إبراهيم الفقيه: نحمد الله على استقرار مصر.. والهجوم على نجيب محفوظ إهانة للحضارة والإنسانية.. والأدب ليس بحاجة لتجديد خطابه.. وما بعد «الربيع العربي» نكبة.. والإبداع السوري يشهد ثورة

الجمعة، 24 فبراير 2017 11:30 ص
إبراهيم الفقيه: نحمد الله على استقرار مصر.. والهجوم على نجيب محفوظ إهانة للحضارة والإنسانية.. والأدب ليس بحاجة لتجديد خطابه.. وما بعد «الربيع العربي» نكبة.. والإبداع السوري يشهد ثورة
الليبي أحمد إبراهيم الفقيه
هناء قنديل

يعد الكاتب والدبلوماسي الليبي أحمد إبراهيم الفقيه، أحد رواد الإبداع العربي، باعتباره صاحب أطول رواية في التاريخ، تضم 12 جزءا.. «صوت الأمة» التقت «الفقيه» في حوار أكد خلاله على أن الهجوم الذي شنه البعض ضد الكاتب المصري الكبير نجيب محفوظ، «عار» ويدعو للخجل، كما رأى خلال حديثه أن عددًا من أدباء سوريا استطاعوا مواصلة إبداعهم رغم هولوكوست الرئيس بشار الأسد ضدهم.

وتطرق «الفقيه» في الحوار إلى نظرته لدور الأدب والثقافة في الحرب على الإرهاب، وطرق إنقاذ العقل العربي والإسلامي من براثن الفكر التكفيري.. أسئلة كثيرة أجاب عليها «الفقيه» باستفاضة.. وإلى نص الحوار...

كيف ترى وضع الأدب في المنطقة عقب ثورات الربيع العربي؟

ما حدث بعد ثورات الربيع العربي كان نكبة وصدمة وخيبة على أعلى المستويات، وكان الأمل أن تفضي هذه الثورات بناء إلى مستقبل أفضل لأوطاننا، وأن تتجاوز بنا عهد الطغاة، الذين اغتصبوا الحكم بالقوة مثل الأسد، وعبدالله صالح، وغيرهم ممن عبثوا بالقيم والمقدرات الوطنية للشعوب.

وماذا على صعيد الأدب؟
رغم ما حدث يبقى الأدب نهرًا دائم الجريان، لا يستطيع أحد إيقافه، ولا سد منابعه، فالإبداع مستمر، وها نحن نرى الكتاب يبدعون تحت أسوأ الظروف، ومثال ذلك ما يجري في سوريا، التي تمر بأقصى تجربة تصل إلى حد الإبادة، التي تفوق ما يسمى في أدبيات الغرب بـ«الهولوكوست»، على يد بشار الأسد، ومع ذلك هناك أدبا يخرج من رحم هذه المعاناة، وكنت شخصيًا عضوًا في لجنة تحكيم لأفضل الروايات السورية، التي كتبها أدباء ينتمون لاتحاد الأدباء المناوئ للنظام، وقرأت نصوصًا تصل إلى الأربعين أو خمسين نصًا، أجد أن جميعها تمثل ثروة إبداعية مذهلة في هذه الظروف.

ننتقل من سوريا إلى مصر.. كيف ترى التحولات الداخلية والخارجية؟
تهفو قلوبنا إلى مصر باعتبارها بيت العرب، وهذا يضع عليها عبئًا كبيرًا لتمثل نقطة استقطاب لكل العرب والمسلمين، وهي قادرة على تحقيق هذه الرابطة الضرورية بين العالمين العربي والإسلامي، وها نحن اليوم نراها تؤدي أدوارا إيجابية على صعيد المصالحة، وتأكيد العمل العربي المشترك في ليبيا، ونحمد الله أنها تحظى بالاستقرار، الذي يؤهلها لأن تكون عامل استقرار في المنطقة، وها هي أيضًا تستوعب عددًا قياسيًا من اللاجئين السوريين، فاتحة لهم صدرها الرحب الحنون، كما أنها لا تبخل في بذل الجهد والعون والدعم للشعب الفلسطيني.

وكيف رأيت هجوم بعض نواب البرلمان المصري على نجيب محفوظ؟
الهجوم على نجيب محفوظ «عار»، وأمر يدعو للخجل والإحباط، مما يستدعي أن يتبرأ البرلمان المصري من هؤلاء الذي يتبنون هذا الفكر، لأن الطعن في نجيب محفوظ إهانة للحضارة والقيم الإنسانية، والرأي الذي يهاجم مبدع بحجم نجيب محفوظ يمثل الوجه الآخر للفكر الذي أنتج «داعش»، لأن الأخير لم يولد في فراغ، وإنما من حاضنة تخلف من تركناهم يعبثون بقيمنا وبمعالمنا التاريخية.

وإلى أي مدى ترى مستقبل الرواية والأدب في ظل المتغيرات التي نعيشها؟
أرى أن العالم يزداد اقترابًا من بعضه البعض، وأن الأدب الذي كان في كثير من البلدان مقتصرًا على الاستهلاك المحلي، سيصبح بفضل الوسائل الحديثة متاحًا لكل إنسان في العالم.

وإلى أي مدى يتحمل الأدب مسؤولية انهيار المستوى الأخلاقي والثقافي للمجتمع؟
الأدب مدماك للحضارة، ورافعة للذوق والحس الجمالي في النفوس، وهو قاطرة الانبعاث الحضاري، ويمثل بصيص النور، وحتى في العصر الجاهلي السابق للإسلام، كان الشعر، والأدب الشفهي، هو الذي يمثل القيم النبيلة في العزة والكرامة، فنذكر اليوم «عنترة» وشعره وقصة حياته باعتباره مثالًا للشجاعة والمروءة والشهامة، وفي قوة التعبير بـ«امرؤ القيس» وفي الحكمة بشعر زهير بن أبي سلمى، وهكذا مع بقية أهل الشعر والحكمة في أكثر المراحل جهلًا وجهالة، ومع ذلك كان الأدب نبراسًا ونورًا، ولم تتأسس الحضارة القديمة إلا لأن الأدب كان له حضوره الطاغي فيها، فما الذي يبقى من هذه الحضارة إذا أزلت منها المفكرين والمبدعين من كتاب الشعر، وهكذا هو الحال مع كل الحضارات التي عرفتها الشعوب، فالأدب دائمًا هو أكبر منجز تقدمه الحضارة، وهو دائمًا يمثل حالة من حالات التجلي، لذا هو بريء من انهيار المستويات الأخلاقية للشعوب.

وما هو دور الأدب في مواجهة الفكر المتطرف؟
ليس هناك دور مباشر للأدب في مواجهة الفكر المتطرف أو الدخول في اشتباك وعراك معه، لأنه يفقد عندئذ هويته كأدب ويتحول إلى وعظ وإرشاد وهذا ليس دوره دون انتقاص من دور الوعظ والإرشاد الذي له وسائله ومجالاته، فالأدب كما هو الإبداع في كل أنواع الفنون، أداة أو أدوات لإثراء الوجدان وتعميق الوعي لدى البشر وتقوية الحس الجمالي، وعندما يتضاءل الاهتمام بالإبداع الأدبي والفني ويتم تهميشه ومحاربته أحيانا يقع الخطأ بل والكارثة وهذا ما ارتكبته المجتمعات العربية عندما همشت الإبداع وأهملته وأسهمت في تجريف وتحريف وتصحير العقل والوجدان.

وهل نحن بحاجة إلى تجديد الخطاب الأدبي على غرار تجديد الخطاب الديني؟
ليس هناك إطلاقا مثل هذا الكلام، نعم لتجديد الخطاب الديني لأن قرونا من الجمود، هى التي صنعت هذه القوالب الجامدة في الدين وعزلته عن روح العصر ونبض الحياة والواقع، أما التجديد في الأدب فصيرورة مستمرة، وما يحتاجه الأدب في الوطن العربي هو الاهتمام به وتقديمه كسلاح في المعركة الحضارية وإعادة الاعتبار للثقافة والفكر والفنون، لأننا لن نستطيع أن نصنع حضارة بلا أدب وفن.

باعتبارك دبلوماسيًا.. كيف تقيم أوضاع العلاقات العربية؟
هي حالة مؤسفة من التشرذم والتشظي، ويحتاج الأمر إلى جهد كبير جدًا، تستنفر فيه العقول، وتلتقي فيه الخلايا الحية في جسد الأمة العربية لإعادة اللحمة إلى سابق عهدها.

هل بإمكانك رسم صورة أدبية تتوقعها لمستقبل المنطقة؟
لنقل بداية إننا نعيش عصرا وصلت فيه الفتوحات العلمية، وأساليب التحصيل والمعرفة إلى دراجات غير مسبوقة، ونعلم أيضًا أن الثقافة صارت لها الأولوية ليس فقط في تربية المجتمعات وتأهيلها للانطلاق في ركب الحضارة، لكن صارت أيضًا مصدرًا للدخل القومي، وهناك شعوب ودول بينها الكيان الصهيونية، صار المنتج الثقافي لها، عاملًا من عوامل التنمية الاقتصادية، ورفع الدخل القومي ودول تحسب مع دول العالم الثالث مثل الهند والصين صار المنتج الثقافي متمثلًا في الأفلام ومنتجات الكومبيوتر والثقافة الرقمية يشكل البند الأكبر في الصادرات ونحن نرى غزو المسلسلات التركية والهندية والبرازيلية للفضاءات العربية، والأدب طبعا ليس إلا جزء من هذا الفيض الإبداعي في شتى مجالات الإبداع فعندما تحصل النهضة الفنية الأدبية فلابد أن تتميز بالشمول والإحاطة وأن تتأجج شعلة الإبداع في قلوب المبدعين أدباء وفنانين على السواء، وأعتقد أن الأمر لا يأتي من تلقاء نفسه ولابد من خطة لبعث حضاري، وعمل عربي مشترك تتكاثف فيه الجهود مشرقًا ومغربًا لتحقيق النهوض والازدهار.

وكيف تقيم الأوضاع في لبيبا وهل يمكن أن تعود دون تقسيم؟
لا أعتقد أن التقسيم وارد رغم وجود أصوات تطالب بما يسمى الحكم الفيدرالي، لكن لم نسمع صوتا واحدًا يطالب بوجود كيان مستقل عن كيان الدولة الليبية، وطبعا من المؤسف أن يحدث في ليبيا ما حدث وأراه ليس بعيدًا عن ثلاثة عوامل، الأول الإرث البشع للنظام السابق، الذي خلق من عوامل الفرقة وزرع من الفتن ما كان ألغاما تفجرت بعد انهيار حكمه، والعامل الثاني أن ليبيا بثرواتها مطمع لقوى كثيرة، أما العامل الثالث هو دخول التطرف الديني على الخط، وكان السبب هو المعركة التي فرضها النظام الزائل على الشعب، لأن الثورة بدأت بمظاهرات سلمية حولها النظام الإجرامي الانقلابي إلى حرب مرعبة، وهذه العوامل الثلاثة هى التي تشابكت وصنعت حالة الفوضى والارتباك والاحتراب ولكن ليبيا قادرة على تجاوز محنتها.

أنت معروف بحبك ليوسف إدريس فكيف تقيم وضع القصة القصيرة هذه الأيام؟
الفنون تتجاور وتتعايش وكذلك الألوان الأدبية وليس صحيحًا أن هناك لونًا يمكن أن يطغي على آخر حتى يمكن أن يبعده عن الساحة، وأعتقد أن القصة القصيرة ستحظى دائمًا بمكانة متميزة مهما حدث من ازدهار لألوان أدبية أخرى مثل الرواية، التي نعلم أنها استقطبت جهود الأدباء إلا أن القصة القصيرة لها مكان لا يمكن أن تحتله الرواية، ومثال ذلك أن المطبوعة الدورية أو الصحيفة عندما تريد أن تنشر إبداعا سرديًا فهى غالبًا ما تنشر قصة قصيرة وليس رواية، وهناك مبدعون كبار مازالوا على قيد الحياة يمارسون كتابتها مثل أستاذنا يوسف الشاروني أطال الله عمره، وأنا شخصيًا وبشكل غير قصدي تتوازى وتتكافأ أعمالي الروائية مع أعمالي القصصية.

هل ترى أن الجوائز الأدبية أثرت الوسط الأدبي بأدباء جدد؟
نعم بالتأكيد ولكن للأسف الشديد العالم العربي تتحكم فيه «الشلالية» والعلاقات الشخصية وهذا الداء يفقد هذه الجوائز قيمتها، وصعب جدًا أن تجد جائزة نزيهة وأنا أقول هذا الكلام وبين يدي أدلة قاطعة على التحيز وسوء التحكيم وتغليب الغرض والمصلحة والدافع الشخصي في هذه المسابقات، ولهذا فان هذه الجوائز لا تصلح معيارًا للتقييم فيما أرى وتبقى الجائزة هى جائزة القارئ وربما النقد في أحيان كثيرة.

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق


الأكثر قراءة