جيل «البيضة والحجر»

الإثنين، 27 مارس 2017 09:17 م
جيل «البيضة والحجر»
عبد العزيز السعدني

ترددت كثيرًا قبل أن أكتب أول مقال لي، إن كنت تقرأه وتعتبره قالبًا من قوالب الصحافة التي تعلمناها في كلية إعلام القاهرة، أو التي شربناها طيلة 8 سنوات في بلاط صاحبة الجلالة وأتمنى المزيد منها طالما أطال الله في عمري، ولكن ما جعلني اتخذ هذه الخطوة، هو ذكرى وفاة من رحل بجسده فقط، وترك لنا تراثُا لا يستهان به.

اخترت هذا الاسم تيمنا بأن فيلم «البيضة والحجر» كان إنتاجه في العام الذي ولدت فيه، وربما الكثير من أجيال أبائي وأجدادي اجتمعوا أننا على هذا المسمى لجيل التسعينيات وما تلاه..

نرجع لموضوعنا.. جيل مرّ بثورتين، نجح في الإطاحة بنظام دام 30 عامًا، في ثورة لم يجنِ ثمارها سوى من «ركبوا الموجة»، ولكن لم ييأس، وعلى الرغم من أن من قالوا قبل 25 يناير «دول شوية عيال».. هم نفس الأشخاص الذين قالوا «الإخوان مسكت الحكم وما حدش هيقدر يبعدهم تاني»، وثبتنا عكس ذلك.

«ويلٌ للعالم إذا انحرف المتعلمون وتَبَهْيَظَ المثقفون».. مقولة الراحل أحمد زكي في الفيلم، تصف جيلا لم ينتظر «جواب القوى العاملة» أو لم يلحقه.. ويعتبر أيضًا آخر جيل استفاد من التعليم المجاني، بعدما وصل إليه في الفترة الأخيرة و«شاومينغ» يشهد.

خلونا نتكلم شوية بالبلدي.. الجيل اللي على حظه حصل تضخم في الجهاز الإداري للدولة 6.4 مليون موظف، واللي بسببه أصبحنا جيل «القطاع الخاص»، قليل جدًا لما نلاقي خريج التجارة «محاسب»، وخريج الحقوق «محامٍ»، وخريج إعلام «صحفي أو مذيع»، طب شفت قبل كدة خريج ألسن بيشتغل «موظف استقبال»، وشفت خريج إعلام «كاشير» في محل أكل، وشفت سياحة وفنادق «مدرس إنجليزي».. إحنا جيل اشتغل في كل حاجة حتى لو مش فاهمين فيها.. المهم هنقبض كام آخر الشهر.

وبمناسبة القبض.. في الخمسينيات كان التعليم له قيمة كبيرة، من حصل على الشهادة الابتدائية كان له شأن في قريته، ولحافظ القرآن أيضًا، وفي السبعينيات وما تلاها حتى منتصف التسعينيات على رأي محمود عبد العزيز، الله يرحمه، «الجنيه غلب الكارنيه.. إحنا في عصر تفتيح المخ».. ولكن في وقتنا الحالي «لا الجنيه جايب همه ولا الكارنيه عارف يجيب همه بردو».. وبالتالي أحلام الكل بدأت تكبر في القبض.. والسؤال الأقرب «أنت محتاج كام كمرتب عشان تعرف تفتح بيت».. وكل مناقشة بتنتهي بـ«لازم أبقى حرامي أو تاجر مخدرات عشان أفتح بيت».

«مستطاع الطعزي»، مدرس الفلسفة، الذي إذا غلا عليه شيئ استغنى عنه، وعلى الرغم من أنه، مع الاختلاف في اتجاهه لكسب بالنصب، يمثل شريحة كبيرة من أبناء جيلي الذين تركوا مجال عملهم الذين تخصصوا فيه وعملوا في مجالات أخرى، وبعض آخر سلك طريق «مستطاع» مع اختلاف الأغراض والمسميات، إلا أنني لا أريد لجيلي مثلما حدث مع «مستطاع»، فبعد أن حاول إظهار الحقيقة في التحقيق لم يصدقه أحد وانتهى الفيلم باستمراره في «الدجل والشعوذة».

 

الخلاصة:

نحتاج إلى وقفة تجديد لطموحات هذا الجيل، عن طريق حملات مشابهة لتجديد الخطاب الديني والترويج للسياحة، وأتمنى ألا تجد مصير هذه الأمثلة، طموحات هذا الجيل وأحلامه أشبه بـ«مخ» طفل مصاب بالضمور، يكبر جسده وعقله كما هو.. نحن في أمس الحاجة لتجديد هذه الطموحات.. لا أعرف كيف سيحدث؟ وما الطريقة الأمثل لذلك؟.. انتظر مساعدة هذا الجيل قبل فوات الأوان مع مليون واحد أو أكثر مثل «مستطاع الطعزي».

وفي النهاية، رحم الله اليتيم الذي كسر تابوهات مجتمعه وعنصرية أبناء فنه واستطاع أن يصبح «علامة» في تاريخ السينما المصرية، سواء بفنه أو بشرته السمراء.

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق