مأساة السكة الحديد

الخميس، 16 مارس 2017 02:53 م
مأساة السكة الحديد
صبرى الديب يكتب

 
منذ بداية عهد الرئيس السادات، وعلى ما يدار ما يقرب من 50 عاما، لم يمر على مصر حكومة لم تقطع على نفسها عهدا بتطوير مرفق السكة الحديد، ورغم ذلك لم تنفذ حكومة واحدة ولو جزءا من وعودها تجاه هذا المرفق، لتظل معاناة الفقراء مع الحالة المتردية للقطارات، وسوء الخدمة، واضطراب المواعيد، وسيطرة البلطجية، عرضا مستمرا لا ينتهى، وتظل وعود وزراء النقل ورؤساء الهيئة المتعاقبين مجرد تصريحات للاستهلاك ينتهى مفعولها بخروج المسئول، وتولى من بعده ليطلق وعود جديدة تنتهى صلاحيتها بمجرد تولى من يليه
 
 
ففى مايو 2009، أعلن أحمد نظيف رئيس مجلس الوزراء عن خطة لتطوير السكة الحديد، بتكلفة تصل إلى نحو 8.5 مليار جنيه، يتم تدبيرها من أموال الرخصة الثالثة للمحمول، البالغ قيمتها 17 مليار جنيه، وتولى بيت خبرة عالمى الأمر فى ذلك الوقت إعداد دراسة تفصيلية لمشروع التطوير، وأعلنت الحكومة بالفعل عن توجيه المبلغ لصالح الهيئة، وللأسف لم يتم تطوير شيء، ومضى الامر مثله من كل المشاريع الوهمية التى سبقته وما لحقته لتطوير المرفق
 
 
ولا أدرى كيف يتم ترك هذا المرفق على مثل هذا الشكل المتهالك، باستثناء عدد محدود من الرحلات على خطوط القاهرة أسوان، والقاهرة الإسكندرية، وما دون ذلك، فعلى المواطن الفقير أن يتحمل المواعيد التى من الممكن أن تتأخر عن الإقلاع لساعات، وعليه أن يستسلم للأمر الواقع، وأن يتحمل الجلوس على المقاعد القذرة والمتهالكة، وبجوار نوافذ أغلبها محطمة، ولا تحتوى على زجاج، ولا تقى من حرارة الصيف أو برد الشتاء، ويستنشق روائح كريهة تنبعث من الحمامات الموجودة فى أول وآخر كل عربة، والتى لا تحتوى على أيى مياه أو نوافذ أو أبواب
 
 
كما أنه على المواطن المسكين، أن يتحمل الجلوس وسط كم رهيب من البشر تكتظ بهم كل عربة، ويفترشون حتى الطرقات، وأن يتغاضى عن قذارة مئات الأحذية التى تتدلى فوق رأسه بشكل مباشر، من أرجل من يتخذون شبكات الحقائب كمقاعد وأسره، وأن يجلس فى الظلام لأن أغلب العربات لا تحتوى على إضاءة، وأن يصمت أمام سيل الألفاظ القذرة التى تخترق أذنيه وأذان كل السيدات والفتيات اللاتى يركبن القطارات، والتى تظل كعرض مستمر ولساعات من آلاف البلطجية والباعة الجائلين الذين يسيطرون على القطارات، ولا يجرأ أحد على التعرض لهم، فى ظل غيبة رهيبة من الأمن عما يحدث من ممارسات شاذة وغريبة وبشكل مستمر ويومى داخل تلك القطارات
 
 
ولعل الغريب فى الأمر هنا، أن كل الحكومات السابقة والحالية تعلم تمام أن الإقدام على تطوير منظومة السكة الحديد، وإعلانها كـ "مشروع قومى" كفيل بتغيير وجه الحياه فى مصر، وأن عملية ازدواج كل الخطوط، وإعلان جدول رحلات ومنتظمة، سوف يوفر كثيرا من استهلاك الوقود فى مصر، لأنه سيجعل عددا هائلا ممن يركبون السيارات الخاصة، ومن يصبرون على هوس ورعونة أغلب سائقى الميكروباص، ينتقلون مباشرة إلى ركوب القطارات، وبالتالى توفر كثيرا من الوقت والجهد والمال، والتخفيف بشكل مباشر من الضغط على الطرق، ويحد من نزيف الدم الذى لا ينقطع على الطرق جراء الحوادث، إلى جانب التقليل كثير من تكلفة نقل السلع والبضائع، وغيرها من المميزات
 
 
أؤكد أن المواطن الفقير لا يريد سوى موعد منتظم، وعربة آدمية نظيفة وآمنة، حتى وإن تم رفع التذكره للضعف أو الضعفين، ولكن ترك الأمر على ما هو عليه منذ إنشاء السكة الحديد فى العشرينات من القرن الماضى، يظل عارا يطارد كل حكومات مصر المتعاقبة
 

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق