إلى الرئيس السيسى

الإثنين، 27 مارس 2017 02:00 م
إلى الرئيس السيسى
كتب: عبدالحليم قنديل

ربما لا يصح لأحد عاقل أن ينكر المعلوم بالضرورة، أو أن يتعامى عن ورشة عمل هائلة، تضم ما يزيد على المليونى مهندس وفنى وعامل مدنى، يخوضون ملاحم إنجاز تحت إشراف وإدارة هيئات الجيش، وكل هذا مفهوم ومقدر، لكنه لا يؤثر بما يكفى فى تعبئة شعبية محسوسة، والسبب ظاهر، وهو أن الإنجاز ليس مصحوبا بانحياز مكافئ لأغلبية المصريين المعانين من الفقراء والطبقات الوسطى، ولا باختيارات عادلة فى السياسة والاقتصاد.
 
وقد لاحظ المراقبون أجواء الارتياح مع إخلاء سبيل مئات المحتجزين السلميين، وهو ما يتطلب مزيدا من قرارات الرئيس فى السياق نفسه، وقد اعترف الرئيس السيسى مرارا بوجود مظالم هائلة فى السجون، وشكل «لجنة الخمسة» لإعداد قوائم المستحقين للإفراج، وكنا نتصور ولا نزال، أن تفكيك الاحتقان السياسى يحتاج إلى خطوات أكبر، تشمل استخدام صلاحيات الرئيس فى تفريج كروب آلاف المسجونين السياسيين وأسرهم، ووضع خط فاصل بين الإرهاب والسياسة، وترك المتهمين بالإرهاب والعنف المباشر لمحاكمات عادلة، وإخلاء سبيل من عداهم فى الوقت نفسه، وتبييض السجون من المتهمين بالتظاهر السلمى، مع إطلاق الحريات العامة، وإجراء الانتخابات بنظام القوائم النسبية لا المطلقة، و«جبر ضرر» أسر كل الضحايا فيما جرى منذ ثورة 25 يناير 2011 إلى الآن، ودون تمييز ولا استثناء سياسى، فالحقوق الإنسانية لا تقبل التجزئة، والبلد فى أشد الاحتياج إلى وئام وطنى متسع، وإلى تعبئة شاملة ضد جماعات الإرهاب المهزومة حتما.
 
وعلى نطاق أوسع، وأكثر تأثيرا فى القواعد الاجتماعية الشعبية، فلا بد فيما نرى من مراجعة جذرية لاختيارات الاقتصاد بالذات، خصوصا مع تبين الآثار الفادحة لروشتة ما يسمونه بالإصلاح الاقتصادى، وإحراق غالبية المصريين فى أفران الغلاء، والزيادات الفلكية اليومية المحمومة فى الأسعار، وبما يفوق طاقة احتمال تسعين بالمئة من الشعب المصرى، ويضاعف مظاهر أزمة الاقتصاد المنهك، ويزيد من عجز الموازنة، ويفاقم عبء الديون الخارجية بالذات، مع الهلاك المحقق للجنيه المصرى، وعودة جنون الدولار بعد نشر أوهام تراجعه، وتنصل صندوق النقد الدولى نفسه من النتائج الكارثية، وإعلانه عن خيبة توقعات الوصول لسعر عادل للجنيه المصرى، وكشفه عن رفض الحكومة المصرية لإعادة فرض ضريبة الأرباح الرأسمالية فى البورصة، وهو ما يظهر مدى التعنت الحكومى وانحياز السياسة الرسمية لمصالح الأغنياء على حساب الفقراء والطبقات الوسطى، وتحميل الأخيرين وحدهم تكاليف وفواتير الإنقاذ المزعوم، فقد جرى التراجع عن فرض الضريبة الاجتماعية المضافة على دخول المليونيرات والمليارديرات، وكانت قد تقررت بقانون للرئيس، وهو ما تكرر فى تجميد «ضريبة البورصة» التى قررها الرئيس أيضا، وتتراجع الحكومة الآن عن نية إعادة دمغة الواحد فى الألف على تعاملات البورصة، وهو ما يعنى إضاعة موارد هائلة على الخزانة العامة، مع توحش ظاهرة التهرب الضريبى للكبار، وقد بلغ حجم التهرب الضريبى نحو 400 مليار جنيه سنويا، والرقم رسمى تماما، وأعلنه نائب وزير المالية لشئون الضرائب، والتأمل فى الرقم يكشف هول المفارقة، فهو يساوى ضعف مبالغ الدعم التى يعايرون الناس بها، ويريدون التخلص منها بإجراءات متوالية، تضاعف أسعار السلع والخدمات العامة، وتدفع أوضاع البلد إلى جحيم اجتماعى، تتوالى نذره فى انتفاضة الخبز واتساع رقعة الإضرابات العامة، وتهدد بعواقب وخيمة، وما من حل ممكن سوى بتحرى العدالة والإنصاف، وإعادة توزيع الأعباء، ووقف الخطط المعدة للعودة إلى الخصخصة و«المصمصة»، وشن حملة تطهير لكنس مماليك الفساد فى جهاز الدولة، واستعادة الأموال والأصول المنهوبة، وإنهاء نزيف التهرب من الضرائب والجمارك، ووقف برامج إلغاء الدعم الموجه للفقراء والطبقات الوسطى، وفرض «الضريبة التصاعدية» المعمول بها فى كل الدنيا الرأسمالية، والتى تصل فى دول متقدمة إلى ستين بالمئة على الشرائح الأعلى، وليس 22.5 % كما هو الحال فى مصر الآن، وبدعوى تشجيع المستثمرين و«المستحمرين»، وتلك أوضاع غاية فى الشذوذ، تزيد من دواعى السخط العام، وتدخل المصريين فى دوائر إحباط مفرغة، لا سبيل للخروج منها بغير إقرار قواعد العدالة الاجتماعية، والاتجاه إلى تصنيع شامل مدنى وحربى، هو وحده الكفيل ببناء مصر الجديدة، وصياغة اقتصاد إنتاج، وليس اقتصاد التسول والفهلوة والتهليب ودهس غالبية المصريين.
 
باختصار، نريد نظاما لا ركاما فى اختيارات الاقتصاد، وليس العودة إلى «تجريب المجرب» المخرب، ولا إلى فوضى تناقضات لا تنتهى، تقوض بفسادها كل أثر شعبى لإنجازات الرئيس السيسى، وهو ما يدفعنا للتوجه إليه بنداء التصحيح العاجل.
 

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق


الأكثر قراءة