محارب على جبهة التدين المغشوش
الإثنين، 16 يناير 2017 11:04 ص
▪ عادة ما تنسى مصر علماءها ومفكريها العظام، وتضرب بهم عرض الحائط، فهذا الشيخ محمد الغزالي تهمل مصر ذكراه دائمًا وتطمس معالم فكره رغم أننا أحوج ما نكون إلى فكره وعطائه ومنظومته الفكرية الرائعة لمواجهة كل الأفكار المتطرفة يمينًا أو يسارًا، سواء كانت داعشية أو قاعدية أو تكفيرية أو تفجيرية أو إلحادية.
▪ لقد خاض الفارس الهمام محمد الغزالي مئات المعارك الفكرية قبل أن يسقط من على جواده وهو يخوض إحدى معاركه الفكرية في مهرجان الجنادرية الثقافي بالسعودية بعد طول ترحال في رحاب الدعوة الإسلامية، لم يعرف هذا الداعية الجسور الهدوء ولا الراحة، ليستقر جسده إلى جوار جسد حبيبه الأثير محمد.
▪ لقد توقف قلبه المحب للإسلام فجأة بعد طول خفقان.. وما بين البداية والنهاية شوط طويل من محاربة كل من يتهجم على الإسلام أو يزور رسالته أو يشكك فيها أو يضعها في غير موضعها.
▪ لقد سماه والده بهذا الاسم لأنه كان يحب حجة الإسلام الغزالي فرأى في المنام أن يسمى غلامه الجديد باسمه.
▪ وكان محمد الغزالي يقول عن نفسه: «إذا كان الغزالي يحمل دماغ فليسوف وابن تيمية يحمل رأس فقيه فإنني اعتبر نفسي تلميذًا لمدرسة الفقه والفلسفة معا».
▪ وهذه حقيقة فقد كان الغزالي يجمع بين الفلسفة والفقه والأدب والدعوة إلي الله في منظومة متكاملة.. فلا يمرر حديثا إلا وتمعن وتفكر فيه.. ولا يمرر رواية في السيرة إلا وتأملها وتفحصها وطابقها بالقرآن وصحيح السنة.
▪ لقد اهتم الغزالي اهتمامًا كبيرًا بمقاومة التدين المغشوش الذي يلامس الشكل ويهمل المضمون ويهتم بالمظهر ويدمر الجوهر.. فإذا به يصيح صارخًا «ما الحال إذا نشط الكافرون وكسل المؤمنون؟ ما الحال إذا كانت أيدي غيرنا لبقة في الزراعة والصناعة والتجارة والإدارة؟ وكنا نحن مكتوفي الأيدي في تلك الميادين كلها، أينتصر الإيمان بهذا التبلد العقلي والتماوت المادي والأدبي؟ أم يدركه الخذلان في كل موقعة».
▪ لقد كانت معظم حروب الغزالي على جبهة المسلمين الداخلية التي أصابها العوار والخلل.. فقد أصيب المجتمع المسلم بداء عضال هو التدين المغشوش والمدسوس الذي لم تعرفه قرون الإسلام الأولى، فها هو يتكلم وكأنه يشخص أدواء أيامنا أو يعيش بيننا الآن «فالمسلمون متأخرون عقليا ً تأخرا ً يبعث علي المعرة والخزى» ويقول "لقد شوه المسلمون من معالم الإسلام بقدر ما عصوا من تعاليمه.
▪ ويتساءل سؤالًا منطقيًا:«لو كنت أمريكيًا أو أوروبيًا أكنت أعتنق الإسلام؟ وأعرف ربي العظيم وأؤمن بالقرآن الحكيم وأوقر الحق الذي جاء به محمد النبي الأمي؟! إن الصورة النظرية للإسلام بلغت سكان هاتين القارتين مشوهة مفزعة والصورة العملية ليست أقل سوءً من زميلتها».
▪ وها هو الغزالي رحمه الله يقرع الدعاة الفاشلين الذين ينفرون الناس عن الدين أكثر مما يرغبونهم فيه فيقول: «الآن يوجد متحدثون عن الإسلام يتمنى المرء لو سكتوا فما قالوا حرفًا، إن فقرهم مدقع في الكتاب والسنة، والقليل الذي عرفوه لم يفهموه على وجهه الصحيح، أما إدراكهم لتراث الأمة فضعيف وإدراكهم للكون الذي يعيشون فيه والإنسانية التي تعمره أضعف».
▪ ويخلص من ذلك إلى نتيجة صادمة فيقول «إن حديثهم عن الإسلام يكاد يكون ضربًا من الصد عن سبيل الله».
▪ ثم يتعقب بعض الذين ينصبون أنفسهم متحدثين عن الإسلام وهم يبغضون الناس في الدين فيصرخ فيهم وفينا قائلًا: «واليوم يقوم ناس من المسلمين بدور الكهان القدامى فيصورون الإسلام دينًا دموي المزاج، شرس المسلك، يؤخر اللطف ويقدم العنف، ويهتم بقص الأظافر والشعر أكثر مما يهتم بقص زوائد الأنانية والحقد وغمط الناس.
▪ ثم يصل إلي نهاية المطاف حينما يحمل بعض المسلمين المنفرين عن الإسلام جزءً من مسؤولية الكفر والكفار في العالم كله: «إنني أعتقد أن انتشار الكفر في العالم يقع نصف أوزاره على متدينين بغضوا الله إلى خلقه بسوء كلامهم أو سوء صنيعهم».
▪ والغزالي لا يلقي باللائمة على التدين المغشوش والدعاة الحمقى فحسب، ولكنه يصرخ في الحكام المستبدين في كل عصر فيوجعهم بسوطه قائلا: «والحق أن فواجع رهيبة أصابت المسلمين بسبب غمط الأذكياء وتقديم الأغبياء والعرب يرجحون عصبية الوطن والنسب على الكفاءة العلمية والإدارية، والمستبدون من الحكام يقدمون مشاعر الزلفى والملق على القدرة الرائعة والخبرة الواسعة».
▪ ها هو الغزالي الفارس الهمام الذي لم يلجأ يوما إلى التهدئة مع خصوم الإسلام أو أصحاب التدين المغشوش ولم يلجأ إلي أنصاف الحلول، ولم يركن يومًا تحت ظل سقف المحاباة أو المجاملات، ولكنه اعتمد طريقة الصدمات الكهربائية التي توقظ الأمة من سباتها وغفلتها.
▪ ما أحوجنا إلى استعادة فكر وكلمات العلامة الغزالي في مثل هذه الأيام، حتى لا تضيع علينا ريادة الدنيا والدين، فالحضارة الغربية عرفت الكون وجهلت ربه أو جحدته، فهل نحسن التصدي لها عندما نجهل الكون وننسى ربه أو نتجاوز هداه؟! رحم الله الغزالي.