سلطة السعادة

الأربعاء، 18 يناير 2017 03:28 م
سلطة السعادة
هبه العدوي تكتب

هل يستطيع أحد أن يُنكر أنه في قلب كل أزماتنا المصرية تقبع أزمة الأخلاق؟.. هل يمكن أن نغفل أن غياب الضمير يطل علينا بصورته القبيحة من بين جَنَبات كل الأزمات؟

الأزمة الاقتصادية يطل فيها وجه التاجر الجشع وزيادته للأسعار مرة من وراء مرة دون أن تتناسب حتى مع الزيادة المنطقية الخاصة بالتعويم.

والأزمة الصحية.. يطل فيها وجه الطبيب المتاجر بآلام مرضاه، واضعًا إياهم داخل غرفة العمليات دون حاجة حقيقية لذلك، سوى كسبه مزيدًا من الجنيهات..

وأزمة الدواء.. والبناء.. والمصانع والعمال.. والفن الركيك.. والمرور.. والسياسة.. والدروس الخصوصية.. وغياب التدريس في أغلب المدارس الحكومية..

عزيزي القارئ: ليست تلك المقالة لمناقشة المشكلة.. ولكنها لطرح حل يخصك أنت.. فكلنا متفقون على أن البناء مهما علا.. دون ضمير من يبنيه ومن يسكن فيه.. هو منهدم لا محالة ولو بعد حين.

فأين نحن الآن من صحوة ضميرنا يا شعب كانت أرضه يومًا -كما يقول الكاتب هنري بريستد- فجرًا للضمير الإنساني!

والحل الذي سأطرحه معكم بين جنبات تلك المقالة هو في استخدامك «لسلطتك أنت»..

دعونا أولا نتساءل عن مفهوم «السلطة»؟.. تًعرّف السلطة بأنها القدرة على التأثير باستخدام القوة.. والسلطة قد تكون «سلطة سياسية» سواء كانت تشريعية، تنفيذية أو قضائية.. أو تكون «ذاتية فردية» خاصة بقوة كل منّا على التأثير داخل حدود دوائره الشخصية.. وهنا أقف لطرح السؤال الجدلي «البيضة ولا الفرخة»..من يسبق من؟

فإذا ما أردنا صحوة للضمير فهل نبدأ بإصلاح المنظومة من الفساد أم يبدأ الفرد المصلح لذاته بثباته على مبادئه دون التفات للانفلات الأخلاقي من حوله وهو من سيقوم بإصلاح المنظومة؟.

سبق لي العمل تطوعيًا في أحد المؤسسات التعليمية الخاصة.. أصررت وقتها على ضرورة احتياج المنظومة لتغيير بنيتها الإدارية.. بالفعل غيرها القائمون عليها ووضعوا لها 6 قيم أخلاقية كما هو معلوم إداريًا في المؤسسات المبنية على القيم.. ولكن.. لم يدربوا عليها أيًا من موظفيهم.. لم يعلم بها سوى رئيس مجلس الإدارة ومن حوله.. وأًديرت المؤسسة – رغم تغير بنيتها الإدارية تمامًا – كما كانت تُدار سابقًا بمبدأ «العصا والجزرة».. حيث لا مكان وقتها للضمير الحي.

وقتها وقفت مع ذاتي ونظرت لغيرها من الأمثلة فوجدت أن الفرد الفاسد ضميره إذا ما مُكِن من القيادة، قادر على قلب كل الأنظمة الحرة إلى منظومات فاسدة تغتال الضمير الحر للعاملين فيها.

لكن هل يقدر الفرد الحر على إصلاح المنظومة بداية بنفسه ونهاية باستخدامه لأدواته الإدارية في الإصلاح؟

بالتأكيد.. الفرد الحر في حد ذاته منظومة.. أنت عزيزي المصري في حد ذاتك «منظومة».. منظومة ذاتية تحتاج لإقامة سلطتك الخاصة.. وتؤهلك للتأثير في دائرة العوالم المحيطة بك..

دعني إذن أسألك: ما سلطتك التي تستخدمها يوميًا.. مع أولادك.. موظفيك.. زوجتك.. زوجك.. أهلك.. جيرانك...إلخ؟

ماذا لو استخدمت سلطتك الأخلاقية بدلا من أي نوع سلطة آخر سواء كانت سلطة مكانتك متمثلة في منصبك أو خلافه؟.. ماذا لو استعرت القوة من كونك «إنسانًا» قوته نابعة من عمق تنفيذه «لسلطته الأخلاقية» فوق ذاته أولا ؟.

وتسألني وكيف ذلك؟.. بأن تختار بإرادتك الحرة أن تعيش طبقا للمبادئ الأخلاقية الكونية.. فإذا ما وجدت كل البشر قد انحرفوا.. زادك ذلك استمساكًا واعتصامًا بمبادئك أكثر وأكثر.

بمعني أكثر وضوحا.. إذا ما صادفك في حياتك اليومية اختيار ما بين صوابٍ وخطأ.. رجعت لمعاييرك الأخلاقية وطبقتها «كقوة» فوق هوى نفسك أو فوق هوى مجتمعك الذي أصاب بوصلته الأخلاقية الكثير من الانحراف.. فأنت في إشارة المرور غالبًا ما يكسرها الجميع لكنك تقف بمفردك محترمًا لها ومطبقًا لسلطتك الأخلاقية.

وأنت ترى غيرك يدفع في درج أحدهم لينجز مصلحته سريعًا، لكنك تقف منتظرًا دورك صابرًا على أذاه حتى لا تشاركه الرشوة.. وأنت طبيب تراعي ضميرك، ومهندس يراعي دقة بنائه، وعامل يراعي إتقانه، وفنان يراعي كلماته.. وهكذا تفعل الصواب وفقًا لبوصلتك الأخلاقية في كل مكان تسعى فيه منذ تستيقظ من نومك حتى تنام.. دون نظر لما حولك من فاسدين.. ولا التفات لما يحيط بك من انفلات..
ومن يعلم فقد تكون ملهمًا لغيرك فيحاكي فعلك.. فتصير قدوة حسنة وسط مجتمعك.

وتسألني: وما الفائدة التي ستعود عليك من ذلك؟.. فقد تخسر وقتًا تقضيه وحدك منتظرًا.. وقد تجاهد بمفردك في مكان عملك سابحًا ضد تيار من الفساد وحدك؟

ستربح ذاتك أعدُك.. فاتباعك لبوصلتك الأخلاقية هو منتهى قوتك.. قدرتك.. اتباعك لبوصلتك الأخلاقية.. لن أحدثك عن مباركة حياتك ببركة الله وفقط وعظمة تأثيرها السحري في حياتك.. ولكني سأحدثك عن قوة قرارك.. قوة شخصيتك.. عن راحة بالك وانسجامك مع الكون كله كوحدة واحدة.

أنا هنا أحدثك عن سعادتك الداخلية التي أصبح الجميع -إلا ما رحم ربي- يفتقر لها.. سعادة تجعلك قادرًا على التمتع بمباهج الحياة ونعيمها مهما قل أو كَثًر نصيبك منها.. كل ذلك فقط عندما تتبع بوصلتك الأخلاقية التي تأتيك في صورة صوت خافت داخلي هو صوت ضميرك.

فمفهوم الأخلاق أزلي.. اختلف في تعريفه الفلاسفة والحكماء واتفقوا على شيء واحد ألا وهو حتمية وجوده كبنية أساسية لأي أمة حضارية.. لأي إنسان حر..

يقول «إيمانويل كانت»: «هناك شيئان يثيران فيّ الدهشة.. استمرار السماء المرصعة بالنجوم الموجودة فوق رءوسنا.. والقانون الأخلاقي الموجود في داخلنا».

وأنا أؤمن بأن القانون الأخلاقي الكامن في داخلنا هو حريتنا في الإنصياع لهذا الصوت الخافت المسمي بالضمير الموصول بالله عز وجل لكي يكون لنا بمثابة«بوصلة».. ترشد حرية إردتنا لصواب الطريق دون احتياج لأي وصاية من أحد.. لا أبالغ إذا قلت إن «الضمير» هو هبة الله لنا بعد هبة «الحرية»..

كل أهل الأرض يقرون بأن الأخلاق هي الأرضية المشتركة «الثابتة» بين الإنسانية كافة.. مهما كانت مرجعياتهم الفكرية..

عزيزي القارئ: هب أنك ضربت بعرض الحائط كل سلطة أخلاقية.. وحدثتني أننا نعيش في غابة لها سلطاتها الخاصة.. وقتها قد كتبت علي نفسك التيه باتباعك سلطة الغابة!

أتريد إثباتا ؟!.. دعني أبسط لك المسألة.. عندما تجعل سلطتك ومصدر قوتك نابعًا من أخلاقك فستدور في حياتك حول محور ثابت يسهل لك الحركة دون أن يصيبك التيه الفكري والتوهان الشخصي.. فلولا دوران الأرض حول محورها الثابت لتاهت في الفضاء الشاسع.. ولاختفي تعاقب الليل والنهار.. ولربما قد تاهت خارج حدود المجموعة الشمسية بأكملها فأصابها الظلام التام ومن ثَم تضحى حطامًا، كحطام إنسان تاهت بوصلته الأخلاقية.. فتخبط في الحياة اليومية.. مًضلا سعيه.. لاهثًا خلف كل سراب.. يظنه سعادته.. دون جدوى..
ذلك أنه ترك طرق باب سعادة اتباعه لسلطته الأخلاقية.

لا تستهن أبدًا بنفسك.. أنت قوة.. أنت عظمة متفرّدة خلقها الله وصورها في أحسن صورة.. أفلا آمنت بقدرتك علي تغيير كل فساد..بثباتك.. أفلا آمنت أنك إذا ما أدرت عقلك عن أفكار مثل «وأنا مالي».. «هو أنا اللي حغير الكون».. تكون فقط وقتها قد بدأت فعليًا في تغيير الكون!.. بتطبيقك لسلطتك الأخلاقية داخل نفسك.. أسرتك.. عملك.. داخل حلمك.. الذي أعدُك بأنك عندما تستكمل طريقه، سيُستَكمل طريق حلمنا في بناء مصرنا الدولة المتحضرة.

عزيزي المصري: أفلا آمنت بذاتك؟.

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق