ترامب والربيع الأمريكي

الأربعاء، 25 يناير 2017 11:47 ص
ترامب والربيع الأمريكي
إيهاب عمر يكتب

كما كان متوقعًا، تحركت شبكات المصالح الغربية المتضررة من صعود لوبي الرأسمالية الوطنية الأمريكية للحكم بزعامة دونالد ترامب سريعًا، وذلك عبر تنظيم فعاليات ثورية منذ اللحظة الأولى لوصوله إلى العاصمة الأمريكية واشنطن غرب البلاد قادمًا من مقر إقامته في نيويورك شرق البلاد، إذ بينما كان ترامب يؤدي اليمين الدستورية كانت الثورة تندلع بالفعل في شوارع المدن الأمريكية مطالبة بسقوطه!.

هذه هي المرة الأولى التي يخرج فيها الشعب الأمريكي مطالبًا برحيل الرئيس بشكل مباشر، إذ كانت المطالب في عصور سابقة تأتي على خلفية حدث ما معين، وعادة ما يكون حدث واحد فحسب، مثل الحرب في فيتنام أو العراق، ولكن ثورة ضد الرئيس بشكل مباشر هو أمر لم يحدث في تاريخ أمريكا قط.
الملاحظ هو استخدام نفس أدوات الربيع العربي التي استخدمتها شبكات المصالح الغربية وقتما كان لها حليف في البيت الأبيض ألا وهو باراك أوباما، من تجييش إعلامي مكثف يدس أكاذيب منمقة، إلى جانب التظاهرات المعدة سلفًا بشكل احترافي والمنصات المجهزة تقنيًا والقسم الخاص بإطعام المتظاهرين، مع حشد كوكبة من الأسماء المعروفة من داخل منظومة هوليوود مثل «مادونا وآشلي جاد ومايكل مور».

ولم ينس القائمون على «الثورة الأمريكية» دعوة بعض النشطاء ذوي التوجه اليساري إلى المنصة، بالإضافة إلى الناشطة المحجبة من أصول فلسطينية «ليندا صرصور» القيادية في حملة «بيرني ساندرز» الانتخابية عام 2016، وتُعتبر «صرصور» من أهم ناشطات التيار الإسلامي في أمريكا وعلى اتصال وثيق بالتنظيم الدولي للإخوان المسلمين، وقادت حملة عن ضرورة احترام نيويورك للمناسبات الإسلامية، وهو المكتسب الذي تحقق في أغسطس 2016، بعد إقرار عطلة للمدارس في نيويورك بمناسبة عيد الفطر.

ولا غرابة في ذلك، حيث كانت لعبة تخويف الإسلاميين الأمريكان بترامب لها أثر ممتاز في تمويل المنظمات الإخوانية الإسلامية الأمريكية للفعاليات الثورية، علمًا بأن هذه المنظمات تتلقى سنويًا مليارات الدولارات مساعدة من دول راعية للإرهاب تستخدم أموال الزكاة والتبرعات في هذه الشبكة من غسيل الأموال.

بينما الساحة الأمريكية تعج بمشاكل تتعلق بالطبقة الوسطى وفرص العمل وضعف البنية التحتية في بعض الولايات المهمشة، وبينما ترامب قد تحدث عن كل هذا في حملته الانتخابية، بل بدأ في توقيع قرارات تتعلق بإصلاح هذا العطب، لم تخرج عن المنصة النخبوية للربيع الأمريكي كلمة واحدة عن المشاكل الحقيقية للمواطن الأمريكي، وأتى الحديث نخبويًا عن الحريات والنسويات واحتواء الآخر وتوفير الفرص اللازمة لاندماجه في المجتمعات.

بل كان غريبًا أن حركة «احتلوا وول ستريت» احتفت بباراك أوباما على صفحاتها بمواقف التواصل الاجتماعي ونزل نشطاؤها للفعاليات، كأن النشاط الذي جرى يومًا كان ضد رئيس آخر ومنظومة اقتصادية أخرى!.

قبل بدء الفعاليات ببضع ساعات أدى «ترامب» اليمين القانونية في حفل كبير وفقًا للبروتوكول الأمريكي، وللمرة الأولي في تاريخ أمريكا تترصص النخبة الأمريكية في الحفل وعلى وجوه زعمائها أمارات الغل والهزيمة خاصة آل أوباما وآل كلينتون وآل بوش، ولا عجب في ذلك، لأن اتصالهم وعملهم ضمن شبكات المصالح الغربية معروف، للمرة الأولي في تاريخ أمريكا تُسلم الإدارة المنتهية ولايتها الحكم في طقس أشبه بالحاكم المخلوع أو المهزوم.

ترامب هو أكبر رئيس أمريكي سنًا يدخل البيت الأبيض، ونظرًا لأن الأمريكان، خاصة الشباب، لم يعاصروا دخول «جد» للبيت الأبيض منذ عقود، استغل الإعلام الطابور العائلي في حملات صحفية مسعورة عن الأبناء والأحفاد والأزواج والزوجات، حتى تطور الأمر وسخرت الإعلامية «كاتي ريتش» من «بارون ترامب» الأبن الأصغر للرئيس الأمريكي في منشور على موقع «تويتر»، ولكن المنشور تجاوز حدود الإنسانية وسارع الأمريكان لشن حملة مقاطعة لبرنامج (Saturday Night Live) الذى تعمل به الإعلامية الأمريكية الشهيرة، هنا قررت شبكة (NBC) إقالة كاتي ريتش بعد أن قدمت الأخيرة اعتذارًا.

هذه الازدواجية في المعايير ليست الأولى من نوعها حيال الخطاب المعادي لترامب، حيث سبق لمؤيدي الرئيس الأمريكي أن نشروا مقاطع فيديو للممثلة «ميريل ستريب» تبدي فيها غضبها من سجن المخرج البولندي «رومان بولانسكي» المُدان بحكم قضائي أمريكي لاغتصابه فتاة عمرها 13 عامًا حينما كان بعمر الـ43 عامًا، وتبدي احترامها وتعاطفها معه، وتساءل مؤيدو الرئيس الأمريكي: كيف لستريب التي لم تتعاطف مع فتاة أمريكية اُغتصبت في سن الرابعة عشرة أن تدعي في خطاب سينمائي بإحدي حفلات الجوائز الفنية أنها ممتعضة من ترامب وخطابه المضاد للقيم الأمريكية؟.

الملاحظ هو عدم وجود مظهر من مظاهر الأيدي المرتعشة أو المواءمات السياسية، حيث دخل ترامب مكتبه في البيت الأبيض وفي يده ملف به كل القرارات التي وعد بها شعبه في حملته الانتخابية، وراح يوقعها واحدًا تلو الآخر، بينما الكونجرس ذو الأغلبية الجمهورية يتسابق في إقرار تعييناته الوزارية.

مظاهرات 20 و21 يناير 2017 شهدت حرق ممتلكات عامة وسيارات وإلقاء القبض على قرابة 200 متظاهر، ولم تكن تظاهرات سلمية قط، الهدف من الحراك الأمريكي في الشارع، خاصة ظهيره الإعلامي، هو سحب قانونية الرئيس الذي لم يظفر بالتصويت الشعبي، وإظهار الأمر باعتباره صدفة لا يجب أن تتكرر في انتخابات الرئاسة 2020، أو التمهيد لإقالته عام 2019 إذا ما توفرت الفرصة لكونجرس جديد، وهكذا وعلى نفس نمط الفعاليات الثورية في الربيع العربي حدد قادة المنصة موعدًا آخر للمليونية الأمريكية في أبريل المقبل عقب مرور 100 يوم على حكم «ترامب».

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق


الأكثر قراءة