ما وراء احتجاجات «بجاية» الجزائرية (تقرير)

الخميس، 05 يناير 2017 02:04 م
ما وراء احتجاجات «بجاية» الجزائرية (تقرير)
محمود علي

شهد 2017 بداية مختلفة في الجزائر عن الأعوام السابقة، ففي بدايته تسود حالة من الغليان الواسعة لدى جزء من الشعب بسبب الأوضاع الاقتصادية الصعبة تكللت في مظاهرات واحتجاجات في بعض المدن بالعاصمة الجزائرية، فيما حذرت بعض الدعوات الرسمية والحقوقية من استغلال هذه الأوضاع لمحاولة ضرب استقرار الجزائر، وتحويل البلاد إلى فوضى عارمة، لاسيما وأن هذه الاحتجاجات صاحبتها عمليات تخريب من قبل بعض المندسين، التي اتهمتهم السلطات الأمنية بأنهم ورائهم أطراف «لم تسمها» يرغبون في زعزعة أمن البلاد.

وفي خلال الأيام الماضي، شهدت العديد من المناطق الجزائرية إضرابات واحتجاجات، تنديدًا بتراجع القدرة الشرائية للمواطنين أمام موجات الغلاء الكبيرة التي تعرفها البلاد في الآونة الأخيرة بسبب بعض القرارات الاقتصادية التي أخذتها الحكومة الجزائرية في الموازنة العامة لعام 2017 على خلفية تراجع أسعار النفط، وانطلقت شرارة المظاهرات في مدينة بجاية المعروفة بطبيعتها القبلية حيث استجاب تجار المدينة لدعوات إضراب شامل وإغلاق المحلات الإثنين الماضي، الأمر الذي تم بشكل واسع في المدينة على الرغم من عدم وضوح مصدر هذه الدعوات إلى الإضراب.

وسرعان ما تحولت هذه الاحتجاجات إلى أحداث شغب واسعة بين مجموعة من الشباب وقوات الأمن الجزائري، أسفرت عن عمليات تكسير للمحلات وأعمال سرقة وحرق ونهب للممتلكات العامة، وهو ما استهجنه الجميع، خاصة وأن البلاد معروفة باستقرارها النسبي عن باقي دول العالم، ليخرج كثير من الناشطين الحقوقيين المعترضين على الوضع الاقتصادي ويتبرأون من مصدر هذه التصرفات التي وصفوها بالمجهولة، الأمر الذي يؤكد أن هناك استغلالًا واضحًا للأمر من قبل بعض العابثين بأمن الجزائر.

بينما امتدت موجة الاحتجاجات بعد اهتمام وسائل التواصل الاجتماعي «فيس بوك» و«تويتر» بأحداث جباية، إلى الولايات المجاورة مثل البويرة وبومرداس، لتصل مؤخرًا إلى العاصمة، بقيت هذه الاحتجاجات محصورة في نطاق ضيق بحسب الأوساط الإعلامية الجزائرية، ولم ينخرط قطاع واسع من الجزائريين فيها، واستقبلها فئة واسعة أخرى بنوع من التوجس والتشكيك في مصدرها، الأمر الذي طرح على أثره الكثير تساؤلات عن أحداث العنف التي لقيت استهجانًا واسعًا، والتخوف من الفوضى العارمة بدواعي المطالبات الاقتصادية.

فيما صاحبت هذه التوجسات تحذيرات من قبل البعض على صفحات «فيس بوك» مدعمين ذلك بصور الخراب والدمار الذي حل دول عربية في محيط الجزائر، الأمر الذي أعاد استحضار ما عاشته البلاد خلال التسعينيات فيما يعرف بالعشرية السوداء والتي عانت فيها الجزائر من ظاهرة الإرهاب وغياب الأمن الذي ساد لأكثر من عشر سنوات.

ويربط الكثيرون الوضع الاقتصادي الصعب الذي تمر به الجزائر، بهبوط أسعار النفط عالميًا، منوهين بأن اقتصاد البلاد يعتمد بشكل واسع على الموارد النفطية، الأمر الذي أدى إلى زيادة العجز في الموازنة العامة، وهو ما انعكس على تدهور المستوي المعيشي والغلاء في المواد والسلع الغذائية، وارتفاع مستويات البطالة، وتراجع الإنفاق على المشاريع ذات الطابع العمومي، فضلًا عن التراجع المريع في قيمة الدينار الجزائري أمام العملات الأجنبية الرئيسية، وأكد رئيس الوزراء الجزائري عبد المالك سلال الأسبوع الماضي، إن احتياطي الجزائر من النقد الأجنبي انخفض أكثر من الثلث ووصل إلى نحو 114 مليار دولار مع نهاية عام 2016، بعدما كان 190 مليارًا نهاية عام 2013، وذلك بسبب تهاوي أسعار النفط.

في المقابل وأمام هذه الاحتجاجات توعد وزير الداخلية الجزائري نور الدين بدوي، بالردّ بقوة على أحداث العنف متهّمًا أطرافًا لم يسمّها بمحاولة زعزعة استقرار البلاد وأمنها، ومؤكدًا أن القانون سيقف لهم بالمرصاد.

وحذر الوزير الجزائري من وجود أطراف داخل وخارج البلاد تريد ضرب استقرار البلاد وتعمل على تأجيج النعرات سعيًا منها لزرع التشكيك في نفوس الجزائريين واختبار مدى تمسكهم بوطنهم وقيمهم وثوابتهم، مؤكدًا بأن هذه الأطراف «لم ولن تبلغ مقاصدها» وأنها «واهمة» وكانت الرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الإنسان، دعت إلى عدم الانجرار وراء دعوات العنف والتخريب مطالبة الجزائريين بتوخي الحذر، وعدم الانجرار وراء مخططات الفتنة، فيما أوقفت أجهزة الأمن الجزائرية، 39 شخصا بتهمة التورط في أعمال الشغب التي شهدتها عدة أحياء بالجزائر العاصمة.

يقول الدكتور فاتح الربيعي الأمين العام السابق لحركة النهضة بالجزائر أن الأحداث التي شهدها الجزائر في الفترة الأخيرة والمتمثلة في الاحتجاجات محدودة جدًا، ولم تشمل حتى ولاية بجاية كاملة كما يدعي البعض، مؤكدًا أنها في الأغلب هي مطالب ولكنها قد تتحول إلى مطالب سياسية مستغل البعض هذا الأمر لتشوية سمعة الجزائر وزعزعة استقرارها.

وأضاف «هناك بالفعل نظر من قبل المواطنين لبعض القوانين على إنها لا تتناسب القدرة الشرائية لهم، ومن ثم ترفض هذه القوانين، ولكن في العموم أن ينعكس هذا الرفض على استقرار الجزائر ونعود بالبلاد إلى عشرات السنوات من العنف والدمار(في إشارة إلى العشرية السوداء) فهذا أمر مرفوض، مؤكدًا أن حركته تستهجن جميع أشكال العنف والفوضى التي تصدرت المشهد في الأيام الأخيرة الماضية، مشيرًا إلى ما يحدث في المنطقة من اضطرابات بسبب أعمال العنف والفوضى التي تجنبته الجزائر خلال السنوات الماضية بعد ثورات الربيع العربي.

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق


الأكثر قراءة