جمهورية الجزيرة السورية

الإثنين، 30 يناير 2017 12:43 م
جمهورية الجزيرة السورية
إيهاب عمر يكتب

من أهم القضايا التي تثار في مفاوضات الحل النهائي السوري، إقليم الجزيرة السورية، والذي تعرف اليوم بمحافظة الحسكة ودير الزور والرقة.

إن الهوية العربية لسوريا كانت مجرد اختيار أو نظام سياسي أكثر مما هي حقيقة تاريخية، حيث ضمت سوريا طوائف مسيحية (سريان، أشوريين، كلدان، موارنة، أرمن) ليسوا عربًا، ولا يعتبرون أنفسهم كذلك، بالإضافة إلى العلويين والدروز والأكراد والتركمان واليهود وقبائل نجدية قادمة من شرق الجزيرة العربية، في دولة دائمًا ما كان عدد السكان أقل من 20 مليون نسمة ما يصعب تحقيق أغلبية ديموجرافية كاسحة لفئة عن الأخرى، كما يجرى في مصر على سبيل المثال، فظلت الأغلبية سواء في مناطق معينة أو في المجمل السوري ليست بالمطلقة التي تكفل لقومية أو هوية عشائرية دون الأخرى أن تفرض هيمنتها.

عبر تاريخ سوريا كانت الأراضي السورية دائمًا مقسمة ما بين ولايات أو إمارات أو ممالك إلا في فترات نادرة كلها تقع قبل الحقبة الإسلامية العباسية، وساعد هذا التقسيم على تزكية روح الولاء للقومية أو المذهب على حساب الدولة السورية، خصوصًا أن هذه الفكرة لم تكن مطروحة بالشكل الموجود اليوم في العصر الحديث.

هذه الحقائق شجعت الاستعمار على استغلالها، كما فعلت فرنسا حينما أسست الاتحاد السوري (1922 – 1924) على غرار الاتحاد السوفيتي، أي جمهوريات ذات حكم ذاتي داخلي، وتأسست جمهورية دمشق، وجمهورية حلب، وجمهورية العلويين، وجمهورية الدروز، وجمهورية لواء الإسكندرون قبل أن تقوم الثورة بمحو هذا التقسيم، أي أن الوحدة السورية الحالية لم تستقر إلا منتصف عشرينات القرن العشرين فحسب.

في هذه الأجواء، طالب ائتلاف كردي – مسيحي بحكم ذاتي في منطقة الجزيرة السورية، والفكرة استعمارية فرنسية في الأساس، وسعت فرنسا إلى تطبيقها في ثلاثينات القرن العشرين، حيث أفادت التقارير الفرنسية إلى أن المنطقة تشمل شعوب آشورية وسريانية وكلدونية وأرمينية وكرديةن وحتى عشائر بدو نجدية، وهذه الفصائل كافة ليست سورية الأصل، وباستثناء البدو العرب فإن باقي الفصائل ليسوا عربًا.

وتحمست الحركة السياسية الكردية والمسيحية لهذا المسعى، ولكن الغزو الألماني لفرنسا، واشتعال الحرب العالمية الثانية، نسفا المخططات الفرنسية لسلسلة جديدة من الجمهوريات السورية.

إن المطالبة الكردية بحكم ذاتي في سوريا هو تزييف للتاريخ، فالشعب الكردي الذي استوطن بعض مناطق الشرق الأوسط لا ينتمي إلى هذه المنطقة بل إلى آسيا الوسطي، ما ينسف فكرة كردستان عمومًا، وفي نفس الوقت فإن مناطق انتشاره بل وحتى بعض دويلاته كانت تقع في المناطق الكردية الواقعة اليوم في إيران والعراق وتركيا، ولم يسبق حتى ستينيات القرن العشرين أن رأينا سوري من أصل كردي يشارك في الحركة القومية الكردية، حيث كانت حكرًا على أكراد تركيا والعراق.

أما المطالب الكردية – المسيحية بجمهورية الجزيرة السورية فكانت في إطار المشروع الفرنسي لسوريا وليس المشروع الكردي القومي.

والخرائط كافة التي تقدمها الحركات القومية الكردية للاستعمار حتى ستينيات القرن العشرين من أجل الظفر بدولة كردستان لا تتضمن قط أراضي سورية، وكانت الإشارة الوحيدة إلى سوريا هي «الشعب الكردي في سوريا» باعتبارهم لاجئين سوف يتم توطينهم في كردستان الكبرى حال قيامها.

الحاصل أنه عقب هزيمة الدولة العثمانية في الحرب العالمية الأولى، وافق الخليفة محمد الخامس على بنود اتفاقية سيفر التي وقعت في 10 من أغسطس 1920، والتي تعطي للكرد حكمًا ذاتيًا يفضي إلى استفتاء لتحديد المصير، وبدوره معروف أنه سوف يفضي إلى الاستقلال الكامل، وذلك على مناطق تشمل ولاية الموصل التاريخية، وأجزاء من جنوب تركيا اليوم، بالإضافة إلى إنشاء جمهورية أرمينيا على ما يعرف اليوم بشرق تركيا، ووضع المضايق التركية تحت الإدارة الدولية، بالإضافة إلى إعطاء اليونان وفرنسا وإيطاليا مناطق داخل ما يعرف اليوم بجمهورية تركيا، بينما تقلصت الدولة العثمانية إلى شمال وشمال غرب الأناضول (تركيا اليوم).

واعترضت الحركة القومية التركية بقيادة كمال أتاتورك على هذه المعاهدة المذلة، وقاد حرب الاستقلال التركية (1919 – 1923) التي أسفرت عن معاهدة لوزان في 24 من يوليو 1923 تعترف بحدود تركيا اليوم على كامل الأناضول وإقليم تراقيا البلقاني، المبهر أن نرى جمهور من المسلمين يعتبر العثمانيين هم الإسلام الصحيح، بينما سلطانهم محمد الخامس وافق على تقليص دولة الخلافة إلى إقليم شمال الأناضول، بينما يعتبر نفس الجمهور أن أتاتورك - الذي حافظ على دولة تركية قابلة للحياة حتى اليوم - عميلًا للاستعمار وأعداء الإسلام!

نسف أتاتورك حلم كردستان الكبرى، وفجرت 17 ثورة كردية ما بين عامي 1925 و1938 أدت إلى تهجير المئات من الكرد والأرمن إلى سوريا، على إثر هذا التهجير نشأ في سوريا مصطلح «أكراد الأطراف» وهم الكرد العراقيين والأتراك اللاجئين في سوريا، ومصطلح «أكراد الدواخل» وهم كرد سوريا أحفاد الهجرة الكردية الأولى إلى الشام في الزمن الأيوبي.

أكراد الأطراف هم كرد الجزيرة السورية، وتحديدًا محافظة الحسكة، وأغلبهم لا يملك أوراق قانونية تثبت أنه سوري الأصل، أما أكراد الدواخل فلم يتعاملوا يومًا باعتبارهم كرد بل سوريين فحسب، وكانوا من زعماء وقادة الثورة السورية الكبرى عام 1925، كما أعدم الفرنسيون علي زلفو آغا من أهم قادة دمشق الذين قاوموا الغزو الفرنسي في أيامه الأولى.

في ستينيات القرن العشرين، ومع تطور الصراع العربي الإسرائيلي، وجدت الحركة الصهيونية ملاذًا آمنًا في اليهود الكرد، وهم يلعبون دورًا كبيرًا في إقليم كردستان العراق اليوم، وعبر وساطة اليهود الكرد تم تهويد القضية الكردية دون تصعيد اليهود لمناصب قيادية، حتى تظل القضية ذات بريق في أعين شعوب الشرق الأوسط، وخلال الستينيات ظهر مصطلح كردستان الغربية ثم كردستان سوريا، وأصبح هناك نشطاء كرد سوريون يطالبون بدولة مستقلة، ما يعني أن الحركة الكردية التي أصبحت جزءًا من الحركة الصهيونية قد صنعت القضية الكردية السورية صنعًا.

أعلن خلال الحرب السورية الجارية عن قيام فيدرالية روج آفا في محافظة الحسكة، وبعض الأحياء الأخرى، وهي جمهورية كردية – مسيحية في الأساس، ويضم مجلس حكمها نسبة من البدو العرب، وتضم المنطقة قوات عسكرية أمريكية وفرنسية وألمانية وبريطانية، وتحظى بحماية الطيران الأمريكي والأسترالي والكندي.
ختامًا إن حقائق الفسيفساء السورية لا تعني القبول بالتقسيم، وكذبة كردستان سوريا لا يمكن أن تصنع دولة.

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق