«أبو حصيرة» لن يعود

الأربعاء، 05 أبريل 2017 03:16 م
«أبو حصيرة» لن يعود
صبرى الديب يكتب

في تصرف غريب من نوعه، عادت الصحف الإسرائيلية منذ أيام لفتح ملف مولد «أبو حصيرة» من جديد، مطالبة بالضغط على القاهرة لإعادة عربدتهم التي ظلوا يمارسونها في مصر لسنوات، متجاهلة الحكم التاريخي الذي أصدره القضاء المصري في ديسمبر 2014، بمنع احتفالاهم السنوي بحاخامهم المزعوم، بعد أن ظل لسنوات بمثابة صداع أرق الشعب المصري عامة، وقرية «دمتيوه» بمحافظة البحيرة خاصة. 
 
ويعتقد اليهود بحسب أساطيرهم الكاذبة، أن «يعقوب أبو حصيرة» كان يعيش منذ مائة عام في مدينة مراكش بالمغرب، وأراد الحج إلى القدس، فركب سفينة، إلا أنها غرقت بمن فيها، إلا الحاخام اليهودي، الذي فرد (حصيرته) التي كان ينام عليها على سطح الماء، وجلس فوقها وظل مبحرًا حتى وصل إلى السواحل السورية، ومنها اتجه إلى القدس، وبعد أن أدى شعائر الحج وزار حائط المبكى، حمل حصيرته على كتفه وظل يمشي إلى أن وصل إلى مصر، حيث اعجبه الحال بقرية(دمتيوه) فاستقر بها، وعمل إسكافيًا (عامل أحذية) وظل يعيش بالقرية إلى أن مات، في عهد الخديوي توفيق، ودفن بمقابر اليهود بالقرية.
 
في حين أن الرواية التاريخية الصحيحة التي أخذت بها محكمة القضاء الإداري تقول: إن أبو حصيرة (مسلم مغربي) عاش في مراكش باسم (محمد بن يوسف بن يعقوب الصاني) وعمل بالفعل في إصلاح النعال، وكان رجلا ناسكًا زاهدًا، حج بيت الله الحرام عدة مرات، وأن المغاربة يؤكدون بالوثائق أن نسبه يمتد إلى طارق بن زياد، وأنه قد استقر في نهاية حياته في قرية (دمتيوه) حيث أطلق البعض عليه لقب (أبو حصيرة) نظرا لأنه كان فقيرا ولا يمتلك سوى حصيرة ينام عليها، وعندما مات، لم يكن أحدا يعرف له نسبا أو قريب، فقام أحد تجار القطن بالقرية بدفنه في مقابر اليهود.
 
وعلى الرغم من أن أساطير اليهود، تؤكد أن أبوحصيرة، عاش ودفن في القرية منذ ما يزيد عن 100 عام، إلا أن الخرائط المساحية لمدينة دمنهور تؤكد أن قبره لم يظهر إلا عام 1910، وأنه قبل ذلك التاريخ لم يكن له وجودا في كل الخرائط السابقة.
 
وتأكيدا لإصرارهم على فرض واقع مزور لهم في مصر، فقد طالب أحد أكبر الحاخامات في إسرائيل نقل رفات (أبو حصيرة) إلى إسرائيل، إلا أن ساسة الكيان الصهيوني رفضوا الأمر بشدة، ورفضت مصر الدعوى، وهو ما فسره اليهود بأن «أبو حصيرة رفض مغادرة مصر» وأكدوا أنه طالما رفض الانتقال لإسرائيل فالواجب يفرض أن نذهب لزيارته هناك.
 
وشيئا فشيء، أخذ اليهود في اختراع الكرامات والمعجزات والقصص حول الحاخام المزعوم، واخذوا يتوافدون سنويا إلى القبر لذبح الخراف والخنازير، وشرب الخمر، وسكبه فوق القبر ولعقه بألسنتهم، والرقص عرايا على أنغام وتراتيل يهودية بشكل هستيري، وغيرها من الممارسات الشاذة.
 
وبدأ التفكير في توسيع المقبرة في إطار خطة صهيونية، حيث انهالت التبرعات اليهودية لشراء الأراضي حول المقبرة، وبالفعل نجحوا في شراء نحو 500 مترا حولها والتوسع بمساحتها من 350 إلى 840 مترًا مربعًا، وشرعوا في بناء سور ومنشآت أشبه بالاستراحات، وسارعت إسرائيل بتقديم معونة مالية لمصر في عهد مبارك، لإنشاء (جسر أبو حصيرة) ليربط دمتيوه بطريق علوي موصل إلى مدينة دمنهور لتيسير وصول اليهود إليها، وبدأت أطماعهم تتزايد، حيث شرعوا في شراء خمسة ‏أفدنة حول المقبرة لإقامة فندق عليها، إلا أن أهالي القرية رفضوا بيع مزيدا من الأراضي بعد أن انتبهوا لمخططهم، ورفضوا عروضا خرافية من يهود لشراء أراضي حول المقبرة.
 
وفي تصرف غريب أصدر فاروق حسني وزير الثقافة الأسبق في عام 2001 قرارا بضم المقبرة إلى هيئة الآثار المصرية، الأمر الذي كان سيعطي اليهود الحق في زيارة الضريح طوال العام وليس مرة كل عام، وهو ما كانت تسعى إليه إسرائيل.
 
إلا أن محكمة القضاء الإداري بالإسكندرية، أسدلت الستار على الأكذوبة الإسرائيلية بشكل قاطع في 29 ديسمبر عام 2014، حيث قضت بإلغاء الاحتفالات السنوية بمولد أبو حصيرة، وإلغاء قرار فاروق حسني، وإلزام هيئة الآثار بشطب الضريح من سجلاتها، وإبلاغ اليونسكو بالقرار.
 
كما رفضت المحكمة نقل رفات(أبو حصيرة) إلى القدس، مؤكدة أن طلب إسرائيل لليونسكو بهذا الشأن، يعكس أطماعهم بجعل المنظمة الدولية، شاهدا على تكريس فكرة يهودية الدولة على الأراضي الفلسطينية، وتغيير هوية القدس العربية.
 
وأنهت مصر أسطورة (أبو حصيرة) إلى الأبد رغم أنف إسرائيل، ولن تعود.
 

 

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق