطوط الحمراء أُسقطت وبات على الأتراك ومن معهم من منظمات إرهابية جني ثمار أعمالهم وثمار أفكارهم التي تم نشرها طيلة السنوات الماضية، مؤكدًا أنه من شان هذه العملية أن توقف أو تعرقل المفاوضات الجارية بين موسكو وأنقرة على جميع الأصعدة خصوصا من الناحية العسكرية، بالإضافة إلى تعطيل مفاوضات الغاز التي كانت قد وصلت إلى نهايتها والمتعلقة بإيصال مادة الغاز إلى أوروبا، ومن المتوقع أن توقف روسيا جميع رحلاتها الاقتصادية والسياحية إلى أنقرة، وهو إجراء طبيعي كون هذه الضربة ليست الأولى إذا ما أخذنا بالحسبان إسقاط الطائرة العسكرية الروسية منذ فترة فوق الأراضي السورية.