اللاعبون الدوليون الجدد

الخميس، 30 مارس 2017 12:17 ص
اللاعبون الدوليون الجدد
حاتم العبد يكتب

- 1 -

يلحظ المتابع لمجريات الأحداث الدولية بعامة، والإقليمية بخاصة، ولا يخف عليه، تغير في موازين العلاقات الدولية، وإحلال تدريجي للقوى العالمية التقليدية، ببزوغ قوى جديدة، وبتعافٍ لقوى ثانية من كبوتها، وباستدعاء حلم قوى ثالثة واستحضارها للماضي، تموج منطقة الشرق الأوسط وتعج بهذا وذاك، فمن ارتفاع للصوت الإيراني وبطش يداه، إلى طموح غير مسقوف للدب الروسي بعدما نجح وباقتدار في التعافي من مرض الكساح الإجباري الذي ألمّ به عقب الحرب الباردة، وبدأ مرحلة لا أقول النديّة مع عدوه اللدود وخصمه التقليدي الولايات المتحدة الأمريكية، ولكن تتخطى أهدافه في جماحها النديّة لتصل وفقًا لفكره وأمله إلى الأوحدية، وصولًا إلى العثمانيين الجدد ومحاولة استنساخ واقع الأمس وتجسيد حلم اليوم. 

تمخضت تلك المعطيات المستجدة والتقلبات المتسارعة المتلاحقة إذن عن ظهور ثلاثة لاعبين دوليين محوريين جدد.

- 2 –

يرْسخ في ذهني ويكمن في عقيدتي، ويبهجني على المستوى الأكاديمي التحليلي، ويؤرقني أيّما أرق، ويقلقني أيّما قلق، على المستوى الشخصي، كمصري، عربي، مسلم، سني، الصعود البارق للإمبراطورية الإيرانية الشيعية، وألفت نظر القارئ الكريم وأؤكد له، أنه لا مجال لأن يشتمّ أحدًا، مذهبية عقيدة في كلماتي أو طائفية توجه في مفرداتي أو عنصرية فكر في طرحي، ولئن كانت لفظية الجمل توحي شكلًا بذلك، فإليك ما يجلي الالتباس ويوضح الغموض، إن كانا لهما محل. 

باقتدار، نجحت إيران في أن ترغم الغرب على رفع العقوبات الاقتصادية عنها بداية العام الماضي، بعدما نجحت - إن جاز لنا التعبير- في فترة البيات الحصاري، وأظنه كان بياتًا طوعًا واختيارًا، أن تدعم قوتها العسكرية وتعكف على تزويدها بأسلحة غير تقليدية، معتمدة على وطيديّة علاقاتها بالمعسكر الشرقي الاشتراكي-الشيوعي، أعي بذلك الدب الروسي والتنين الصيني، ولربما تكون قد امتلكت - وهذا راجح غير مرجوح لي وبقوة - سلاحًا نوويًا في بياتها الحصاري، الأمر الذي مؤداه وفق تصوري، أن فترة البيات الحصاري الإيراني كانت مقصودة بكل تفاصيلها وتوقيتات مراحلها، وما أن فرغ الخياط من حياكة الثوب حتى عرضه للبيع في مزاد علني!

 أعقب ذلك الانفتاح على الغرب المتواكب مع الاحتفاظ برسوخيّة علاقاتها مع المعسكر الشرقي، تبادل تجاري قوي معه، تكالب الغرب بلا استثناء على السوق الجديد، الصاعد الواعد، متهافتًا على الاتفاقيات الاقتصادية متلهفًا عليها، الأمر الذي حدا بالإيطاليين إلى تغطية التماثيل العارية، غير المسلمة وغير المؤمنة بولاية الفقيه، أثناء زيارة الرئيس الإيراني لها العام الماضي، خشية خدش حياء الضيف الكريم، واحترامًا لسعة سوقه وإكرامًا لمشتقات نفطه. 

استحوذت إيران على العراق، وقدمته أمريكا الحليف الأوحد والمفضل والمقرب لوقت قريب للعرب، على طبق من ذهب، ولربما من الماس لإيران، لم يدرك العرب وقتئذ أنه لا أمان للأمريكان، وتلك قاعدة سياسية دولية، ففي الوقت الذي أعدمت فيه إيران أحد أبرز وأقوى قادة العرب يومًا ما، والحليف السابق لأمريكا، صدام حسين، كان قادة آخرون يرقصون بالسيف حبًا ويتمايلون صداقةً مع بوش الابن، لم تلق الأطماع الإيرانية مانعًا ولا سدًا أمام فيضانها وسيول أهدافها، فدخلت إلى سوريا، لا لمساندة بشار الأسد، ولكن للاستحواذ على بلد عربي آخر، بعدما عاثت في لبنان فسادًا، وأحالته إلى لبنان الطوائف، ثم أمرت حزب الله، زراعها الشامي بالدخول في سوريا، وأوعزت الي الزراع الحوثي في اليمن الذي كان يومًا سعيدًا، أن يهب ليقلق منام الجارة السعودية شمالًا وليحكم سيطرته على مضيق باب المندب جنوبًا.

- 3 -

يزاحم اللاعب الدولي الجديد الامبراطورية الإيرانية الشيعية، لاعب دولي آخر، هم العثمانيين الجدد، وحلم عودة واستدعاء الإمبراطورية العثمانية. 

عقب محاولة الانقلاب الفاشلة في تركيا منتصف يوليو الماضي، بات واضحًا أن تركيا اعتمدت سياسة خارجية مغايرة عن سابقتها، سيما فيما يتعلق بعلاقتها بالولايات المتحدة الأمريكية، المتهمة في الضلوع في المحاولة بل والترتيب والتدبير لها، وأظهرت لها امتعاضًا واضحًا وجفاءًا منظورًا، وتبادلًا علنيًا للاتهامات. أعادت تركيا توجيه بوصلتها نحو الدب الروسي، لبزوغ نجمه من جديد ولواثقيّة علمها ويقينيّة حدسها بأفول نجم القطب الأمريكي وأيضا نكاية فيه، وبدأ شهر العسل التركي الروسي، لم ينل منه التململ اللحظي والخفوت الدقائقي عقب أزمة إسقاط الطائرة المقاتلة الروسية في نوفمبر من العام قبل الماضي على يد الدفاع الجوي التركي ولا عقب مقتل السفير الروسي بأنقرة في ديسمبر من العام الماضي.

لم يمنع ولم يثن قتل آلاف المدنيين السوريين على يد الدب الروسي الهائج، تركيا من خطب ودّه، وتعاون اقتصادي واستراتيجي معه، بل وتنسيق أمني خارج الحدود، حيث تم الاتفاق على حق تركيا في التدخل العسكري في شمال سوريا المستباحة... 

تطالعنا الأخبار أنه رغم رفض بغداد إشراك تركيا في تحرير الموصل، نجح العثمانيون الجُدد في فرض رغبتهم وإملاء كلمتهم واشتركوا في نهاية المطاف في المعركة بسلاح الجو، معتمدة على وزنها الإقليمي وقوتها العسكرية. 

في منطقة طقسها مضطرب، هائجة هي أمواج بحورها، عاتية متقلبة هي رياحها كما نرى، تحتم الضرورة بزوغ معسكر عربي سني، يكون بمكنته ردع كل من تسوّل له نفسه استباحة الأراضي أو المصالح العربية، نريد إقامة توازن بين القوى الدولية الجديدة، نريد فاعل دولي عربي على الساحتين الإقليمية والدولية. 

يُتبع..

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق