نهاية حرب السنوات الست

الأحد، 26 مارس 2017 01:17 م
نهاية حرب السنوات الست

ومن درعا التى شهدت أول حراك ثورى، وأول مجزرة «مصنعة» استدرجت عاطفة شعوب العالم نحو المعارضة المسلحة، إلى تقوقع ما سمى بالجيش الحر بالقرب من حدود الدولة الحاضنة، وانحسار تنظيم الدولة على ضفتى نهر الفرات، وغرق تنظيم القاعدة فى مستنقع إمارة إدلب «المزعومة».
 
التمدد الوحيد الحاصل يتشارك فيه النظام بقوة دفع حلفائه، والأكراد بقدر الولاء الممنوح على بياض للبيت الأبيض، النظام يسعى لاستعادة أراضيه غرب نهر الفرات، فى حين يسعى الأكراد لإرضاء الأمريكان بالتقدم نحو عاصمة الدولة الداعشية شرق النهر.
 
ثلاث دول فقط ساندت النظام بشكل علنى، روسيا وإيران والعراق، ومع ذلك انتصرت على سبعين دولة تتقدمها أمريكا وأوروبا والسعودية وتركيا، فى حين ظلت دول على استحياء تمنح دعما خفيا للدولة السورية، وتحتفظ بعلاقات متباينة مع داعمى المعارضة فى النور مثل مصر والجزائر.
 
ولأن رجال السياسة باتوا يديرون علاقات الدول بمنطق رجال الأعمال، قرر داعمو المهزومين، الانتقال إلى مرحلة ما بعد الهزيمة، بعد وضع دراسات الجدوى، وتحديد هامش الربح، وتصريف الخسائر التى منيت بها على مدى السنوات الست الماضية، إلى بند التريليونات المعدومة.
 
المعارضة السياسية استقرت فى أحضان الرياض السعودية، والمسلحة استقرت فى سرير غازى عنتاب التركية، وبطبيعة الحال يخدم الأكراد فى المطبخ الأمريكى، فى الوقت الذى لجأ النظام السورى للجمع بين زوجاته الإيرانية والروسية والعراقية، مستدعيا كل قواه المثخنة بالجراح، ليكفيها من رصيد المصالح المشتركة. 
 
«تمضى الخراف حياتها تخشى الذئب، وفى آخر المطاف يأكلها الراعى»، هكذا لخص هيثم مناع المعارض السورى الحكيم، ما مضى من سنوات الدم، وما هو آت من سنوات دفع الفواتير الآجلة، والمستحقة على جميع الأطراف.
 
كانت النتيجة تحقق نبوءة مناع، فى مشهد كاريكاتورى مخزٍ، وتحقق نبوءة بوتين ببقاء الأسد، وكل تجار العرض والدين والوطن ذهبوا أو فى طريقهم للنسيان، بعد أن هدموا المعبد السورى على رؤوس الغالبية الكاسحة من الشعب.
 
بناء المعبد من جديد سيحتاج إلى ما هو أكثر من الأموال، والمؤتمرات، والخطط الاقتصادية، سيحتاج إلى إعادة كريمة تلفها أحضان دولة مدنية لنحو 7 ملايين لاجئ سورى ضنت بهم دول العالم ومثلهم ويزيد فى الداخل.
 
سيحتاج تفهما كرديا حقيقيا، لحتمية بقاء الدولة المركزية، التى يكونون فيها مكونا أصيلا، وليس جسما غريبا يتحالف مع الشيطان من أجل حلم لن يتحقق إلا على أنقاض نصف دول المنطقة.
 
سيحتاج إلى عزل فيروس الطائفية، المغروس فى كبد الجسد السورى، والذى وجد من الحرب الأهلية بيئة مناسبة لنموه واستفحاله. 
 
سيحتاج إلى طى صفحة الماضى، ومد يد التصالح للجميع، بمن فيهم داعمو الإرهاب، حتى يتفرغ السوريون جميعا لإعادة البناء.
 
لكن القوى الدولية لن تنتظر، ولن تسمح، ولن تقتنع إلا بلغة الأمر الواقع، الذى بات يجيدها النظام وحلفاؤه، وحتى يحدث ذلك، سيستخدم الأمريكان الكرد للقضاء على داعش، فى توقيت مقارب للوصول «المتباطئ» لقوات النظام إلى دير الزور وإحكام السيطرة على الحدود العراقية.
 
يشعر الأكراد أنهم بضاعة على وشك انتهاء صلاحيتها وسيتلفها الأمريكان، ما أن ينتهوا من داعش، لذا فاللجوء للروس كان خيارًا حتميًا لضمان ألا يتفق النظام مع عدوه التركى عليهم.
 
فى الوقت الذى سيتفرغ حلفاء النظام لمطاردة بقايا المسلحين، الذين يرفضون الخضوع لمفاوضات السلام، بداية من كانتوناتهم حول المدن الكبرى، حتى حصار إمارة إدلب.
 
مفاوضات السلام، ستتأثر بالتغييرات على الأرض، وستعود منصة القاهرة، بحكمائها، لتأخذ ما تستحق على طاولة جادة، كل أطرافها على قناعة بأن الحلّ فى سوريا سيكون سياسيا وليس شيئا آخر.
 
وهنا تكمن المعضلة، فالمنتصر لو كان مدفوعا بالانتقام فلن يتحقق لبلاد الشام الاستقرار، أما لو اتسم بالعقل فسيقبل بحدود دنيا لدولة قانون ومؤسسات، وسيعيد بناء الجيش بكل مكونات الشعب الجريح.

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق