دواعش الآثار والسياحة

الأحد، 26 فبراير 2017 09:19 ص
دواعش الآثار والسياحة
إيهاب عمر يكتب

خلال سنوات مبارك جرى تحول فريد في العقيدة الاقتصادية للدولة المصرية، إذ كانت مصر دائمًا تنتج الأغلبية الساحقة مما تحتاجه، حتى سنوات عبد الناصر والسادات رغم ظروف الحرب، بل وكانت مصر مطمعًا للاستعمار بسبب وفرة الإنتاج والثروات، حتى أن خان العثمانيين سليم الأول أمر بجلب أمهر الأيدي العاملة المصرية، إلى عاصمة دولته في رحلته للعودة إلى الأناضول عام 1517.

هذه العقيدة الاقتصادية سببها أن مصر دولة مستهدفة عبر التاريخ لخصائصها الجغرافية وثرواتها الطبيعية ووفرة العنصر البشري، لذا لا يمكن أن نترك للغير فرصة أن يتلاعب بقوت الناس، ولكن في سنوات مبارك تقرر إلغاء هذا الفكر للمرة الأولى منذ نشأة الدولة المصرية في الألفية العاشرة قبل الميلاد.

وقتذاك كانت مصانع وشركات القطاع العام قد بدأت تعاني من فشل الإدارة، وبدلًا من إصلاح الإدارة أو إدخال الرأسمالية الوطنية بنسبة 49%، تقرر البيع تحت راية الخصخصة، وفتح الأسواق المصرية لاستيراد أسوأ بضاعة في سوق العولمة مقابل تصدير أفضل ما لدينا للعالم طمعًا في العملة الصعبة.

ومن أجل أن نحصل على طعامنا، وكل ما يستلزم حياتنا كان يجب أن نوفر العملة الصعبة، وتقرر أن يكون مصدر العملة الصعبة ثلاثة قنوات؛ الأولى السياحة والثانية قناة السويس والثالثة الاستثمار الأجنبي.

كانت الحرب مع إسرائيل قد انتهت، وترهلت الأفخاذ والكروش، فلم يتنبه أحد إلى الكوارث الاستراتيجية لهذا التوجه، رغم أن الشرق الأوسط، وقتذاك كان يعاني من الحرب الخليجية الأولى ما بين العراق وإيران والحرب الأهلية اللبنانية، ثم الجزائرية، وبوادر الانتفاضة الفلسطينية الأولى إلى جانب حزام لا ينتهي من الحروب الأهلية يضرب إفريقيا.

ورغم ذلك لم ينتبه الخبراء وقتذاك إلى أن السياحة يمكن أن تتأثر مع أول قنبلة تُلقى في دولة من دول الجوار، وأن عبوة متفجرة لا تحتوي إلا على دستة مسامير يمكن أن تضرب موسمًا سياحيًا بالكامل، ولم ينتبه أحد إلى أن قناة السويس يمكن أن تتأثر بمجريات الحروب في دول حوض البحر الأحمر والمتوسط، أو أن يحدث أزمة عالمية تؤثر على حركة الملاحة التجارية الدولية.

ولم يتنبه واحد وقتذاك أن الاستثمار الأجنبي يمكن أن يتأثر بالحروب في دول الجوار وبالأزمات الاقتصادية الدولية، ولم يتنبه أحد أيضًا إلى أن السياحة والملاحة التجارية في قناة السويس والاستثمار الأجنبي مرهون باندماج مصر في منظومة المجتمع الدولي وأن كافة محاولات استقلال القرار السياسي والاقتصادي سوف تجعل الاستعمار يستخدم السياحة وقناة السويس والاستثمار الأجنبي باعتبارهم كروت لعب لخنق التجربة المصرية.

كان العمل يجرى وقتذاك على قدم وساق لدخول مصر بيت الطاعة الأمريكي، وتقديم القرابين للعولمة الأمريكية، لذا لم يكن أحد يتخيل وهو يجرد مصر من درعها الصناعي أن لكل من يحاول إرضاء سادة الغرب فترة صلاحية فحسب، وأتت سنوات بوش الابن وباراك أوباما وجرى ما جرى عام 2011.

وطيلة تلك السنوات ظلت إدارة ملف السياحة علامة استفهام مريبة، وقد شاء القدر أن أرى وجهًا آخرًا للفشل في إدارة هذا الملف بسبب ملامحي الجرمانية، سواء ذهبت إلى هضبة الهرم أو خان الخليلي أو شرم الشيخ وغيرها من المزارات السياحية المصرية، فإن العاملين في قطاع السياحة والآثار في مصر يتفوهون أمام الأجانب بمصطلحات لا تليق، ويا ليت الحديث عما يجرى بينهم، بل يدور بين فريق العمل حوار ساخر عن شكل أو طلب أو سلوك السائح باللغة العربية ظننًا منهم أن هذا السائح صاحب الوجه المخضب لن يفهم اللغة العربية.

استخفاف وتطاول وشق تربوي وتعليمي منعدم من النفوس، بل ونظرة إدانة أخلاقية للسائح مهما كان محافظًا، فهو كافر لمجرد أنه أجنبي وفقًا للمذهب الإخواني الداعشي، وفي نفس الوقت، وكمظهر من مظاهر التدين المصري، فإن نفس من ينظرون إلى السائح باعتباره كافرًا وزانيًا وسكيرًا هم من يقومون بحيل نصب مستمرة على مدار الساعة حتى لتظن أن «نساءهم وأموالهم حلال لنا» هو عنوان اللعبة.

فالسائح في بلادنا فريسة يجب عصره حتى آخر سنت، وفي بعض الأحيان هو فريسة لا اقتصادية فحسب بل جنسية أيضًا، وفقًًا للعقلية المصرية التي تنص على أنها لا ترتدي الحجاب إذن هي تعشق التحرش والاغتصاب، ويُعتبر عرض الزواج أو ممارسة الجنس أو رمي الكلام ذي مدلول جنسي هو شكوى رسمية ودورية من أغلب السائحات اللاتي يزرن مصر، والمبهر – كما تعرف كل فتاة مصرية – أن منظومة التحرش والاغتصاب تدور تحت غلاف تدين محافظ إخواني بمرجعية داعشية.

وبالطبع من أهم أدوات النصب هو هذا السعر المبالغ فيه لكل شيء، حتى أصبحت الجولة السياحية في عواصم أوروبا أرخص ثمنًا من زيارة القاهرة أو شرم الشيخ، في زمن يحمل السائح هاتفًا ذكيًا، ويمكن عبره خلال ثوان أن يستعلم عن ثمن السلعة الحقيقي حتى بأسعار البلد التي يزورها، حتى يفهم طبيعة عملية النصب الجارية عليه منذ اللحظة التي يصل فيها إلى مصر.

والعامل المصري عمومًا، وفي قطاع السياحة خصوصًا، يتفرد حول العالم بخاصية أنه يحاول بشكل دائم أن يعرفك حقيقة وضعك وأنه لا يعمل لديك أو لدى الأسرة الكريمة، وأنه عليك ألا تنسى نفسك، وتتفهم أنه شريك لك في كل شيء خاصة المستوى الطبقي، وأنه يعمل من أجل تسلية وقت فراغه ليس إلا، ولا توجد آلية لسماع شكوى السائح، وإن حدثت معجزة وجرت فإنه يتم إيهام الزبون بأن كلامه منفذ، فلا مشكلة في التظاهر أمام هذا العبيط – وفقًا لرويتهم – لبضعة ساعات وربما أيام قبل ما يسافر الزبون عائدًا إلى بلاده.

أما الحديث عن دور الدولة في قطاع الآثار، فحدث ولا حرج، في واقع الامر إن أي دولة أخرى تمتلك مدينة مثل الأقصر وأسوان فإني أجزم أنها كانت سوف تكتفي بعوائد السياحة هنالك ويتحول سكانها إلى النمط الخليجي في الدخل والمعيشة، 20% آثار العالم في مدينة واحدة تركت وسلمت للفساد والإهمال وشبكات من البلطجة المستترة.

أما هضبة الأهرام إحدى معجزات العالم السبع فقد تم تسليمها منذ سنوات إلى ميلشيات نزلة السمان، فلا عجب أن يصر النجم الأرجنتيني لونيل ميسي على التصوير مع أحدهم هناك، فالزائر للأهرام منذ اللحظة الأولى سوف يدرك أن سلطة المكان في يد هؤلاء بينما تنتهي سلطة الحكومة آخر شارع الهرم.

ودائمًا يتناهى إلى مسامع الديلوج الداعشي المعتاد بين الكثير من العاملين في الجهات الأثرية في مصر حول ازدراء الحضارة المصرية القديمة وعن اندهاشهم من الطوب والزلط الذي يزوره الأغبياء الشقر من شتى أنحاء العالم، وأنه لولا أن هذه الحجارة تساهم في «النصباية» لكان جزاؤها هو التحطيم على الطريقة الإخوانية الداعشية، ولكان أول من فعلها هم موظفو قطاع السياحة والآثار.

لدينا مئات الآلاف من كراتين وصناديق ودواليب الآثار في كل ركن في مصر، يمكننا أن نقيم متحف للحضارة المصرية القديمة في كل محافظة بما لدينا ويمكننا أن نقيم مدينة كاملة من الآثار أو متحفًا مفتوحًا.
ولكن قبل كل هذا يجب إصلاح التعليم الفندقي والسياحي لدينا أو ان يتلقى أي شخص يلتحق بهذا المجال دورة تدريبية ترتقي بأخلاقه وتربيته عن المستوى العام السائد بدلًا، من براكين الغل الاجتماعي التي تموج في النفوس، فلا يعقل أن نرى كافة العاملين في قطاع السياحة لديهم ازدراء للسياحة الداخلية والمواطن المصري بينما هم يطبقون أسوأ ما في المصريين مع الأجانب!

ويجب أن تتفهم الحكومة أن قطاع الآثار يمكن يدير لمصر دخلًا بالعملة الصعبة أضعاف ما تقدمه قناة السويس، وبعض الاستثمارات الأجنبية، وأن يتم الاهتمام بالعاملين في هذا القطاع وإعطاؤه الأولوية بدلًا من الاقتراح الساذج الذي طرحه البعض خلال التعديل الوزاري بالأخير بإلغاء وزارة الثقافة ودمجها في وزارة السياحة أو الثقافة!

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق