جبهة السودان

الثلاثاء، 21 مارس 2017 04:32 م
جبهة السودان
إيهاب عمر يكتب

قامت الشيخة موزا بنت ناصر، والدة أمير قطر، بزيارة مفاجئة إلى السودان ثم تونس، في زيارة لم تخلو من مظاهر الاستقبال الرسمي، حيث قدمت موزا مساعدات اقتصادية للبلدين.
 
المفاجئ هو عودة موزا للعمل الرسمي بشكل علني، للمرة الاولي منذ انقلاب الدوحة الصامت عام 2013- حينما ازاح الأمير تميم الترويكا القطرية الحاكمة، الأمير حمد بن خليفة آل ثاني والوالدة موزا وحمد بن جاسم رئيس الوزراء، بدعم أمريكي، وتفاصيل هذا الانقلاب واسبابه ليست خافية على أحد وذكرتها تفصيلياً في كتاب «أمريكا والربيع العربي»، (يناير2014).
 
مع ذلك كفل المال للمخاليع الثلاثة أن يظل لهم نفوذ داخل وخارج قطر، إلى أن رأينا موزا تزور شمال إفريقيا، خاصة أهرامات البجراوية شمالي السودان.
 
وللسودان أهمية خاصة في حسابات قطر، فالعلاقات القطرية الإيرانية كانت بوابة قطر الى السودان، وذلك لآن النظام الإسلامي الحاكم في السودان هو صناعة إيرانية قبل ان يكون صناعة وهابية – إخوانية، وان كانت وهابية أو إخوانية النظام لا تقف عائق أم طهران مثلما كانت العلاقات بين إيران وحركتي حماس والجهاد في قطاع غزة.
 
يمكن القول أن علاقة السودان بمصر هي ذاتها علاقة لبنان بسوريا، إذ مهما انفصلت الدولتين سوف تجد القرار السياسي في بيروت هو صدي لقرار سياسي في دمشق، مثلما هي الخرطوم صدي سياسي للقاهرة، ولكن المد الإسلامي نال من السودان بانقلاب البشير واعوانه على حكومة الأحزاب عام 1989، وتساهلت القاهرة في متابعة الملف السوداني إلى أن استيقظنا يومًا والرئيس عمر البشير يوقع اتفاقية ماشاكوس، ما يعني عملياً الموافقة على قطم جنوب السودان عن شماله.
 
السودان بدون الرعاية والتواصل مع مصر يصبح دولة سهل أن يؤثر بها دول إقليمية اخري، وقد تنافست السعودية لاحقاً في هذا الملف مع إيران، وفي عام 2013- حاولت قطر هيكلة السودان وتأهيلها من اجل ان تصبح «دبي النيل»، ورضخ الرئيس البشير للمطالب القطرية بتعيين نائب وتعديل دستوري والتنحي عن الترشح للحكم في انتخابات 2015- وكانت قطر تتحرك في هذا الملف انطلاقًا من رفع العقوبات عن السودان بوساطة قطرية ما يجعل السودان تفاحة تسقط في يد الدوحة.
 
عين البشير رفيقه الفريق بكري حسن صالح نائبًا أول في ديسمبر 2013- وهو عسكري إسلامي مثل زمرة العسكريين الذي صنعوا انقلاب 1989 السوداني، وكان عضواً بمجلس قيادة الثورة ثم تنقل بين المناصب، مديرًا للمخابرات السودانية ووزيرًا للداخلية ووزيرا للدفاع، ثم أصبح اليوم المرشح الأول لخلافة البشير، الذى عينه في مارس 2017 رئيسًا للوزراء.
 
وكان منصب رئيس الوزراء غير موجود في السودان قبل أن تسفر جلسات الحوار الوطني الأخيرة عن استحداثه بموافقة البرلمان في ديسمبر 2016- وكان يفترض ان يتوافق النظام مع المعارضة على شخص رئيس الوزراء إلا أن البشير فاجأ الجميع بتعيين نائبه الأول رئيساً للوزراء.
 
البشير الذي خدع قطر عام 2015- وترشح للرئاسة رغم وعوده للدوحة عام 2013 بالتنحي لصالح نائبه الأول من اجل عصر قطري جديد للسودان، ولا يزال على رأس حزب المؤتمر الوطني الحاكم، ولكن قطر ابتلعت مراوغة البشير لمعرفة الدوحة حقيقة ان الرجل مهما راوغ إلا أنه يعيش فصله السياسي الأخير.
 
عقب زيارة موزا، أعلن عن لجنة تضم كافة الجهات ذات الصلة لحسم قضية منطقة مثلث حلايب وأبو رماد وشلاتين الحدودي، وإخراج المصريين منها بالطرق الدبلوماسية على حد وصف الإعلام السوداني، ما يعني أن السودان سوف يلجأ للتحكيم الدولي.
 
أن طموحات قطر حيال السودان أكبر بكثير من مثلث حلايب وشلاتين، اذ تنظر الدوحة إلى قطاع الغاز والنفط السوداني، صحيح انفصال جنوب السودان سلب الخرطوم 75% من آباره النفطية إلا أن الصين وروسيا لهم الصوت الأعلى في الربع الباقي، واخراجهم من السودان مطلب أمريكي- أوروبي تسعي قطر لتنفيذه من أجل إرضاء الغرب، كما جرت العادة القطرية.
 
إلى جانب ذلك يمكن تأهيل سواحل السودان على البحر الأحمر لمنافسة منتجات سيناء المصرية، بالإضافة إلى الآثار «المصرية - السودانية»، التي يمكن في ظل إهمال القاهرة أن تسلب اهتمام السياحة العالمية بأثار مصر إلى السودان، وذلك على ضوء وقوع هضبة الأهرامات في الجيزة غنيمة في يد ميلشيات نزلة السمان وآثار الأقصر وأسوان غنيمة في يد الفساد والإهمال والدواعش العاملين في الآثار والسياحة.
 
مع الدفع برئيس جديد للسودان بترتيب قطري، تقوم قطر بتحرير السودان من العقوبات الدولية وتنمية البنية التحتية وجذب الاستثمارات الأجنبية.
 
ولكن هل تستطيع قطر فرملة رؤية الغرب لتقسيم السودان إلى جمهورية السودان الوسطى وتضم ولايات جنوب جمهورية السودان، والسودان الغربي وتضم ولايات دارفور والسودان الشرقي وتضم بورسودان وجمهورية النوبة شمالاً، حيث يرى الغرب أن السودان يجب ان يصبح ولاية الخرطوم وبعض المدن المجاورة فحسب.
 
أم تساهم قطر في هذه اللعبة على أن تصبح جميع الجمهوريات السودانية الجديدة موالية لها، تجذب الاستثمار في جمهورية وتدس الفوضى على ضفاف النيل في جمهورية آخري من أجل امتداد تلك الفوضى إلى حصة مصر من مياه النيل؟
 
والسودان هو معبر إيران الأول للسلاح إلى سيناء المصرية وغزة الفلسطينية وتعتبر منطقة حلايب وشلاتين تحديدًا من أهم نقاط خط سير تهريب للسلاح والمخدرات من شمال وشرق السودان إلى الصعيد وسيناء ثم إلى غزة، وتفاصيل دور حلايب وشلاتين في خط سير قوافل المخدرات والسلاح معروف وسبق نشره في كتاب ربيع القومية المصرية (2015).
 
وفى يناير 2009- و في الساعات الأخيرة من عصر الرئيس الأمريكي جورج بوش الأبن اتفقت وزيرة الخارجية الأمريكية كونداليزا رايس مع نظيرتها الإسرائيلية تسيبي ليفني على حق إسرائيل ومسئولية أمريكا على قصف قوافل السلاح التي تؤثر على امن إسرائيل في اى مكان في العالم ما أدى إلى غارة أمريكية على السودان عام 2009 في الأيام الأول من حكم الرئيس باراك أوباما، وهي غارة حققت في تفاصيلها عبر كتاب الحرب السرية (2012)، وقد تعددت لاحقًا الغارات الأمريكية والإسرائيلية على السودان تحت ستار الطائرات المجهولة، رغم انه في مصلحة أمريكا وإسرائيل أن يتدفق السلاح إلى سيناء ولكن ليس بأيدي ونفوذ إيراني.
 
والسودان لاعب مهم في الملعب الليبي شريطة أن يتم إعادة تأهيله ويجد من يدعمه سياسيًا ودبلوماسيا واقتصاديا، وقطر لن تنسي ان مصر هي من أخرجت الميلشيات الليبية الموالية للدوحة من الهلال النفطي الليبي مرتين حتى الآن وتسعي لاستعادة الغنيمة الليبية وطرد النفوذ المصري من شرق ليبيا.
 
وزير الخارجية الليبي الأسبق عبد الرحمن شلقمقال في كتابه «نهاية القذافي»، أن مسؤولين من قطر ابلغه عقب انحيازه لما يسمي إعلاميًا ثورة 17 فبراير أنه عقب سقوط بن على في تونس ومبارك في مصر رأى أمير قطر الشيخ حمد، أنه لو سقطت ليبيا سوف تصبح شمال إفريقيا من شرق مصر إلى غرب تونس مرورا بليبيا ولايات إسلامية إخوانية، وأنه يمكن أن يعلن نفسه خليفة للمسلمين وأن تكون تلك الولايات الثلاثة هم ولايات الخلافة القطرية، علمًا بأن شلقم من أهم المصادر التي يعتد بها لمعرفة كواليس هذه المرحلة على ضوء انشقاقه عن نظام القذافي.
 
وبعيدًا عن الحلم القطري في السيطرة على شمال إفريقيا، فأن الهدف الجديد لشبكات المصالح الغربية المتآمرة على المنطقة هو إعلان تنظيم ولاية الصعيد على غرار تنظيم ولاية سيناء، وهو هدف قديم لتنظيم القاعدة ولاحقًا تنظيم داعش والغرض منه هو تنظيم حملات تهجير للمسيحين في الصعيد على غرار ما جرى في العريش، ولكن الجديد اليوم هو تركيز المؤامرة على هذا المحور تحديداً لفتح جبهة جديدة تستنزف مصر سياسيًا وعسكريًا واقتصاديًا.
 
وسبق للجيش المصري أن نفذ أكثر من عملية في الصعيد منذ ثورة 30 يونيو 2013 لضرب خلايا جهادية.
 
والسودان هو نقطة تدفق تجارة السلاح غير المشروعة في الصعيد، ولكن الفترة المقبلة لن يدير هذه اللعبة عقول إجرامية بل استخباراتية في محاولة لترويع أهل الصعيد وتوليد حالة من الراي العام الصعيدي المؤيد لقيام دولة قبطية في الجنوب ولو بشكل فيدرالي، كما هو مخطط للمسيحين والكرد في سوريا، وذلك وفقًا لما يتوهم أنصار المؤامرة.
 
هكذا تعود موزا من بوابة السودان إلى العمل السياسي العلني مرة آخري، بحزمة مخططات حول السودان، لاستخدامه في بث الفوضى في جنوب مصر عبر إنشاء تنظيم ولاية الصعيد، والتدخل السوداني في ليبيا منافسة للتدخل المصري.
 
واستمرار تدفق السلاح من السودان عبر حلايب وشلاتين إلى دواعش سيناء برعاية إيرانية ودعم قطري، وبدء لعبة جديدة بحق نهر النيل على ضفاف انهار السودان بعد ما جرى على ضفاف انهار اثيوبيا، وإعادة هيكلة السودان بأسقاط العقوبات الدولية وتصعيد جيل جديدة من العسكريين الإسلاميين، وآثارة ورقة حلايب وشلاتين لتفخيخ العلاقات المصرية السودانية.
 
ولا مشكلة للدوحة ان تم التقسيم لان قطر وإيران سوف تتقاسمان النفوذ في جمهوريات السودان إلى أن تنتبه مصر والسعودية تحديدًا لمخاطر ما يجري بحق الدولتين في هذه المنطقة.

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق


الأكثر قراءة