إيران ليست العدو

الثلاثاء، 28 مارس 2017 11:00 ص
إيران ليست العدو

مقايضة إيران بإسرائيل هى ما يراد لنا بالضبط ، أى أن تصبح إيران هى العدو المركزى ، وأن تغدو محاربة إيران هى القضية المركزية للأمة العربية ، بينما تكون إسرائيل هى الجار الطيب ، والحليف المستتر ـ فالظاهر ـ لدول عربية أساسية ، توصف فى السياسة الأمريكية بمعسكر الاعتدال العربى ، وتطلق عليها إسرائيل وصف "المعسكر السنى" ، وكأننا بصدد حلف سنى ـ يهودى ضد إيران النووية الشيعية (!) .
 
  واللعبة جديدة قديمة ، عمرها من عمر ذهاب ريح الأمة العربية ، وهلاك المشروع القومى العربى ، واندثار النظام الإقليمى للعرب ، وتحول الجامعة العربية إلى قبر من رخام ، وانعقاد القمم العربية فى مراسم عزاء سنوى باهت ، يوقع فيه السادة القادة على قرارات جف حبرها على الورق ، تكاد لا تلتفت إلى القضية الفلسطينية ، التى كانت سببا فى اجتماع العرب ، وفى إنشاء الجامعة العربية ، وفى إصدار معاهدة الدفاع العربى المشترك ، وفى توزيع الأدوار بين دول المواجهة ودول الدعم عقب هزيمة 1967 ، وفى قيادة الأمة إلى نصر تاريخى على العدو الإسرائيلى فى حرب أكتوبر 1973 ، ثم كانت الغمة والظلمة المدلهمة ، وخذلان السياسة لنصر السلاح ، والاندفاع على طريق الخطيئة ، وإلى أن وصلنا إلى محطة العام 1979 ، وقتها كانت مصر تخرج رسميا من قيادة المشهد العربى ، وتخلى مكانها المتقدم فى مواجهة إسرائيل ، وتعقد ما يسمى معاهدة السلام ، بينما كانت ثورة الخمينى تقوم فى إيران ، وتنهى علاقة التحالف القديم بين إيران وإسرائيل ، وتتقدم إلى دور متزايد ومتصاعد فى دعم فصائل المقاومة ضد إسرائيل ، وتبنى لنفسها قوة عسكرية وعلمية هائلة ، أى أن شمس إيران كانت تشرق ، وفى اللحظة نفسها ، كانت شمس العرب تغرب ، وكان المشروع الإيرانى يتوسع كل يوم ، ويكسب أرضا جديدة ، بينما تميد الأرض وتتزلزل من تحت أقدام العرب ، وإلى أن صار المشرق العربى مغربا إيرانيا ، ووصلت حدود إيران الاستراتيجية إلى شواطئ البحر المتوسط .
 
  والحاصل أن العرب هم الذين حطموا أنفسهم ، وأضافوا لقوة الجار الإيرانى مددا لا ينقطع ، فقد فقدوا أولا بوصلة التماسك من حول القضية الفلسطينية ، وانقطعوا عن سياق مواجهة الخطر الأصلى لكيان الاغتصاب الإسرائيلى ، ثم كانت ما تسمى "دول الاعتدال العربى" عونا لأمريكا فى عملية غزو واحتلال العراق ، فلم يكن بوسع واشنطن غزو العراق بريا بدون تسهيلات عربية ، وبدون سلسلة من القواعد العسكرية فى دول الخليج بالذات ، وكان تحطيم العراق لفائدة توسع النفوذ الإيرانى بطبائع الجوار المتداخل ، فالحياة لاتعرف الفراغ ، وكل فراغ تتركه خلفك يحتله غيرك ، ثم كانت السقطة الأفدح ، والتى اندفعت فيها ممالك الخليج وفوائضها المالية البترولية لدعم اللعبة الاستعمارية القديمة "فرق تسد" ، وإنفاق مئات المليارات لتغذية أحقاد وحروب السنة والشيعة ، وهو ما كانت أمريكا وإسرائيل تريدانه بالضبط ، بينما كانت إيران أول المستفدين فعليا من حروب تكفير الشيعة ، فالشيعية عنوان تماسك جامع فى إيران ، وهى دولة متعددة القوميات ، لا يشكل الفرس فيها سوى ثلث عدد السكان ، بينما المذهبية الشيعية تضم تسعين بالمئة من الإيرانيين ، وتصوغ نوعا من القومية البديلة ، وأضافت الدعايات السلفية والوهابية التكفيرية مددا قوميا عظيما لإيران ، فقد دفعت الشيعة العرب إلى حضن إيران ، وجعلتهم جزءا مباشرا من "التابعية" الإيرانية ، وأدوات جاهزة لخدمة طهران و"الولى الفقيه" ، وهكذا حل التيار القومى الإيرانى محل التيار القومى العربى فى التحكم بوجدان ومصائر المنطقة .
 
  توسع النفوذ الإيرانى ـ إذن ـ من صناعة العرب الأكثر ثراء وجهالة ، ومن نتاج الخطيئة الأصلية للعرب ، فقد ترك العرب مواقعهم فى مواجهة إسرائيل لإيران ، ثم ترك العرب شيعتهم زادا إضافيا سائغا لإيران ، ثم يريدون توريطنا الآن فى عار الخدمة العلنية المباشرة لأمريكا وإسرائيل ، وتصوير محاربة إيران كواجب دينى وقومى ، وتصوير طهران كأنها العدو الأولى بالحرب ، ودفع تريليونات الدولارات لواشنطن ، ومنها إلى إسرائيل المندمجة استراتيجيا مع أمريكا ، وجعل ترامب ونتنياهو من أولياء الله الصالحين ، والاستهداء بإرشاداتهم الجليلة فى الذود عن حياض "أهل السنة والجماعة" ، والتزوير الشامل للإسلام والعروبة ، وجعل الاستسلام والتحالف مع إسرائيل سنة واجبة ، وأداء صلاة الجماعة من خلف إسرائيل (!) .
 
  هذا هو العار الذى يريدونه لنا ، و"العمى الحيثى" عن رؤية العدو الأصلى ، وإحلال إيران محل إسرائيل ، وإشعال المزيد من حروب التمزيق الذاتى فى المنطقة العربية الإسلامية ، وهو ما لا يفيد أحدا سوى إسرائيل ، ويهلك ما تبقى من وجود العرب المنهمكين فى حروب داحس والغبراء . 

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق