هؤلاء الرجال «صدقوا ما عاهدوا الله عليه»
الإثنين، 13 مارس 2017 03:32 م
عبد المنعم رياض مع جمال عبد الناصر
كتب - مصطفى الجمل
الفريق عبدالمنعم رياض.. حكيم العسكرية المصرية.. والنقيب «دياب» شعر بقرب استشهاده فترك وصيته.. ووالدة «جابر» تحج فى ذكرى الشهادة.. والرائد عمرو وهيب ينالها يوم مولده
الحياة لديهم لا تساوى جناح بعوضة، الشرف كان دائما نبراسا لهم فى الميدان، ودماؤهم كانت أرخص تضحية فى عيونهم، إلا أنه الشرف الذى رفع جباه 90 مليون مواطن - يعيشون بأمان دفع ضريبته الشهداء مقدما - حتى كادت تناطح السماء.
لم يكن جنود وضباط القوات المسلحة كغيرهم ممن يعيشون ويموتون، ولا يذكر اسمهم بحرف واحد فى كتب ودروس التاريخ، بل صفوة اختصهم المولى بالخلود، على مسرح الحرب والعمليات، ضربوا المثل فى التضحية والفداء بكل ما يملكون من أجل رفعة وطنهم وحماية أرضهم.
يوم الشهيد الذى نحتفل به فى 9 مارس من كل عام، إحياءً لذكرى الفريق عبدالمنعم رياض، رئيس أركان حرب القوات المسلحة الأسبق، الذى استشهد وسط جنوده على الجبهة فى الضفة الغربية لقناة السويس عام 1969، دائما ما نستمد منه المدد والعون لمواجهة تحديات المستقبل، ففى كل سطر من قصص استشهاد الأبطال دروس وعظات، ما إن وضعناها أمامنا، لن يحل عقدنا أبدا.
«مكان الجنرالات بين جنودهم» أربع كلمات تلخص منهج الجنرال الذهبي، الذى آبى ألا يستشهد إلا واقفا بين جنوده، كاتما آلام إصابته بداخله، حتى لا يفتت عزيمة رجاله الذين كانوا مشغولين برد غارات العدو على مواقعهم.
المكان: المعدية رقم 6. الزمان 9 مارس 1969. الحدث: رئيس أركان القوات المسلحة يتفقد الخطوط الأمامية للجيش بالقرب من تمركز خطوط العدو، على مرمى العين يبدو شريط القناة ينادى على رجالنا بالعبور، فهم للتو منتصرون فى معركة كبّدوا فيها العدو خسائر كبيرة، ونوايا الانتقام من جانب العدو قائمة وبشدة، والجنرال أدرى فرد بذلك، يعلم أن وجوده فى هذه المواقع المهددة دائما من العدو يعرض حياته للخطر، ولكنها العزيمة التى فطر عليها.
فى تمام الثانية ظهرا، وصل البطل مرتديا زيه المدنى وبيده عصاه، يطلب من رئيس أركان التشكيلات، أن يمر على الوحدات ليقابل الرجال الذين حاربوا بالأمس، رافضا أن يصطحبه رئيس أركان التشكيل، مكتفيا بأن يذهب فى سيارة جيب قادها رقيب أول، وبالجوار رئيس أركان الجيش الثاني، وقائد المدفعية، وفى سيارة أخرى كان النقيب المرافق للفريق عبدالمنعم، وبعد أن سلكت السيارتان طريقهما إلى الكتيبة عند المعدية 6 وما حولها، قابله قائد الكتيبة ورئيس عملياتها، وحاول قائد الجيش أن يجعله يزور موقعا خلفيا لكنه قال له إنه سيذهب حتى ولو قطع الطريق إلى المقاتلين زاحفا، وأخذ ينتقل إلى مواقع المقاتلين، وطلب من قائدها أن يبقى فى غرفة العمليات تحسبا لأى طارئ، واصطحب معه رائدا من الكتيبة وطلب منه زيارة الموقع الأمامى ليلتقى جنوده ويناقش قادته، وبعد أن مكث معهم وقتا اتجه إلى الموقع رقم 6، وكان هذا الموقع يبعد عن مياه القناة سبعة كيلو مترات فقط وبين العدو على الشط الشرقى نحو مائة وخمسين مترا، وفجأة فتح العدو نيرانه وتجددت المعركة والتفت الفريق رياض إلى الرائد الذى كان يصاحبه وقال له «روح أنت وحارب فى كتيبتك»، بينما قفز هو فى حفرة حدثت نتيجة قذيفة منذ فترة، وقفز قائد مدفعية الجيش إلى حفرة مجاورة، وخلال ذلك سقطت دانة أصابت الفريق، ورئيس الأركان اللواء سعدى نجيب.
رغم الإصابة الصعبة إلا أنه لم يناد على أحد، وكتم آلامه فى صدره، رافضا أن يشرك فيها أحدا، حتى لا ينشغل الرجال عن معركتهم، وهكذا استشهد البطل عبدالمنعم رياض.
ويحكى لنا اللواء طلبة رضوان، قائد سرية مشاة بالكتيبة 12 مشاة، الأبطال الذين قادوا تحرير النقطة الحصينة تبة الشجرة فى حرب أكتوبر، قصة استشهاد النقيب متولى حسين دياب، الذى توقع استشهاده، فترك لزملائه أشياءه ووصيته. يقول اللواء طلبة : «النقيب متولى من الدفعة السابقة لى فى الكلية الحربية، وتخرج معى كضابط مدفعية، وتخصص فى الصواريخ فهد، علاوة على أنه ابن منطقتي، انضم «دياب» إلى كتيبة الفهد لقيادة الفرقة الثانية مشاة معي، ومع بدء التدريب على العبور اتفقت معه على تثبيت فصيلة الفهد التى تدعمنى دائما فى المشروعات التى نجريها، فنفذ ذلك ما أدى إلى خلق روح الفريق بيننا وبين هذه الفصيلة التى كان قائدها الملازم أول احتياط محمد محمد عجرمة». ويتابع رضوان: فى الواحدة من ظهر يوم 14 أكتوبر ونحن فى زحمة التصدى لهجوم مدرعات العدو، فوجئت به يحضر إلى موقعى ودون كلام يناولنى محفظته ودبلة خطوبته، ولما سألته إيه ده يا متولي؟ رد: «وصّل دول لأمي»، فاندهشت وقلت له ليه كده؟ فرد ضاحكا: «لأنى هموت النهارده».