العبثية الترامبية واندلاع الثورة الأمريكية (1)

الجمعة، 17 مارس 2017 08:03 م
العبثية الترامبية واندلاع الثورة الأمريكية (1)
حاتم العبد يكتب

 

تأبى الترامبية الأمريكية إلّا أن تُتحفنا بين الحينة والأخرى بما هو مضحك ومثير للسخرية، حتى أضحت الترامبية وجبة فكاهية مسلية، يلوذ بها الجميع للتخفيف من الضغوط الحياتية، وللاستراحة من عناء يوم عمل شاق، إنها وبحق وجبة تفي بالغرض وكفيلة بأن تحيل الكهل لرضيع، والحزين لسعيد، والباكي لضاحك.

أشفق على المحللين والأكاديميين المتابعين للشأن الأمريكي، فهُم لن يكون بمكنتهم متابعة وتحليل الترامبية، ذلك أنه وبفرض أنهم استوقفوا عن الضحك، وأمسكوا بقلم التحليل، وارتسمت الجديّة على الوجوه، فإن المحتوى العبثي والمسار التخبّطيللترامبية يحيلهم من جديد إلى نقطة الصفر، ويدخلهم في نوبات ضحك هيستيرية، سيّما إذا ما استحضروا صورة ترامب الشهيرة وهو يلوح لحرسه بإخراج صحفي أمريكي من أصول أجنبية! وتلك الصورة تتجدد يوميًا بشكل أو بآخر.

كنت عاكف على مراجعة كتاب جديد لي، بيد أنّ نزعتي للكتابة عن الشأن الأمريكي أو بالأحرى محاولة فهم الفلسفة الترامبية، تلك الوافدة الجديدة على الحياة السياسية الأمريكية، هو ما دفعني للكتابة في هذا الموضوع، وبما أن الترامبية المتشددة وقد أبت أن تعي الدرس، وآثرت صمّ الآذان عن صوت العقل والمنطق، فيكون بمكنتي القول وبما لا يدع مجالًا للشك أن الترامبية الوليدة هي في حقيقة الأمر في نهاية حياتها، وذلك بافتراض ثبات المعطيات وغياب المستجدات، فالتحليل الحالّ إنما هو تحليل لما هو حاضر، مستأنس بما هو ماضٍ، مفترضًا ما هو آتٍ.

يلوح في الأفق فرضين لنهاية الترامبية الأمريكية، كلاهما ذو حظوظ وافرة في التطبيق، الأول هو اندلاع ثورة أمريكية تجتثّ الترامبية من جذورها، والثاني هو نهاية الترامبية الأمريكية عن طريق المحاكمة، وتلك الفرضية هي الأخرى نوع من الثورة للديمقراطية وللمبادئ الأمريكية وإن اختلف شكلها.

اتساقًا واتفاقًا مع تلك فرضيات، أتناول مع حضراتكم بالتحليل، عبر سلسلة مقالات، نهاية الترامبية الأمريكية، وكيف للمؤسسية الأمريكية أنها ستقف في وجه استبداد وصلف الترامبية وكيف للمجتمع الأمريكي أنه لن يضحي بمبادئه ولا بمكتسباته.

***

استمرارًا لمسلسل المراهقة السياسية المتأخرة للترامبية الوليدة، ادّعت الترامبية أن الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما قد قام بالتجسس على حملتها الانتخابية في أكتوبر الماضي، ولعلّ مثل هذا الاتهام يدين ترامب والبيت الأبيض ويجبرهم على جولة جديدة من الاصطدام مع المؤسسية الأمريكية، إذ لو صحّ هذا الزعم، فإن أجهزة سيادية كانت على علم، وهو ما يحمل في طياته اتهام تلك الجهات بالتواطؤ مع أوباما، أي أنه وبدلًا من أن يخطبترامب ودّ تلك الجهات، ناصبهم العداء وبدلًا من استمالتهم نفّرهم منه، بل أحدث وقيعة وأنشأ خصومة بينه وبينهم وأنبت لديهم تربصًا به.

هذا الزعم وُلد لقيطًا، لم يجد من يعترف به أو يقف بجانبه، واستقطب سخط وغضب الأمريكيين جميعًا بما فيهم الجمهوريين أنفسهم، ودعا الجميع ترامب لتقديم ما بحوزته من أدلة لاثبات مزاعمه، وكانت المهلة حتى أمس الاثنين، لكن من دون جدوى.

المرشح الجمهوري الأسبق للانتخابات الرئاسية السيناتور جون ماكين، طالب ترامب شخصيًا إمّا بسحب الاتهام وتقديم اعتذار لأوباما وللأمريكيين وإمّا تقديم الدليل على صحة مثل ذلك زعم. لم يكن السيناتور جون ماكين وحده هو من على صوته للتعليق على المراهقة السياسية لترامب، فمنذ أيام طلب مدير مكتب التحقيقات الفيدراليأف بي آي، السيدجيمس كومي من وزارة العدل نفي اتهامات ترامب لأوباما بالتنصت على مكالماته الهاتفية ببرج ترامب في نيويورك، حيث مقر حملته الانتخابية وقتئذ.

بل اتسعت رقعة الاستهجان والمعارضة للأفعال الصبيانية لترامب لتشمل الجنرال جيمس كلابر، المدير السابق لوكالة الأمن القومي، والذي من جانبه شهد بعدم صحة هذه الإدعاءات.ليس هذا فحسب، بل نصل إلى الحزب الديمقراطي، حيث شنّت نانسي بيلوسي، زعيمة الديمقراطيين في مجلس النواب الأمريكي، يوم الأحد الماضي هجومًالادعًا عنيفًاعلى ترامب واصفة إياه بالمتشدد.

والقائمة بها الكثير والكثير، وإنما أردت هنا أن أنوّع بين المعترضين على السياسة الترامبية، وأظهر رفض الجميع لسياساته، وهو ما يُجمل أكبر حزبين أمريكيين بما فيها حزب ترامب نفسه، إضافة إلى المؤسسية الأمريكية.

لم يغفر للرئيس الأمريكي الأسبق بيل كلينتون ما حققه لبلاده من نمو اقتصادي غير مسبوق، فاق سبعة بالمائة، في أن يحاكم على حنثه باليمين، فما بالنا بمن عرّض أمن بلاده القومي للخطر، وبمن هدّد المصالح الأمريكية على طول امتداد العالم كله! وبمن استعدى المؤسسية الأمريكية ذاتها وافتئت على اختصاصاتها! لن تقبل المؤسسية ولا المجتمعية الأمريكية أن يعبث بمكتسباتها أي شخص أو تيار أو ظاهرة، كائنًا من كان، كما ولن تقبل البتّة مساسًا بمقدراتها وإنجازاتها المتراكمة. 

يضاف إلى ذلك كون الديمقراطيين لن ينسوا مواقف الجمهوريين ضدهم خاصة إبان محاكمة كلينتون، وسوف يحشدون للإطاحة بترامب. 

معلومًا بالضرورة ومقطوعًا بصحته أنّ من شأن المقدمات الصحيحة الافضاء إلى نتائج صحيحة، استخفّ البعض من المتابعين والمراقبين للشأن الأمريكي، الدعوات القادمة من ولاية كاليفورنيا والمطالبة بالاستقلال اعتراضًا على سياسة، بل غياب سياسة، الإمبراطور الاقتصادي ترامب، وواقع الأمر أنّ هؤلاء قد وقفوا بتحليلهم عند الشقّ القانوني لتلك الدعوات ولم يمسسوا لا من قريب ولا من بعيد بشقها السياسي، وفي هذا خلط لا مجال له بين ما هو قانوني وما هو سياسي.

لكل من رأى في الدعوات الآتية من كاليفورنيا مجرد رفاهية ديمقراطية والأمر لا يعدو كونه تنفيس أو نوع من الاحتجاج المكفول بالدستور الأمريكي أقول إنّ التحليل السياسي لتلك الدعوات يطلق صافرات الانذار ويدق نواقيس الخطر، إلى ما ربما تؤول إليه يومًا الولايات المتحدة الأمريكية. 

ولعلّي أرى في تلك الدعوات تهديدًا حالّا لمستقبل الترامبية الأمريكية، إذ من المعلوم أنّ ولاية كاليفورنيا هي مركز اقتصاد الاتحاد الفيدرالي الأمريكي وشريان حياته، ومن هنا تتضح خطورة هذه الدعوات. 

أشرت في مقال سابق حمل عنوان أمريكية ترامبوترامبية أمريكا، وأكدت فيه أن المؤسسية الأمريكية سوف تنتصر على الظاهرة الترامبية، وأن المجتمع الأمريكي لن يضّحي بمكتسبات الآباء وتضحيات الأجداد إرضاءًا لمراهقة متأخرة. 

خروج تلك الدعوات وعلى هذا النحو وبفرض استمرار العبثية الترامبية - وهذا المرئي حتى الآن - سيشكل نواة الثورة الأمريكية على الترامبية المؤقتة، ولسوف تتسع رقعة الدعوات ولسوف ينضم إليها المزيد من الولايات والشخصيات المؤثرة في صناعة الرأي العام الأمريكي، ولسوف تكون الثورة الأمريكية ثورة على التشدد والانحراف السياسي، ثورة من أجل الديمقراطية ومن أجل المبادئ التى يحيا بها المجتمع الأمريكي. 

رحم الله الملحن المصري الشيخ سيد مكاوي حينما غنّى أغنية "قبل ما كنت ترميني في بحورك مش كنت تعلمني العوم!" عسى أحد المصريين أو العرب المقيمين في الولايات المتحدة أن يرسلها للبيت الأبيض مصحوبةبترجمة لها، لعلّ وعسى أن يترحّم ترامب يومًا على روح الشيخ سيد.

أغلب الظنّ أني سأكتب مقالًا قريبًا يحمل عنوان "النزّع الأخير"، وسيعقبه مقاًلا بعيد أيام معنونًا ب "عزل الرئيس" وسيعقبهما بعيد أسابيع مقالًا آخر يحمل عنوان "وانتصرت الأمريكية على الترامبية: وداعًا ترامب!".

إلى أن تأتي تلك الأيام، نتمنّى لكم - بل نعدكم ب -مشاهدة ممتعة لكل ما هو مُضحك ومثير للسخرية وللتعجب على قناة ترامب اليوم!

 

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق