الرئيس متى يشكل استثناء

الأحد، 15 يناير 2017 10:14 ص
الرئيس متى يشكل استثناء
حسن مشهور يكتب:

في فترة الإعداد لحملة انتخابات مرشحي الرئاسة الأميركية؛ راهن العرب كثيرًا على المرشحة الديمقراطية هيلاري كلنتون، في الوقت الذي نظروا فيه للمرشح الجمهوري دونالد ترامب بعين السُخرية وتداولوا بعض مقاطع الفيديو القديمة له والتي تعكس نزق الرجل وبعض تصرفاته التي غلب عليها طبعه العابث من وجهة نظرهم الشخصية.

مقاطع الفيديو هذه صحبتها كلمات وعبارات غُلفت بالسخرية عن الرجل وعن مصير أمريكا والعالم في حالة فوزه في الانتخابات الرئاسية. لكن ما جهلناه كعرب أن الغرب ينظر للسياسي الذي يمارس سلوكًا اعتياديًا مع القليل من المرح والسخرية الظريفة في حياته اليومية، بأنه الأقدر على تفهم واقعه الحياتي والأكثر أهلية لتمثيله سياسيًا.

فالسياسي الغربي الذي يتناول البوظة في متجر حلوى صغير ويتحدث إلى الغرباء منهم على سبيل المثال، ويداعب كلبه أو ينزهه أمام المارة هو من يُنظر إليه على أنه شخصية سوية تمارس سلوكًا اعتياديًا، وينبغي أن ينال ثقتهم، بل يُنظر إليه باحترام شديد.

أما المجتمع العربي فقد اعتاد المسؤول الذي تعكس قسمات وجهه الصرامة وترى الجدية في عينيه، أو فلنقل هي ثقافتنا التي جعلتنا نؤمن بأن المسؤول ينبغي ألا يُرَى ضاحكًت أو أن ينزل للميدان لملامسة حياة مواطنيه ولمشاركتهم عن قرب همهم الحياتي؛ إذ إن مثل هذا الأمر يعد مثلمة لشخص المسؤول وانتقاصًا من مقامه الرفيع.

في حين أن الرؤية الغربية تقف على النقيض من ذلك تمامًا، فكلما كان المسؤول أقرب للناس ويعش يومه بلا تكلف؛ فهو في نظرهم الأنجح، كونه سيكون الأكثر تفهمًا لاحتياجات الشعب ولظروفهم الحياتية والمعيشية العديدة.

وعند العودة لفترة السباق الرئاسي، نجد أنه في الوقت الذي ركزت فيه كلينتون على من يوصفون بكونهم الخيرين في المجتمع الأميركي، كان ترامب يخاطب النازيين الجدد وأهالي المتضررين من 11 سبتمبر وكارهي الأديان –الإسلامي على وجه الخصوص - بأنه سيجعل أميركا للأميركيين وسيبعد المتطرفين الإسلاميين عن تراب أرض الأحلام.

ترامب في قرارة نفسه كان يعي بأن خطابه لاعقلاني ويخلو من المعايير الأخلاقية، لكنه في ذات الوقت كان يفقه قواعد اللعبة جيدًا ويدرك أن أبسط خطوطها هو العزف على وتر الإرهاب المتولد عن أتباع الإسلام المتشدد.

كما أنه يعي في ذات الوقت بأنه لن يستطيع الالتزام بوعوده لناخبيه، خاصة ما يتعلق منها بمحاربة التواجد الإسلامي وفرض المزيد من القيود على المسلمين المقيمين على التراب الأميركي، كونها أمور تتعارض مع أبسط قواعد الديمقراطية الغربية القائمة على حفظ حقوق الأقليات.

والآن وبعد فوز ترامب فماذا عسى العرب فاعلون بعد تسلمه لزمام السلطة في بلده في العشرين من يناير الراهن؟.. حقيقة، إن الإجابة عن هكذا سؤال هو أمر شائك، كتعقيدات القضايا العربية وشائكيتها.

فالغرب، في الحقيقة لا يملكون عصا سحرية لحل مجمل قضايانا، كما أنهم في الأصل غير مسؤولين عنا وعن صراعاتنا الداخلية وتفرقنا وغبائنا السياسي الذي أدخلنا ولا يزال في العديد من التعقيدات الحياتية.

ففلسطين لايزال ملفها مفتوحًا منذ أكثر من نصف قرن، والعراق لا يزال يغلي، وأهالي سوريا في شتات، كما أن الخلافات العربية المعلن منها وغير المعلن لا تزال تسم وجه الأمة العربية بكآبة الانكسار وترسم فيه أخاديد عميقة جراء وقوفنا ضد كل بارقة أمل في توافقٍ عربي أو وحدة عربية، أو على الأقل وحدة الكلمة والموقف العربيين على أسس مثالية وصحيحة.

دونالد ترامب يا عرب لن يكون حالة استثنائية عمن سبقوه، كما أنه يا سادة لن تكون لديه عصا سحرية لحل كل إشكالياتنا وقضايانا العربية العالقة. بل سنجده في أول عامين من رئاسته سيحرص على إحداث تأثير داخلي إيجابي في وطنه كي يضمن رضا الناخب الأميركي عن أدائه، الأمر الذي سيمكنه مستقبلا من الترشح لفترة رئاسية جديدة.

دونالد ترامب يا سادة -في اعتقادي- سيفكر في أميركا وفي مصالحها القومية أولًا وكل ما عداها سيكون أمرًا ثانويًا، فهل سنعي ذلك وهل سيأتي ذلك اليوم الذي سنلتفت فيه لمصالحنا وخيرنا كأمة عربية واحدة؟.

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق


الأكثر قراءة