«الحنطور».. زمن الباشوات «مركون على الرصيف»
الأربعاء، 25 يناير 2017 12:11 م
فن.. ذوق رفيع.. صعوبة في التصنيع.. جميعها صفات اتسمت بها صناعة الحنطور، فبعدما كان يتمتع صانعو الحنطور بمكانة عالية؛ نظرًا لرقّي مهنتهم، اغتال التطور الصناعي والتكنولوجي عدة مهن عريقة، كان من بينها صناعة الحنطور، التي ذاعت شهرتها قديمًا في أنحاء العالم كافة، وتحول أصحاب تلك المهن إلى بسطاء يسعون لتوفير قوت يومهم بالكاد.
الحنطور كان هو وسيلة الانتقال الأساسية في مصر حتى ثلاثينيات القرن الماضي بعد أن أدخلها الإيطاليون للبلاد. سنوات مرت على تلك الحرفة، التي غدر بها الزمان، وجعلها في طريقها إلى التخليد في المتاحف بعدما كان يقصدها الباشوات وأثرى رجال المجتمع، ليتباهوا بما تصنعه أيديهم التي تغلفها الحرير بما تنتجه من فن وذوق رفيع تفوق على الذوق الأوروبي.
وأصبح الحنطور مهددا بالانقراض بعد أن أصبح مهنة لا تناسب إيقاع العصر، فـ «التاكسي» و«التوك توك» استطاعا أن يهزما تلك الصناعة، التي كانت تلقب بـ «صناعة الباشوات»، فبات الجميع يبحث عن السيارة الأحدث، ووسيلة المواصلات الأرخص، فالأجيال الحالية أصبحت لم تتعرف على الحنطور سوى من خلال الأغنيات القديمة.
وكانت مدينة طنطا في محافظة الغربية من أكثر المدن التي اشتهرت بصناعة الحنطور، فوجدت بها ورش صناعة «الحناطير» التي كان يقصدها الجميع من كل حدب وصوب، إلا أنه لم يتبق منها الآن سوى 3 ورش يواصل أصحابها صناعة الحناطير ، في تحدٍ للزمن وتقدم التكنولوجيا به.
ورث صناعة الحناطير أبًا عن جد، وبعد أن أتقنها واجههت المهنة تحديات عدة، حيث استطاع «التوك توك» أن يحل محلها، هذا هو حال صلاح عاشور، صاحب ورشة صناعة الحناطير بمنطقة تل الحدادين التابعة لحي ثان طنطا، والتي تعد أشهر الورش بالمحافظة، حيث ورث «صلاح» ووالده المهنة بعد أن كانا يعملان في ورش «الخواجات»، واستقلا الاثنان بعد ذلك في ورش يمتلكونها، وتعلم الأبناء منهم وواصلوا المشوار .
«التوك توك»، وسيلة نقل انتشرت مؤخرًا استطاعت أن تهزم هذه الصناعة برمتها، لتصبح وكأنها اليد التي اغتالت الصناعة بأكملها في لحظة من الزمن، بعد أن لجأ أصحاب الحناطير إلى شرائه والاستغناء عن وسيلة النقل التقليدية «الحنطور».
يبدأ صانعو المهنة في شراء أنواع محددة من الخشب وهي: (الزان والشجر و السنط) من المكامير والشوادر، بعدها تمر صناعة الحنطور بثلاث مراحل، الأولى تتم في ورشة صانع الحنطور وهي عبارة عن صناعة الجسم الخشبي الذي يتخذ شكلين، إما شكل الأنواع المتعارف عليها كالحنطور العادي أو الملكي أو أن يأتي إليه صورة لحنطور أوروبي، ويتولى مهمة تصميمه حسب المواصفات بالصورة.
وبعد الانتهاء من الجسم الخشبي تبدأ صناعة الحديد الذي يتم تركيبه في الجسم قبل تركيب العجلة الخشبية، بعدها ينتقل الحنطور للورشة الثانية وهي ورشة السروجي المختص بتنجيد المقاعد الخاصة به.
وتأتي المرحلة الأخيرة المتمثلة في الدهان، وتتم بداخل ورش بمدينتي المحلة والمنصورة فقط، إضافة إلى دور السمكري الذي يقوم بعمل الفوانيس ليخرج «الحنطور» في شكله النهائي، مؤكدًا أن صناعة "الحنطور" أساسها البلاد الأوروبية مثل فرنسا وإيطاليا، وأنها في الأصل حرفة أوروبية، حيث تعلم الأجداد هذه الصناعة وبدأ الحنطور وسيلة مواصلات أساسية بمصر.
و «الحنطور» الأصلي الذي صنعّه الخواجات هو المصنوع من الجلد الأسود والفانوسين، إضافة إلى الأجراس الخاصة به، المستخدمة كآلة تنبيه، وهي الكماليات الخاصة به، إلا أن المصريين أدخلوا عليه بعض التعديلات، وصفها خبراء تلك المهنة بأنهم «فسحوا الحنطور، وذوقوه»، بإضافة ألوان أخرى مثل الأحمر والأخضر، حسب طلب الزبون.
وأشهر ما صنعته ورشة «عاشور» من الحناطير كانت من نصيب الشيخ محمد متولي الشعراوي، والعديد من الباشوات قبل ثورة يوليو 52، إضافة إلى عدد من الحناطير و «الكرتات» لمنتجي بعض الأفلام والمسلسلات التاريخية، أشهرها مسلسل (حديث الصباح والمساء)، وآخر الفنانين الذين تعاملوا مع الورشة الفنان أحمد السقا، حيث صُنّع له «كرتتين».
ويفتخر عمال ورشة «عاشور» بعملهم في تلك المهنة؛ لأن كل لمسة في صناعة الحنطور بها فن وذوق، ففي ورشتهم صُنعت «الكارتة» للرئيس الراحل محمد أنو السادات، إضافة إلى صناعة حنطور بـ 4 عجلات لابن شقيقه «طلعت» قبل وفاته بأشهر قليلة.