المُحترف
الثلاثاء، 31 يناير 2017 07:44 م
المُحترف.. هو من يُحَيّد المشاعر عند السعي للهدف ماذا يعني هذا الكلام؟ أي أن الذي يحركه مزاجه لا يصح أبدًا أن يوصف بالمُحترف، ذلك لأنه لا يُرجَى خيرًا من إنسان إذا تحمس تحرك وعمل، وإذا فقد حماسه تذمر وخمل.
لذلك لا تعلق الشركات الكبرى والمؤسسات العريقة أهدافها بحسب مزاج العاملين عليها، وإنما هي فقط خطوات مدروسة ونتائج ملموسة، فمن إذا أحب قادته عمل بإخلاص وإصرار، ثم باع القضية لأنه لم يجد بينه وبين قادته عمار، فهذا مكانه بيت أمه وأبيه، فليجلس بينهما يحب ويكره بكل ما فيه، ويشتكي ويسخر بمليء قلبه وفيه، وليترك الاحتراف لأهله.
فأهل الاحتراف هم الذين إذا اتخذوا قرارًا عملوا على تنفيذه بأعلى كفاءة وأدق فاعلية، بغض النظر عن حالتهم النفسية وتقلباتهم المزاجية.. فمنهم من يلعب بكل إخلاص لنادي معين بينما قلبه ومشاعره مع المنافس، فإذا واجهه يومًا تجده يُحَيّد مشاعر الحب في قلبه ويُفَعّل كل مظاهر التنافس.. ومنهم من لا يحب مديره ولكنه يعرف الفرق جيدًا بين الإدارة والمدير، بين القيادة والقائد، بين المؤسسة والقائمين عليها، فيحقق أهداف الإدارة مع كرهه أو حتى احتقاره لشخص المدير، المُحترف هو من يقف على الماكينة لينتج بمعدلات ثابتة، يوم حزنه تمامًا مثل يوم فرحه، نفس الجودة ونفس الكمية.. ولا يتحقق ذلك إلا بشيء واحد: تحييد المشاعر عند السعي للهدف، بذلك فقط يُعرَف المُحترف.
ولكن الأمر ليس هينًا، فنحن بشر في النهاية، كتل من المشاعر والأحاسيس، حتى إن بعض أهل الإدارة قسمها لثلاث أنواع، الإدارة بالأهداف والإدارة بالإجراءات والإدارة بالحُب.. نعم الإدارة بالحُب.. ولا أضع هنا مصطلح أدبي كعادتي لتبسيط فكرة إدارية، وإنما هو مصطلح ثابت وراسخ في العديد من المراجع القيمة والمقالات العلمية، هناك أيضًا من يسميها الإدارة بالمشاعر..
والإدارة بالأهداف كأن تقول الأم لابنها أو بنتها «لا يهمني ماذا تعلمون، ولكن ما يهمني هو النتيجة، لن أقبل بأقل من 90%»، هذا مجرد مثال، فالأم هنا لا يعنيها الإجراءات، كم ساعة مذاكرة، أين سيذاكر الولد أو البنت، في البيت أو عند زملائهم، مراجعة يومية أو ضغط آخر العام وقت المراجعات النهائية، هي بينت لهم أن كل ذلك لا يعنيها، وإنما ما يعنيها هو الـ90%.. النتيجة النهائية، إذن هذه إدارة بالأهداف، تحقق الهدف، تحصل على الموعود، بغض النظر عن آلية الوصول للهدف.. وأما عن الإدارة بالإجراءات، فمثل ما تقول الأم لطفلها «لا يعنيني أن أسنانك نظيفة أو سليمة الآن، ستغسل أسنانك قبل النوم حتى ولو لم تأكل أي شيء» هي هنا لا تعطي ثقلًا لنظافة الأسنان نفسها أو صحتها وسلامتها، وإنما البطل هنا هو الإجراء نفسه، النظام في حد ذاته، الذي يخلق العادة الحسنة للطفل والذي يحافظ بها على أسنانه طول العمر وليس فقط في تلك الليلة أو ذلك الصباح، وهذا كان مثال للإدارة بالإجراءات، ولكن نفس الأم قد نجدها في وقت آخر تمارس الإدارة بالحب، فتظهر الحزن وتبالغ فيه لسوء تصرف الأبناء، لتخاطب مشاعرهم وتؤرق قلوبهم، فما لم تستطع الحصول عليه بالأهداف والإجراءات، تحصل عليه بالحب والمشاعر.
لذلك لا ننفي أبدًا أننا نتحرك ونتحمس ونُدار بالمشاعر، ولكن من قال في مقابلة عمل مثلًا أن محركه الأول هو الحالة النفسية أو المزاجية، وأنه يحسن الأداء فقط إذا كان جو العمل جميل وإيجابي، وغير ذلك فهو أو هي لا تستطيع العمل، من قال ذلك في مقابلة عمل لن يحصل أبدًا على فرصة عمل ولا حتى تدريب إذا كانت هذه المقابلة في شركة قوية أو مؤسسة عالمية، تسعى لتحقيق الأهداف وسلامة الإجراءات مع عدم إغفال الجانب النفسي للموظف أو العامل، ولكن يظل العامل النفسي عند تلك المؤسسات عنصر مكمل، وسيلة تحقق غاية، وليست بيت القصيد ولا الهدف الأكبر لوجودها واستمرارها.
لذلك أذكر نفسي وكل قارئ كريم، أن الإسراف في إظهار المشاعر والاتكال عليها في بيئة العمل، بل وفي كل جوانب الحياة العملية، وأحيانًا الشخصية، تعد من النواقص عند المحترفين، فإذا كنت من أهل الطموح العالي وتطلب الرقي وإدراك المعالي، ولكنك مع ذلك شديد الحساسية أو مزاجي أو انفعالي، فاستحلفك بكل عزيز وغالي، أن تبدأ من الآن في التفكير بجدية في فكرة الاحتراف، وكلما وجدت مشاعرك تعطلك عن السعي لهدفك، قل لنفسك: «أنا لا أفعل ذلك، أنا لا أسمح للمشاعر أن تعطلني عن الهدف.. فأنا مُحترف، والمُحترف هو من يُحَيّد المشاعر عند السعي للهدف!».
كاتب وباحث في علوم الإدارة
ورئيس مجلس إدارة شركة المنتور