دير الزور المعركة المصيرية في سوريا

الخميس، 30 مارس 2017 04:24 م
دير الزور المعركة المصيرية في سوريا
المعركة فى سوريا - ارشيفية
تحليل يكتبه: السيد عبد الفتاح

على الرغم من تسليط الأضواء على معركة الرقة في سوريا، إلا أن هناك معركة أخرى قد لا يلتفت البعض لأهميتها التي قد تفوق أهمية معركة الرقة. وهي معركة دير الزور. وإذا كانت الرقة تكتسب أهميتها من كونها عاصمة دولة الخلافة التي أعلنها تنظيم داعش، وبالتالي فإن إسقاطها يمثل ضربة كبيرة وانتصارا رمزيًا لاشك أن له تأثيرًا معنويًا كبيرًا على تماسك التنظيم وبقاء دولته المزعومة، خاصة وأن ذلك يتواكب مع وضع صعب للغاية يعيشه التنظيم في مدينة الموصل العراقية. إلا أن الأهمية الاستراتيجية لمعركة دير الزور يجعلها في صدارة مرمى أهداف القوى الدولية والإقليمية والداخلية المتصارعة على الأراضي السورية.

أما كلمة السر في هذا الاهتمام فهي «النفظ والغاز»، حيث تسبح مدينة دير الزور ـ حسب تأكيدات مراقبون ومحللون سوريون ـ على بحر من النفظ والغاز، ما يجعلها مطمعًا لكل القوى المتصارعة في الأزمة السورية، سواء الداخيلة بداية من النظام السوري، ومرورًا بالأكراد وبالتنظيمات والفصائل المسلحة، وانتهاءً بتنظيم داعش، أو الإقليمية كإيران وتركيا، أو الدولية كالولايات المتحدة وروسيا وأوروبا.

وأمام هذه الأهمية الكبيرة لدير الزور فإن الأيام القادمة ستشهد تسابقًا بدأ بالفعل من هذه القوى للسيطرة على المدينة أو على أقل تقدير للحصول على جزء من كعكتها الثمينة. فكل الأعين الآن تتجه صوب دير الزور، وكل التحركات تأتي في إطار التحضير لمعركة دير الزور المصيرية بالنسبة لكل الأطراف وليس فقط لتنظيم داعش الذي يسيطر الآن على أغلب المدينة.


الملاذ الآمن والأخير لداعش

مع عنف الضربات التي يتلقاها تنظيم داعش في كل من العراق وسوريا، وتقلص مساحة الأرض التي يسيطر عليها خاصة مع اشتداد معركة الموصل، وبدء معركة الرقة، فإن التنظيم يدرك أنه ليس أمامه إلا دير الزور كملاذًا آمنًا يتسطيع من خلاله البقاء على قيد الحياة لسنوات أخرى، لاسيما وأن التطورات العسكرية الميدانية تتجه إلى سقوط كل من الموصل معقله في العراق، والرقة عاصمة الخلافة المزعومة. ومن هنا تأتي أهمية دير الزور بالنسبة لداعش، حيث أنها من الناحية الجغرافية تقع على الحدود العراقية السورية، أي بين معقلي التنظيم الرقة والموصل. ولهذا فإنه ومع بدء عملية الموصل نقل الكثير من قياداته وآلاف من مقاتليه إلى دير الزور لتكون قلعته الأخيرة في معركته المصيرية.

ويوضح الوضع الميداني الحالي أن نحو 60% من محافظة دير الزور هي في قبضة تنظيم داعش منذ عام 2014، فيما يحاصر التنظيم النظام السوري وقواته في المدينة نفسها ومطارها.

وتشكل دير الزور موقعًا استراتيجيًا على درجة كبيرة من الأهمية، يتيح للتنظيم الإرهابي مزايا وتحصينات جغرافية طبيعية، نظرًا لأنها محاطة بالجبال، ويشطرها نهر الفرات إلى نصفين، ما يجعلها نظريًا عصية على أي هجوم بري مفاجئ، مع محدودية تأثير الضربات الجوية.


يضاف إلى ذلك ما تتمتع به دير الزور من ثروة نفطية يجعلها تؤمن التمويل الكافي للتنظيم ليبقى واقفًا على قدميه نظرًا لاعتماده الرئيسي على توفير موارده المالية من تجارة النفط وبيعه.

كل ما سبق يجعل داعش ينظر إلى دير الزور باعتبارها العاصمة البديلة في حال سقوط الرقة والموصل.


دير الزور والصراع الدولي

بالنظر إلى أن دير الزور تعتبر قوة اقتصادية كبرى كونها سلة سوريا الغذائية وخزان نفضها وغازها، وهي ثاني أكبر المحافظات السورية، ويعيش فيها نحو 1.5 مليون نسمة. ما يجعل معركة دير الزور بمثابة تغير استراتيجي سيحدد مصير العديد من القوى في المنطقة، ويشكل بداية لرسم مرحلة جديدة.

فالجميع يريد السيطرة على دير الزور لينال حصته من كعكة النفط والاستثمارات الكبرى، فموقعها ومساحتها يجعلاها قبلة للطامحين. كما أنها ينظر إليهاباعتبارها سوف تشهد المعركة الكبرى ضد «داعش».

ولهذا لم يكن غريبًا أن التسابق على دير الزور بدأ حتى قبل أن تنتهي معركة الرقة، فمن جانب داعش فإنه شن سلسلة من الهجمات على المواقع التي يتمترس فيها الجيش السوري في المدينة والمطار، في محاولة منه لإكمال سيطرته على المحافظة، ولتخفيف العبء على جبهات الموصل والرقة التي يتعرض فيهما لضربات قاسية.

أما الأكراد فقد أكملوا حصارهم حول الرقة من الشمال والشمال الشرقي والشمال الغربي، فيما تركوا الجنوب مفتوحًا لسببين أولهما أن الحصار الكامل للمدينة يجعل مقاتلي داعش فيها يخوضون معركة البقاء وبالتالي فلن يكون سقوطها سهلًا وسريعًا وستكون تكلفته كبيرة، وترك ممر لانسحاب أو خروج أو هروب عناصر داعش يسهل من المعركة ويسرع من سقوط المدينة بكلفة بشرية أقل، علاوة على ذلك فإن هروب عناصر داعش سيكون إلى دير الزور وهو ما يحقق الهدف الكردي والدولي بأن تتحول دير الزور إلى الملاذ الأخير لداعش، ما يجعل أمر تدميرها مبررًا، ليستفيد المتصارعين من مواردها الطبيعية.

أما التنظيمات المسلحة الأخرى وأغلبها مرتبط بتركيا، فقد بدأت عمليات عسكرية ضد داعش يستهدفون منها الوصول إلى دير الزور لتحريرها من التنظيم.

فيما سارع النظام السوري وحلفاؤه ـ حزب الله ـ إلى الدفع بمزيد من المقاتلين لدعم القوات الموجودة بالمدينة حتى لا تسقط كاملة في يد داعش.

وفي الوقت الذي تدعم فيه روسيا النظام السوري في معركة دير الزور، لضمان حصة لها في المدينة وخيراتها، فإن الولايات المتحدة من جانبها وعلاوة على دعم الأكراد، فإنها تدعم فكرة تشكيل مجموعات مسلحة من أبناء المنطقة لخوض معركة تحريرها من داعش، نظرًا لأنه ورغم نجاح الأكراد في تنفيذ الأهداف الأمريكية، إلا أن الأمر قد تعترضه بعض العقبات في معركة دير الزور، خاصة وأن الأكراد لن يكون مرحبًا بهم في مثل هذه المعركة من أبناء المنطقة.

خلاصة القول إنه ورغم الأهمية الكبيرة لمعركة الرقة نظرًا للرمزية التي تمثلها كعاصمة لخلافة داعش، فإن الأهم من معركة الرقة هو معركة دير الزور التي ستلعب دورًا كبيرًا في رسم الخريطة الجديدة لسوريا في ظل الصراع الدولي والإقليمي عليها.

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق