«الدمرداشيون» يصومون على الطريقة المسيحية وخلوتهم كالرهبنة فى مسجدهم بالعباسية

الإثنين، 06 مارس 2017 11:59 م
«الدمرداشيون» يصومون على الطريقة المسيحية وخلوتهم كالرهبنة فى مسجدهم بالعباسية
كتبت- أميرة عبد الصبور

للصوفية أسرار وطقوس، قد يراها البعض تطرفا وانحرافا عن صحيح الدين الإسلامى، ويرى آخرون، أن فيها ترانيم فى مضمونها وثنية والحاد وكفر بالله، وتعد الطريقة «الدمرداشية»، التى تنطلق من مقرها الرئيسى بمسجد الدمرداش بالعباسية، أكثر الطرق جدلا وغرابة وأسرارا خفية، وتتشابها طقوسها فى الصوم والخلوة مع صوم المسيحيين الأرثوذكس، والخلوة مثل الرهبنة تماما بترانيم دمرداشية.
يعد مسجد الدمرادش، أحد أقدم مساجد حى العباسية، وعمره يتعدى ٥٠٠ عام، بناه «قايتباى» وأهداه إلى شمس الدين التبريزى، لولائه له فى خدمته، وتكشف الروايات، أن شمس الدين، هاجر إلى مصر من بلاد فارس «إيران» حاليا، وكان يشتهر بأنه يتعبد كثيرا، حتى فى الليالى شديدة البرودة، وفى إحدى الليالى، دخل عليه «قايتباى»، فقال عنه باللغة الفارسية «دمير– طاش»، والتى تعنى باللغة العربية «القلب الحديدى»، وبعدها تم تحريفها إلى كلمة دمرداش، واشتهر هذا الرجل بالشجاعة، حتى أنه نزل إلى قبر الرسول، عندما ألمت به صاعقة نارية، أحرقت المسجد النبوى، فأمره «قايتباى» بالنزول إلى قبر الرسول، لرؤية ما فيه من أضرار، فخرج بعدها خائفا وصامتا لايتكلم، وأطلق عليه بعد ذلك لقب «المحمدى» لهذة القصة، وبعد أن رجع أقام فى بيته خلوة لنفسه، وطلب من «قايتباى» بناء قبة الدمرداش، التى بنيت على الطراز العثمانى، ويتخللها عدة خلوات، عبارة عن حجرات صغيرة، لا تتعدى مساحتها متر فى متر، مظلمة ولها باب من خشب الأبانوس القديم.
 
كان للدمرداش، طريقة للتعبد، اقتبسها من بلاد إيران من التشيع الفاسى، وهاجر بها إلى مصر، والغريب أن هذه الطريقة الصوفية، تمتزج بالكثير من الشعائر الدينية للأقباط « الأرثوذكس»، ولهم أوراد لا يعلم سرها إلا من يلتحق بالطريقة، وفيها من أمور الرهبنة والكهنة ما يشابه الأفكار الدينية لدى المسحيين، ولكنها تتخذ من السور القرآنية تراتيل لها، ويتوافد على المسجد الكثير من أصحاب المشاكل والحوائج، لقضاء حوائجهم من صاحب الضريح الذى لا حول له ولا قوة.
 
المؤرخ الإسلامى زكى بيومى، قال لـ « صوت الأمة »، إن صاحب الطريقة الدمرداشية، كان يتقاضى دعما ماديا من بريطانيا، وكان عبد الرحيم الدمرداش باشا، مرتبطا ارتباطا وثيقا بالمندوب السامى البريطانى، السير «جورج لويد»، كما أن بريطانيا ساعدتة فى الحصول على اعتراف رسمى بالطريقة من المجلس الصوفى عام ١٩٢٩.
 
وقال الشيخ إبراهيم بندق، أحد خدام الطريقة الدمرداشية بمسجد المحمدى، إن هناك حضرة تقام كل يوم خميس بعد العشاء فى بواكى المسجد الخمس، ويجلس فى الباكية ٤ أفراد، ويسمون «بالخلواتية»، وهم تلاميذ شيخ الطريقة، وغير البواكى، يوجد حوالى ٩٠ غرفة صغيرة مساحة الواحدة منها «نصف متر فى متر»، تشبه القبو، مظلمة لا يدخلها النور ولا الشمس، وتوجد بها طاقتان، واحدة يوضع بها طبق أرز مجهز بطريقة معينة، يعرفها الشيخ، والأخرى يوضع بها «شفشق» عصير ليمون، وهذا الإفطار، يتم تناوله عند صلاة المغرب بعد الصيام، والخلوة عبارة عن ثلاثة أيام لايكلم فيها المريد أحدا، ويمكث فى الحجرة المظلمة، دون أكل أوشرب أونوم من يوم الاثنين٢١ شعبان إلى يوم الخميس بعد العشاء يوم ٢٤ شعبان، موعد مولد الشيخ الكبير، شمس الدين المحمدى الدمرداشى.
 
ويروى الشيخ إبراهيم، أن المريد قبل الدخول إلى الخلوة، يبدأ فى عمل رياضة، وهى الصوم عن جميع الأكل الذى به روح، مثل: اللبن والزبدة والبيض واللحوم والسمك، مثل صوم الطائفة «الأرثوذكسية القبطية»، ويأكل كل طعامه بزيت السمسم، أو أى نوع زيت آخر، بداية من أول شهر رجب، وحتى النصف الثانى من شعبان، وقبل الدخول إلى الخلوة، يتم عمل ما يسمى بـ«السماط» للخلواتية، وهم الداخلين فى الخلوة، وهو عبارة عن الأرز بالزيت معمول بالطريقة الدمرداشية واللحوم المتنوعة والسلطات، وذلك لإعداد المريد إلى الخلوة لمدة ثلاثة أيام فى حجرة مظلمة، لا يتحدث خلالها إلى أحد مهما كان، ويعتزل الدنيا كلها، ويتعبد بورد الطريقة، الذى لا يعرفه إلا المريد والشيخ، ولا يأكل الطعام، ولا ينام، ولا يخرج من هذه الحجرة إلا لصلاة الجماعة، أما السنة، فيصليها فى الغرفة، وعند صلاة المغرب، يتم توزيع طبق الأرز بالزيت، وشفشق الليمون وكوب من القهوة للتنيبه وعدم النوم والاغفال عن الذكر فى الخلوة.
 
حجرة السلاح:
 
ويوجد بالمسجد حجرة تسمى «السلاح»، يجهزون فيها القهوة، وهى بمثابة السلاح للخلواتى، لعدم الدخول فى النوم والاغفال عن الذكر، وقول الأوراد، وهى حجرة صغيرة فى جانب المسجد، يوجد بها بوتاجاز صغير، يتكون من شعلتين، وفى القدم كانت تسوى القهوة على نار الخشب أو «المنقد» باستخدام عصاية خشب للتقليب، وتسوى القهوة فى السلاح، وهو عبارة عن إبريق أثرى من النحاس الأبيض، ومختوم بخاتم أثرى قديم و«فناجين» القهوة أيضا من النحاس الأبيض اللامع، ذات الطابع الأثرى، وبعد عمل القهوة، تأخذ إلى ضريح الشيخ المحمدى الدمرداشى، ويقرأ الفاتحة أمام المقام مع وضع فانوس بداخله شمعة أمامه، ثم تفرق القهوة على المريدين فى الخلوة.
 
ويوجد بالمسجد فى الجانب الغربى مطبخ الطريقة، وهو ذو طابع أثرى ونقوش وزخارف من العصور القديمة، وبه خرامة قديمة، وعدد من الأوانى الأثرية القديمة للطبخ، ومجموعة من أجهزة البوتاجاز، والأكواب والبيارق المنمقة، ذات النقوش الفريدة، ويقوم على عملية طهو الطعام، مجموعة من أجود الطباخين، لعمل السماط للخلواتية، وإعداد الطعام فى مولد شيخ الطريقة الكبير، شمس الدين المحمدى الدمرداشى، للفقراء والمساكين والاحتفال بالمولد.

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق