في يوم الشهيد.. قصة «رياض» الجنرال الذهبي (بروفايل)

الخميس، 09 مارس 2017 09:38 ص
في يوم الشهيد.. قصة «رياض» الجنرال الذهبي  (بروفايل)
الفريق أول عبدالمنعم رياض
كتب- محمد الشرقاوي:

في وسط القاهرة وبجوار المتحف المصري، وفي نقطة التقاء «مفارق» وضعت الدولة تمثالا من «البرونز»، لرجل ذو بدلة عسكرية يحمل في يده اليمني «منظار الميدان»، ليظل يلقي نظراته على سماء الوطن ويترصد تحركات العدو كما اعتاد في حياته.

طفل لم يتجاوز عامه الخامس عشر، أمسك بيد رجل كبير طاعن في السن، في طريقهما إلى مجمع التحرير لإنهاء أوراق تساعده في الحصول على معاش ابنه الذي استشهد في عملية «حق الشهيد» - التي تشنها القوات المسلحة المصرية لتطهير سيناء من الإرهابيين.

جذب الطفل يد جده كما يناديه، مشيرًا بيده إلى التمثال الذي ارتفع عن الأرض 6 أمتار والذي نفذه المثّال فاروق إبراهيم، من هذا يا جدي؟، أيقن الرجل السبعيني وقتها ضرورة الجلوس على الاستراحات الرخامية، ليحكي لفتاه «حدوتة أبو الشهداء» كما أسماه.

بدأ الرجل ذا الجلباب الرمادي حديثه عن صاحب التمثال بقوله: «الصفوة يختصهم القدر بالخلود كما اختص عمك بالشهادة»، إنه الجنرال محمد عبد المنعم محمد رياض، فريق أول رئيس أركان حرب القوات المسلحة المصرية في حرب الاستنزاف، اصطفاه الله بالشهادة بين جنوده على الخطوط الأمامية في 9 مارس 1969‏.

                         تمثال الشهيد
 
ولد الشهيد في 22 أكتوبر عام 1919، بقرية «سبرباي» محافظة الغربية، وكان والده «القائم مقام» عقيد محمد رياض عبد الله قائد كتائب الطلبة بالكلية الحربية، تلقى تعليمة الابتدائي في مدرسة السيدة نفيسة بالعباسية ثم بمدرسة العريش الابتدائية ثم انتقل إلى مدرسة الرمل الابتدائية بالإسكندرية.
 
التحق بالكلية الحربية في 6 أكتوبر 1936 وتخرج منها في 21 فبراير 1938 برتبة الملازم ثان وكان ترتيبه الثاني على دفعته، ثم التحق بكلية أركان الحرب وحصل على ماجستير العلوم العسكرية عام 1944 وكان ترتيبه الأول على الخريجين.
 
                            الملازم ثاني محمد رياض

شارك في الحرب العالمية الثانية عام 1939 بالصحراء الغربية ومرسى مطروح، ثم شارك في حرب فلسطين عام 1948، ثم قائدًا لمدرسة المدفعية المضادة للطائرات في مايو 1952، ثم قائدًا لنفس السلاح في يوليو عام 1954، تدرج بعدها في الرتب العسكرية والمدارس الحربية، قضى عدة سنوات في أرقى الكليات العسكرية بالاتحاد السوفيتي حيث أطلق عليه الروس لقب «الجنرال الذهبي».

بتنهيدة تذكر الرجل مشاركته في حرب العدوان الثلاثي على مصر عام 1956، التي شارك فيها أيضًا «رياض» قائدًا لسلاح المدفعية المضادة للطيران، ومن قبلها حرب فلسطين خلال عامي 1947 – 1948 عمل وقتها في إدارة العمليات والخطط في القاهرة، وكان همزة الوصل والتنسيق بينها وبين قيادة الميدان في فلسطين، ومنح وسام الجدارة الذهبي لقدراته العسكرية التي ظهرت آن ذاك.

يكمل: شغل «رياض» منصب رئيس أركان سلاح المدفعية عام 1960 ثم نائبًا لرئيس شعبة العمليات برئاسة أركان حرب القوات المسلحة عام 1961، وأسند إليه منصب مستشار قيادة القوات الجوية لشؤون الدفاع الجوي، ثم اشترك وهو برتبة لواء في دورة خاصة بالصواريخ بمدرسة المدفعية المضادة للطائرات خلال عامي 1962 – 1963، وفي عام 1964 عين رئيسًا لأركان القيادة العربية الموحدة.ورقي في عام 1966 إلى رتبة فريق.

                            

 

حسب ما جاء في «موسوعة مقاتل: عبد المنعم رياض»، فإن المارشال أندرێ گريچكو وزير الدفاع السوفيتي في  1967 على الجنرال الذهبي أثناء زيارة الزعيم جمال عبدالناصر إلى روسيا، قال عنه: «الجنرال رياض عسكري من طراز فريد، إنني لم أصادق جنرالًا غير سوفيتي، يجيد اللغة الروسية مثلما يجيدها رياض».

رقي إلى رتبة «فريق» في 1966، ثم عين قائدا لمركز القيادة المتقدم في الأردن ثم عين قائدا للجبهة الأردنية، كانت له مقولة شهيرة تدرس في الكليات العسكرية: «إذا حاربنا حرب القادة في المكاتب بالقاهرة فالهزيمة تصبح لنا محققة.. إن مكان القادة الصحيح هو وسط جنودهم وفي مقدمة الصفوف الأمامية».

فجأة بكى الرجل العجوز، متابعًا: في يوم 8 مارس 1969 فتحنا نيران المدفعية على مواقع العدو وتحصيناته في إطار حرب الاستنزاف، وعلى الفور قرر الشهيد السفر إلى الإسماعيلية لمراقبة الأمور على الطبيعة وكانت إسرائيل قد انتهت في هذا الوقت من بناء خط بارليف، وكان عبد المنعم رياض أحد الذين أشرفوا على تنفيذ خطة لتدمير الخط.

في الساعة الحادية عشر صباح يوم 9 مارس 1969، استقل الشهيد سيارة عسكرية إلى الجبهة وأصر مقابلة الجنود برغم معارضة الضباط له، وفي تمام الساعة الثالثة والنصف وصل إلى الموقع المتقدم رقم 6، بعدها بدأ القصف الإسرائيلي فجأة مركزًا على المناطق المدنية، وفجأة انهالت دانات المدافع، وإلى جانبه قائد الجيش ومدير المدفعية، ليكون هدير الطلقات شاهدًا على النفس الأخير من حياة الشهيد.

                                     

 

انتهى حديث الرجل العجوز، وسحب هو يد الفتي الصغير؛ ليكملا طريقهما إلى مجمع التحرير لاستخراج أوراقه.

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق


الأكثر قراءة